سياسة أوباما تجاه سوريا
ويليام رو
يواجه أوباما ضغوطاً شديدة لتقديم مساعدات أكبر للمعارضة السورية، فلماذا لا يبدو مستعداً حتى هذه اللحظة للغوص في الأزمة السورية؟ قبل الإجابة على السؤال، لابد من استعراض المشهد السوري للتعرف إلى أبرز ملامحه، فالبلاد أولاً تعيش مأساة حقيقية بسبب الهجمات التي يشنها جيش النظام على القرى والمدن السورية، مستخدماً الأسلحة الثقيلة والطائرات، الأمر الذي نتجت عنه معاناة رهيبة للشعب السوري بعد مصرع أكثر من سبعين ألف مدني، فيما فاق عدد اللاجئين مليون سوري فروا من البلاد خوفاً من أعمال القتال والعنف.
وقد تحولت سوريا، ثانياً، بلاجئيها الذين يتدفقون بأعداد متزايدة عبر الحدود إلى عبء على جيرانها كما زاد احتمال انتقال الأزمة إلى الدول المجاورة. وأما الملمح الثالث الذي يطبع الوضع السوري، فهو فشل جهود الوساطة الدولية بعد سنتين على اندلاع الثورة السورية، على رغم إشراف الأمم المتحدة والجامعة العربية على تلك الجهود، ومع تولي مبعوثين أمميين لمساعي الوساطة، هما كوفي عنان، والأخضر الإبراهيمي، ويضاف إلى ذلك أن المكاسب التي حققها الثوار على مدى السنتين الماضيتين لم تترجم إلى انتصار ناجز بالنظر إلى تفوق الجيش النظامي الذي ما زال يضم في صفوفه 50 ألفاً من القوات بعد انشقاق البقية، هذا إضافة إلى توافر جيش النظام على أسلحة ثقيلة وسلاح الجو. ولذا فقد ألح الثوار على ضرورة تسليحهم ومدهم بالمعدات الضرورية القادرة على مواجهة الطيران والدبابات واختراق الدروع. وأمام تردد الغرب وتحفظه على التسليح خوفاً من تصعيد الأزمة بادرت بعض الدول العربية إلى إرسال شحنات من السلاح إلى الثوار على أمل ترجيح كفتهم، والتسريع بإنهاء المعركة.
ولكل هذه الأسباب مجتمعة، وبالنظر إلى الوضع المزري لسوريا واحتدام الصراع، يواجه أوباما ضغوطاً مستمرة لإمداد الثوار بالأسلحة الأميركية، وهي ضغوط لا تقتصر على حلفاء أميركا في الشرق الأوسط وحدهم، بل تأتي أيضاً من المعارضة السياسية في الداخل، مثل دعوة السيناتور جون ماكين للإدارة الأميركية بتسليح المعارضة، غير أن أوباما أصر من جهته على اعتماد أساليب بعيدة عن التسليح لتقديم يد العون للمعارضة دون أن يرقى ذلك إلى تدخل عسكري مباشر في الشأن السوري، فهو أولاً اتخذ موقفاً سياسياً واضحاً منذ البداية بدعم تطلعات الشعب السوري ومطالبته مبكراً منذ صيف 2011 بتنحي الأسد وخروجه من السلطة بعد تنامي أعمال العنف وسقوط القتلى في المظاهرات المدنية. ثم بذل أوباما، ثانياً، جهوداً دبلوماسية، من خلال الأمم المتحدة واللقاءات المتكررة مع المسؤولين الروس لإنهاء الأزمة السورية، عبر التوصل إلى حل سياسي يوقف إراقة الدماء. هذا بالإضافة إلى المشاورات التي أجريت مع الحلفاء الأوروبيين والبلدان العربية لإيجاد حل يجنب سوريا الدمار.
ثالثاً قدمت الولايات المتحدة أكبر قسط من المساعدات الإنسانية مقارنة ببقية الدول، فقد أدركت الإدارة الأميركية منذ البداية أن التكلفة البشرية والإنسانية للثورة السورية ستكون باهظة ولا مناص من تدخل إنساني حاسم للتخفيف من معاناة السوريين، فيما يتعلق بتوفير المأوى والغذاء والمستلزمات الطبية وغيرها، بل وصل الدعم حتى في مجال يقترب من الدعم العسكري للثوار.
ومع ذلك يشتكي منتقدو إدارة أوباما من أن كل تلك الجهود ظلت قاصرة عن إنهاء الأزمة، مجادلين بأن التردد وعدم التدخل العسكري الواضح، إنما يفاقم الوضع ويرفع الفاتورة الإنسانية التي سيكون على الشعب تكبدها، فلماذا بعد كل هذه الانتقادات رفض أوباما اللجوء للخيار العسكري؟ الحقيقة أن تحفظ أوباما عن الانجرار مجدداً إلى حرب في الشرق الأوسط يرتكز على عاملين اثنين، أولاً الخوف من وقوع الأسلحة الأميركية التي يفترض وصولها إلى المقالتين في أيدي عناصر متشددة قد تستخدم لاحقاً ضد المصالح الأميركية، ولعل ما يزيد من هذه المخاوف انقسام المعارضة السورية وعدم وجود قيادة موحدة مسؤولة عن مجمل العمليات القتالية الجارية في سوريا وقادرة على ضبط السلاح والتحكم فيه، بل أكثر من ذلك ظهور جماعات متشددة على الساحة تقاتل إلى جنب الجيش السوري الحر، مثل “جبهة النصرة” التي يشتبه في علاقتها مع “القاعدة”، ما حدا بالولايات المتحدة إلى إدراجها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وهو ما يعني أنه يُحظر على المواطنين الأميركيين تقديم أي نوع من المساعدة مهما كان لعناصر ذلك التنظيم. أما السبب الثاني الذي يدعو أوباما إلى عدم المجازفة بالتدخل العسكري في سوريا، فهو الخوف من تحول المعركة إلى حرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا في وقت لا تريد فيه واشنطن تعريض علاقاتها الدبلوماسية مع موسكو للخطر وضمان تعاونها في قضايا أخرى، أهمها الملف النووي الإيراني الذي تضطلع فيه روسيا بدور مهم، فأميركا تريد العمل مع روسيا والتنسيق معها على مسارين متوازيين، هما الأزمة السورية بتداعياتها السياسية والأمنية الخطيرة على المنطقة، والبرنامج النووي الإيراني بعواقبه الوخيمة أيضاً في مجالي الانتشار النووي والمصالح الأميركية بالشرق الأوسط، ولذا لا تريد واشنطن تعريض هذه الجهود للخطر وتنفير روسيا باتخاذ خطوات غير محسوبة.
ولكن هذه المخاوف والتحفظات لا تعني أن أميركا حسمت موقفها بعدم التدخل في الأزمة السورية، بل هي، كما قالت، بصدد مراجعة سياستها تجاه سوريا ما يعني أنها قد تتغير في أي لحظة، ولاسيما إذا تبدلت دينامية الصراع واستجدت أمور تستدعي العمل العسكري. ولعل ما نقلته بعض التقارير الصحفية مؤخراً من انخراط وكالة الاستخبارات المركزية، “سي أي إيه”، في عمليات نقل شحنات للأسلحة عبر الحدود التركية إلى سوريا وتسهيل دخولها بعد اقتناء دول عربية شحنات من كرواتيا هو أوضح دليل على احتمال تغير الموقف الأميركي وانخراطه في تسليح الثوار.
الاتحاد