سيرة الناشط رودي عثمان من التظاهرة الأولى إلى السجون.. إلى جبهات القتال
وجوه الثورة السورية المتعددة والباهرة
عمان ـ جولان حاجي
هذا النص هو ثمرة لقاءات مطوّلة مع الشاب والطالب الجامعي رودي عثمان، الذي كان من أوائل الذين شاركوا في انطلاقة الثورة السورية، والذي عانى الاعتقالات والتعذيب، وشهد على الأحداث الأولى التي أفضت الى اندلاع الانتفاضة الشعبية الشاملة في كل أنحاء سوريا منذ آذار 2011.
الخروج إلى الأردن
جاء اعتقاله الثالث خلال أقل من سنة قاصماً. متردداً في خروج لا مناص منه، ملتحقاً بأصدقاء آخرين مهددين مثله سبقوه إلى الأردن، ظل رودي عثمان مترقّباً في استراحة النخيل على أوتوستراد درعا، لأن الشخص الذي سيأخذه لا يرد على الهاتف الجوال، قبل أن تأتي دراجة نارية لتقلّه إلى أحد منازل قرية نصيب الحدودية. هناك، انتظر طويلاً حلول المساء، وهتف في ساحة مدرسة في آخر تظاهرة يحضرها في سوريا.
كان المنزل الذي استضافه قد طبخ أرزاً وبازلاء، الوجبة نفسها في مطابخ السجون التي اعتقل فيها. أثنى على الطعام أمام الأم وابنها، وأسكت جوعه بلقم قليلة ازدردها على مضض: «إن شاء الله بالنصر وسقوط النظام». باقتراب الليل، انتبه إلى تجمع القادمين أمام سيارات فان وسوزوكي، وقد خرجوا على دفعات من ثلاثة أو خمسة أشخاص نزلوا في منازل متفرقة من القرية. كانت السيارات تذهب بالنازحين إلى أبعد نقطة ممكنة على الحدود ثم تعود لتحمل المزيد منهم. سار رودي 40 دقيقة مشياً ريثما وصل بصحبة 200 آخرين إلى عساكر الحدود الأردنيين. نقطة تل شهاب الأقرب أمست خطرة، بعد تمركز دورية للأمن الجوي فيها، وعناصر الهجانة السورية يطالبون أحياناً بمبالغ صغيرة لقاء السماح للاجئين بالعبور فيتعاون المفلسون على تسديدها. كانت القاعدة النصيحة هي: «حذار القناصة. اركضوا واركضوا دائماً، ولا تنظروا إلى الخلف مهما كانت الأسباب. لا تردوا إذا استوقفكم أحد وإذا نُوديتم فلا تجيبوا». أحد المهربين يقود المجموعة، وكلٌّ يركض مثل الراكض أمامه، والمجموعة بأكملها تسير كجسد واحد.
كان رودي، الذي غادر المعتقل منذ يومين مبرَّحاً بضربات أخمص الرشاش والهراوات، آخر السائرين. حمل طفلة باكية ما عادت أمها المريضة تقوى على حملها، فغفت على كتفه ثم أرخى عجوز بدين بكل ثقله عليه، لاهثاً وعاجزاً عن الكلام، وسار على هذا النحو عشر دقائق مهرولاً تقريباً على حصى البرية المظلمة، بينما حقيبته تضرب كخنجرٍ ركبته المرضوضة. بقلب تسارعت دقاته، لم يتمكن من كتم رجائه للعجوز: «أرجوك يا عم، سيغمى عليّ من شدة الألم. أترى العسكري الأردني هناك؟ لقد وصلنا، فأكمل وحدك والحمد لله على السلامة». عند وصولهم إلى المخفر الحدودي جاءت الأم بحثاً عن ابنتها التي حسبتها مفقودة. استلقى منهكاً لاهثاً، ثم سقاهم العساكر الأردنيون شاياً وماء، قبل أن تتبدل النبرة شيئاً فشيئاً ويضطر النازحون إلى انتظار وصول الباصات حتى الثانية ليلاً. في ذاك البرد الجاف الرهيب، برد ليالي نيسان، كانت هناك خيمة مفتوحة التمّت تحتها النساء والأطفال، بينما الرجال أوقدوا ناراً صغيرة في العراء، ورضّع كثيرون يبكون، اقترب رودي من الخيمة، وعاد وبين ذراعيه رضيع مزرق الشفتين خافت البكاء، بعد طمأنة الأم والتملص من توبيخ الحارس الذي اعتبر تصرفه خرقاً للأعراف. بوجه كالثلج غفا الرضيع أمام النار، وظل هناك إلى أن نودي باسم أمه فأخذته وانصرفت على عجل.
