سياسة حفر القبور
أيمن جزيني
الخلافات التي تظهر بين أطياف المعارضة السورية تثير القلق. نظريا ثمة رأي يقول ان التنوع الذي تتشكل المعارضة السورية على أساسه بالغ الاهمية، لأن مثل هذا التنوع هو الضامن لمسقتبل سوريا السياسي، فلا يتفرد طرف مسيطر بالقرار ويحتكر السلطات ونعود إلى الدوامة إياها. أي قمع الشعب باسم الثورة مرة أخرى.
بلاد العرب ابتليت بهذه المعادلات كثيرا وطويلا، ومن حق أي كان أن يطرح التساؤلات نفسها على ثوار اليوم. هل سيتم إستبدال نظام جائر وقمعي بنظام جائر وقمعي آخر؟ داوود أوغلو من بيروت يقول ان الربيع العربي، يجب أن لا يكون مدعاة خوف لدى الأقليات. المبدأ مقبول ومفهوم، إنما ما هي سبل تطبيقه في الواقع؟
إلى الآن، للأسف الشديد، ليس ثمة وصفة محددة لتجنب مثل هذا الخوف وتبديده. ما زالت الثورات لا تقول شيئاً غير التطمينات المعهودة. وما زال الثوار في مرحلة المواجهة المميتة مع نظام مصر على القتل وارتكاب الفظائع. هذا سبب جوهري لإعطاء الثورات فرصة للتنفس. مع ذلك يجدر بنا الحذر.
حين يخرج ضابط منشق عن الجيش النظامي السوري ليقول إن ثمة في المجلس الوطني جواسيس لـ”حزب الله” وإيران والنظام الأسدي، ومن بينهم أعضاء مجلس تنفيذي، فهذا أمر يجب أن لا يؤخذ على محمل التصريح العابر. المسألة ليست في صحة الاتهام بحد ذاتها. المسألة تكمن في أن الضابط المنشق يجيز لنفسه أن يطلق الأحكام المطلقة. الأمر الذي يعني تخوين كل من تسول له نفسه قول رأي مغاير.
الثورة السورية مثل غيرها من الثورات، تتداخل فيها أمور كثيرة، الغضب والإحباط، والرغبة في الانتقام، والاتجاه نحو المعاملة بالمثل، لكنها حتى اليوم، عدا استئناءات قليلة، لم تلجأ إلى مثل هذه الأساليب، ولم تجنح مثل هذا الجنوح الأعمى. في المقابل يصر النظام السوري على إلباسها هذا اللبوس، ويجهد كل جهده في تحويل الثورة إلى حرب أهلية مديدة.
ولو سأل سائل ما الذي قد يستفيده النظام من تحويل الثورة إلى حرب أهلية مديدة؟ لما استطاع أن يجد إجابة لها ما يسندها من المنطق. ثمة إصرار غير مفهوم على دفع الأكثرية الساحقة من السوريين، بحسب انقساماتهم الطائفية اليوم، إلى سلوك المسلك الذي يسلكه النظام. ولأنها أكثرية ساحقة فإن حشرها في هذه الزاوية قد يؤدي إلى تسيد دعوات تدعو إلى اضطهاد الأقليات على نحو لا يمكن رده. والأرجح أن الأكثريات قادرة على فعل ذلك ولن تعدم وسيلة لتحقيقه. إذ حين تصير الحرب الأهلية صريحة بين سنة وعلويين على سبيل المثال فما الذي سيبقى بعدها من حظ للنظام في البقاء؟
لبنان الآن