سياسة أميركا “القيادة من الخلف”؟
سركيس نعوم
“المحافظون الجدد” الذين سيطروا على بعض سياسات اميركا في أثناء الولايتين الرئاسيتين لجورج بوش الابن لا يزالون موجودين في قلب الساحة السياسية الاميركية. ويُمثِّلهم في صورة رئيسية الحزب الجمهوري والمتطرفون من قادته الذين اطلق على تجمعهم اسم “حزب الشاي”. وعلى رغم تمنيات أخصامهم لم يستسلم هؤلاء للناس بل خاضوا معركة ناجحة في أثناء الانتخابات التشريعية النصفية قبل أقل من سنتين. وهم يعملون اليوم لاستعادة رئاسة الدولة في انتخابات تشرين الثاني المقبل. وخلافاً لتوقعات الكثيرين، فان معركتهم جدية رغم ان الاستطلاعات لا تزال تعطي اوباما الديموقراطي حظوظاً أكبر. ويكفيهم اعترافاً بقوتهم اضطرار المرشح الجمهوري التقليدي ميت رومني الى الاستعانة بهم لتحسين حظوظه الرئاسية وذلك باختيار احد ابرز رموزهم مرشحاً لنيابة الرئاسة معه.
ما هي سياسة هؤلاء المحافظين الجديد حيال ما يجري في المنطقة حالياً وتحديداً حيال موضوعين متشابكين ومنفصلين في آن واحد ومهمين جداً للعالم كله هما ايران الإسلامية “النووية” والازمة السورية؟
ليست سياستهم مخفية. فهم معادون لايران الاسلامية بسبب سياساتها المعادية في نظرهم لاميركا وحلفائها وأهمهم اسرائيل. وقد ازداد عداؤهم بعد مباشرتها وبنجاح برنامجاً جدياً للتحول دولة نووية سلمياً وعسكرياً. ولذلك فإنهم مع توجيه ضربة عسكرية إليها لمنعها من ذلك. كما ان مرشحهم رومني اعطى الضوء الأخضر لاسرائيل لتنفيذ ضربة كهذه. وهذا ما سيحصل في حال وصولهم الى البيت الأبيض، إذا لم يكن حصل قبل الانتخابات. وهم في الوقت نفسه معادون لنظام بشار الاسد في سوريا ويشجعون بلادهم على الانخراط أكثر في دعم الثائرين عليه مادياً وتدريباً وسلاحاً وحتى تدخلاً عسكرياً مباشراً أو بالواسطة. وتتساوى في هذا الموقف غالبية الجمهوريين من محافظين جدد وتقليديين.
طبعاً هذه السياسة، وعلى الاندفاع الذي يميز المؤمنين بها، لا تستهوي غالبية الشعب الاميركي وقياداته السياسية والحزبية وفاعلياته الإعلامية والمالية والبحثية، رغم اشتراكها مع “المحافظين الجدد” في الموقف السلبي من ايران النووية، ومن نظام الاسد في سوريا، ومن الموقف الايجابي جداً من اسرائيل. وأكثر ما ترفضه الغالبية المشار اليها هو الانخراط الاميركي العسكري المباشر في الحرب السورية الدائرة. وأسباب الرفض كثيرة، منها صعوبة تأمين النصر لثوار متناقضين ومتنوعين وبالكاد معروفين من دوائر الاستخبارات الاميركية. ومنها ان التدخل سيكون ليس في ثورة بقصد إنجاحها بل في حرب أهلية أو مذهبية مع كل الدم الذي يراق وسيراق فيها. فذلك امر لا تستطيع اميركا احتماله.
في هذه الحال ما هي السياسة التي يتوجب ان تعتمدها اميركا حيال ايران وسوريا؟
حيال ايران فان السياسة التي ينصح بها باحثون جديون في مراكز ابحاث عريقة، منها مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، تقوم على بذل كل الجهود الصادقة لايجاد حل للخلافات معها بالحوار، وعدم اللجوء الى الخيار العسكري الا عندما ترى الإدارة الاميركية ان ايران مصممة على متابعة سياسة التحول قُطباً اقليمياً بل دولياً يمتلك ترسانة عسكرية نووية. اما حيال سوريا فان السياسة التي ينصح الباحثون انفسهم باستعمالها فهي “القيادة من الخلف” وعدم التورط مباشرة في أي عمل عسكري أو من شأنه استدراج اميركا الى عمل عسكري. أي قيادة الدول الاقليمية المعنية بما يجري في سوريا والمنطقة التي تقع عليها مسؤولية دعم الثوار بكل ما يحتاجون اليه وحتى بالتدخل العسكري المباشر أو غير المباشر إذا قضت تطورات الصراع بذلك. إذ ان ما يجري في سوريا يؤثر على هذه الدول. كما ان نتائجه قد تكون لها مفاعيل تغييرية سلبية او ايجابية داخلها، علماً ان التمييز بين السلبية والايجابية يخضع لما تعتبره الانظمة في تلك الدول في مصلحتها او في غير مصلحتها. ابرز هذه الدول جيران سوريا وفي مقدمهم الاردن وتركيا ولبنان رغم ظروفه البائسة، واشقاؤها مثل العربية السعودية وقطر. طبعاً يعرف الباحثون انفسهم ان اسرائيل ايضاً معنية بما يجري حالياً في سوريا وانها خائفة من انتصار الثوار بل من وصول إسلاميين متشددين الى السلطة فيها، وتحويلهم جبهة الجولان جبهة تشبه ما كانت عليه جبهة لبنان ولا تزال. لكنهم لا ينصحونها بالتدخل.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل الدول المذكورة هذه قادرة على القيام بالمطلوب منها؟
النهار