الاعتصامات والتظاهرات الأولى في دمشق، شتاء وربيع 2011
كانت لرودي في غرفته التي هجرها، بالمنطقة ذات الأغلبية الكردية على تخوم دُمّر وادي المشاريع، خريطة كبيرة لسوريا، يرسم على تضاريسها دوائر خضراء حول نقاط التظاهر ويحلم باخضرار البلد كلها. ترك بيت والديه المراقب، متنقلاً ومتخفياً، منذ مشاركته في أولى تظاهرات الثورة السورية.
انفضّ الاعتصام الأول أمام السفارة التونسية في المزة فيلات، وتفرقت قلة لبوا دعوة على الفيسبوك. ثم كان اعتصام ثانٍ التقى فيه قرابة المئة شخص أمام السفارة المصرية في كفرسوسة، أشعلوا الشموع وتناقلوا كاريكاتيراً ليوسف عبدلكي، ورددوا أغنية استفزت الأمن «هبّي يا رياح التغيير هبي». وفي اعتصام آخر بساحة باب توما، تأخر رودي قليلاً فشاهد سهير أتاسي تُضرب قبل أن تُسحب إلى المخفر. ومع الاعتصام أمام السفارة الليبية ليومين متواليين تأكد الإحساس بوصول الثورة إلى سوريا. في ثاني أيامه أمام الكنتاكي في حديقة المدفع ضربت ريم الغزي واعتقل العديد قبل أن يفرج عنهم في المساء نفسه. وفي التظاهرة الأولى 15 آذار 2011 أمام الجامع الأموي، وكانت الدعوة موجودة على صفحة «الثورة السورية ضد بشار الأسد»، تعرف خمسون شاباً إلى بعضهم البعض من أيام الاعتصامات، وتبيّن لاحقاً أن نصفهم جاؤوا من الزبداني. بعد دقائق من الترقب والقلق، علا آذان الظهر، ثم انطلق الهتاف الأول «الله أكبر عالظالم»، وأجساد المتظاهرين المرتبكة تتنمل فرحاً وخوفاً، «حرية حرية، الشعب السوري ما بينذل». كان رودي في نهاية التظاهرة يصورها بقلق، بعد أن ترك، مثلما ترك مرات عديدة لاحقاً، رسالة اعتذار وحب لأهله تحسباً لاختفائه المفاجئ، ويرى الواقفين يتطلعون إلى المتظاهرين كأنهم يتفرجون على المجانين. قبل الوصول إلى ساحة الحريقة لاحت باصات المرسلين إلى الضرب، وأخفقت محاولة الشبان للالتقاء مجدداً عصر اليوم نفسه. عاد ببوظة بكداش ليجلس وسط حمام الساحة، غيرَ مصدِّقٍ روعةَ ما شاهده وسمعه. في اليوم التالي، كان هناك اعتصام أمام وزارة الداخلية في المرجة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، وقد ساهم شبان عديدون بالإعداد له. ضُرب المعتصمون وجرجر الطيب تيزيني على الرصيف ليُخبط رأسه بعمود إنارة، واعتقل عديدون، من بينهم كمال شيخو الخارج للتو من السجن ونارت عبد الكريم وناهد بدوية. لاذ عامر مطر ورودي بمكتب طيران فطردهما مدير المكان الذي اشتبه فيهما، فأوقفا سيارة تاكسي وأنزلا راكبها وذهبا إلى شارع العابد ليذاع الخبر على صفحات الفيسبوك ومن ثم في وكالات الأنباء. في جمعة 18 آذار الأولى، حين بدأ القتل في درعا، كان في الجامع الأموي، وقام بتصوير الهتافات على جواله. وحين أغلقت البوابات وبدأ الأمن بضرب المتظاهرين، تسلل رودي هارباً وحذاؤه في يده. حدّث المخابرات بالإنكليزية، وشعره الطويل آنذاك أسبغ عليه سحنةَ أجنبي أنقذته. ذهب إلى الحديقة البيئية، وما إن جلس حتى شبك «الثري جي» وقام بتنزيل المقطع المسجل لتتناقله الفضائيات لاحقاً. أما الجمعة التي تلتها فكان الضرب همجياً إلى حد تعذر معه فتح أي كاميرا مهما صغرت. وفي جامع الرفاعي بكفرسوسة، الذي عُلقت إليه لاحقاً لافتة «مغلق للصيانة»، حوصر المكان وبين الشبيحة طلبة كثيرون تعرف رودي إلى أحدهم ساعده في الهروب، زميل من أيام الدراسة في كلية الحقوق التي درس فيها مثل أبيه، ثم أوصله ذاك الزميل إلى مقربة من ملعب تشرين حيث تم تنزيل مقطع آخر وإرساله إلى رفاقه من مقهى إنترنت. ثم توالت التظاهرات في جامعي الحسن والدقاق في الميدان.
حبة البندورة
اعتقل رودي للمرة الأولى إثر إحدى تظاهرات الميدان، بعد أن أوصل ولداً مذعوراً إلى المنزل. فضحته عيناه المحمرتان جراء القنابل المسيلة للدموع، لكنه استطاع أن يتخلص من الكاميرا وقلم الكاميرا، وضُرب معه عنصران لم يتعرف إليهما عناصر أمن الدولة لأنهما من فرع آخر. حُشر 26 شاباً في المهجع، حيث يشقُّ النوم والتنفس، وكل بضع دقائق يفتح السجان الباب وينهال بالضرب على من تطاله يده أو يعمل المقص في شعورهم. كانت حصة رودي من الطعام حبة بندورة خضراء لم يأكلها، وراح يدفئها بكفيه وأنفاسه آملاً أن يُفرج عن الجميع حين تحمرّ. بعد إطلاق سراحه، كان في شارع الحمرا حين وضع شخص يده على كتفه وسأله على الفور: «أنت ناشط بالثورة؟»، فأكمل الرجل عند سماعه الإنكار: «كان معنا في السجن شاب يشبهك ومعه حبة بندورة حفظناها، ثم أكلتها أنا لمّا احمرت تماماً، لأنني كنت آخر المفرجين عنهم». كان هذا الشاب الثلاثيني متهماً بقتل شرطي، وقد تعاون مع شبان التنسيقيات في تنظيم تظاهرات الميدان.
اقتحام المدينة الجامعية
في دمشق، حزيران 2011
تلقى رئيس الاتحاد الوطني لطلبة سوريا عمار ساعاتي الأوامر بتوزيع هراوات كهربائية على الطلبة الموالين، بعد أن جرت عدة اعتصامات قصيرة ومحاولات اعتصام في جامعة دمشق. كانت التظاهرة الطلابية الأولى في كلية العلوم صغيرة، بعد التمويه بالإعلان عنها في كلية الآداب. تنقّلُ الأمن بين الكليتين يقتضي عشر دقائق على الأقل كانت كافية للقيام بالتظاهرة. أغلقت البوابات على الفور، وهجم الطلبة البعثيون والموالون على المعتصمين، وتكالبوا بالضرب على زملائهم ورفاقهم. وعند وصول الأمن اعتقلوا الشاب ف. ح وأجبر على الظهور في مقابلة على قناة الدنيا. اختفت كدماته تحت المكياج، بينما عنصر الأمن واقف إلى جوار الكاميرا يتوعده ما لم يعترف بأن العصابات المسلحة قد اعتدت عليه.
كان رودي بصحبة صديقته التي سيوصلها إلى الوحدة السكنية التي تقطنها قبل أن تُغلق في العاشرة ليلاً، حين فاجأتهما أعداد عناصر الأمن الكبيرة. كانوا قد اعتقلوا طالبات درعاويات هتفن «الله أكبر» في الوحدة الثانية، وشبان درعاويون معتصمون في الساحة بين تمثال حافظ الأسد الضخم ومكتب مدير المدينة للإفراج عنهن. هاجم الطلبة الموالون والشبيحة زملاءهم الذين هربوا إلى الوحدة 13 حيث حوصروا وهم يكبّرون، وضُربوا واعتُقلوا بعد قطع الكهرباء. ظل رودي إلى الواحدة والنصف ليلاً خارج سور المدينة الجامعية ينقل الخبر، يرى وصول باصات الشبيحة من المزة ويسمع إطلاق النار والقنابل الصوتية وهتافات «بالروح بالدم نفديك يا بشار» والهاتفون يطوفون حول تمثال حافظ الأسد بعصي اقتلعوها من مقاعد الساحة. في ذاك الصخب والخوف، اقتطع بعض الطلبة صوراً لبشار الأسد من الصفحات الأولى للجرائد وعلقوها إلى الشبابيك، لكنها ما أجدَتْ نفعاً أمام ضربات الشبيحة الذين خلعوا أبواب بعض الغرف بقبضاتهم وأكتافهم ليضربوا ويعتقلوا عشوائياً. حاولت إحدى الفتيات أن تنتحر حين سمعت بمقتل أخيها في الوحدة13. وحال الشاب مدير المدينة الجامعية الجديد وبعض عناصر الأمن الجامعي دون اقتحام الشبيحة لسكن الطالبات. في النهار التالي، كانت المدينة شبه مهجورة بعد نزوح قاطنيها في فترة امتحاناتهم إلى منازل شتى. أبواب مكسورة وكتب على الأرض وأطباق وكؤوس مهشمة في الغرف والممرات.
كان هناك نشاط ملحوظ في كليتي الطب وهندسة العمارة. نثرت قصاصات شعارات الثورة في حدائق الجامعة، وألصقت صور حافظ الأسد إلى المراحيض، والمنفذون يتحايلون على الكاميرات بتغطية وجوههم وتنفيذ المهمة على عجل ثم تغيير ملابسهم. كتبت الشعارات على ألواح قاعات المحاضرات، وأسقط جهاز عرض الشرائح على الحائط «يلعن روحك يا حافظ»، قبل أن ينتبه الدكتور وتعم البلبلة القاعة. بعد اعتصام كلية الطب، حيث ضرب الطلبة القادمون من مدن مختلفة وكسِّرت بالهراوات عظام بعضهم على يد زملائهم الموالين، وكذلك الاعتصام الذي أخفق في ساحة كلية الاقتصاد، لم يفصل اتحاد الطلبة أحداً لكيلا يستفيدوا من منح دراسية قد يحصلون عليها خارج سوريا، وإنما منعوهم من تقديم الامتحانات إلى أن يستنفدوا فرص الرسوب.
الثورة السورية ثورة بنفسج
أثناء اعتقاله الثاني، كان رودي في منفردة الأمن السياسي يتحايل على الوقت بممارسة الراكي واليوغا. يمارس تمارين الضغط فالسجناء يخشون السمنة ويتوقون إلى الجنس. ويوم خروجه إلى الزنزانة الجماعية، كتب بأحرف عريضة بقالب صابون بنفسجي على حائط المنفردة وسقفها: «رودي عثمان مر من هنا، حرية، آزادي». احتال على الضابط ليكلم أمه التي نحلت وجفاها النوم، مستفيداً من خبرة قديمة أيام تمثيله الهاوي في مسرح الشبيبة، حدثها بالكردية وطمأنها ثم ذرف دموع سعادته الحبيسة في المرحاض. كان يطيل ما استطاع ثواني الاستحمام المتاحة، ويتمارض لعله يصادف أصدقاءه في الممرات ويطمئن، والأطباء عادة يفحصون السجناء وقوفاً وعن بُعد. في المهجع نفسه كان قد سُجن بعد انتفاضة القامشلي في آذار 2004، وهو في السابعة عشرة من عمره. آنذاك كانت تهمته رفع إعلان لمرتديلا «هنا» يحمل صورة فروج، وهتافه على طريق الربوة: «بالروح بالدم نفديك يا بشار»، وظل بعدها بعامين يخشى تباطؤ السيارات بالقرب منه. آنذاك، كان قد حفر في حائط المهجع بمسكة سحاب بنطلونه الحرفَ الأول من اسمه وكلمتي «تحيا كردستان»، قبل أن تُقتلع أظافر يديه بالكماشات. وباعتقاله هنا خلال الثورة، صُعق بالكهرباء ورُكلت خصيتاه، وباعد له شاب جفونه المتورّمة المسودّة ليتأكد من أنه لا يزال يرى، لأن جسده كله كان مرضوضاً ومجرد الذهاب إلى الحمام والاضطرار إلى رفع القدمين عذاب إضافي.
سجن عدرا
وجبات هذا السجن، مثل سائر السجون، لا تُؤكل. يتشارك السجناء شراء المواد، وأسعارها عادة أرخص من السوق. تقاسم رودي الطعام مع شبان أكراد من حزب العمال الكردستاني، اعتقلوا في ذكرى اعتقال عبد الله أوجلان لإحراقهم سيارتين من سيارات الأمن في جبل الرز بدمر. بعض سجناء صيدنايا القدماء الإسلاميون كانوا في المهجع نفسه، وفيه فسحة لصلاة الجماعة، وفرن مجهز من سلك سخان وبلاطات مقتلعة من باحة السجن، وصاحب الفرن يؤجر اختراعه. السكاكين ممنوعة، فيشقون غطاء علبة السردين إلى نصفين ويستخدمونهما. كان بعضهم ينامون على الأرض، وما من تدفئة، والشبابيك مكسورة. كان كبيرهم الشيخ صالح، الأربعيني الحموي، يكافئ رودي بطبق رز وحليب أو عرنوس ذرة إذا أدى صلاة الفجر، فوق منشفته الممدودة على السرير. كانت مرآة المهجع فوق سريره، السفلي في الزاوية، فيتنقط على رأسه كل صباح ماء الوجوه المغتسلة للتو، وهم يواسون أنفسهم في السر بجمال ملامحهم.
من الجناح الثاني كانت تتسرب أخبار السياسة شفوياً أو عبر قصاصات تكور وترمى عبر النوافذ، فالمحتجزون هناك يستطيعون أن يتابعوا البي بي سي والمونتيكارلو. أما في الجناح الأول المخصص للمتظاهرين، فجريدة الوطن متاحة، ويتفرج المعتقلون على قناة الدنيا، ويسهرون أمام مسلسل (وادي الذئاب) كطقس يومي، يرفعون صوت التلفزيون إلى الحد الأقصى ويستغرقون في متابعة مراد علمدار ويتفرجون على ثلاث حلقات متتابعة. كان رودي غالباً ما يغفو في الحلقة الثالثة. يستيقظ في الخامسة صباحاً ويكتب مثله مثل صديقه عامر مطر. في المهجع تعارف شبان التنسيقيات من كثب، وكانت قد جمعت معظمهم قبل الثورة أنشطة عديدة: حملة تنظيف نهر بردى ومشروع مسار ومشروع إغاثة نازحي الجزيرة السورية والجمعية السورية للبيئة والهلال الأحمر وإعانة النازحين اللبنانيين إثر حرب تموز2006. استفادوا كذلك من دورات التنظيم المجتمعي في الأمانة السورية للتنمية لتنظيم التظاهرات وتحديد شعاراتها واختيار أماكنها المناسبة، وعاونتهم في هذا المجال ريما دالي، «ذات الرداء الأحمر» التي رفعت شعار «أوقفوا القتل» أمام البرلمان. كان شادي أبو فخر قد سبقهم إلى هناك، بعد كمين أوقع به في وكالة سايكو للساعات مقابل البرلمان، واعتقل من تبقى منهم في كمين في الرابع من آب، وبينهم غيفار وعاصم حمشو، ليعقبهم تالياً أحمد ناجي الذي سدد شعاع ليزر قوياً على القصر الجمهوري فوق قاسيون، بواسطة جهاز أرسله شاب عضو في المجلس الوطني، ليستنفر الحرس وكأن هجوماً حقيقياً قد وقع. كان رودي عائداً من تصوير فيلم «آزادي» في القامشلي، وجالساً بصحبة رفاقه في مقهى بجرمانا حين وشى بهم صحافي يعمل في إحدى الجرائد المحلية، اعتُقل معهم إتماماً للمسرحية. كان ثمن جواب رودي على رائد التحقيق تعذيباً باهظا، حين قال: «لو قصصت لسان هذا الحقير وعضوه لكيلا يشي بأحد مرة أخرى ولا ينجب أمثاله إلى هذا العالم».
في سجن عدرا كان شبان تنسيقية دمشق يخططون لإنشاء حركة بديلة للتنسيقية الموقوفة، بعد فشل عقد مؤتمر التنسيقيات في 10 آب 2011 وفشل إطلاق قناة تلفزيونية، ولم تتوحد كذلك لجان التنسيق المحلية واتحاد تنسيقيات الثورة السورية. كثرت التنسيقيات لتوجد أكثر من تنسيقية للحي الواحد، وعمت الخلافات والانشقاقات بعضاً منها، إذ بعد اعتقال الكثير من الناشطين وتعذيبهم وتصفيتهم أحياناً، تنكيلاً وذبحاً في حالة غياث مطر، انتقلت قيادة التظاهرات إلى الوجوه الشعبية في بعض المناطق الثائرة، ولا سيما بعد الشهر العاشر من العام الماضي، وكان أحد المطالب المتواترة منذ بدء الثورة هو بث تظاهراتهم على شاشات التلفزيون. وحدث مثلاً أن الناصريين رفضوا مشاركة الإخوان المسلمين في التظاهرات التي ينظمونها.
عمر الأسعد، الشاب الصحافي، يعزف على العود. كان يغني في المهجع «يا حيف»، ويغنون معه «يا ظلام السجن خيم»، الأغنية نفسها التي رددوها وهم ملتحون أمام باب القصر العدلي قبل الدخول إلى قاعة المحكمة، حيث ألصقت بهم اثنتا عشرة تهمة معروفة سلفاً كالنيل من هيبة الدولة وتأسيس جمعية سرية والاتصال بالعدو الإسرائيلي. كان يساور المعتقلين أمل يومي تغذيه شائعات عفو جديد وشيك، والموقوف يحتمي بالقسوة والصبر والكتمان، ولا يدع شيئاً أو أحداً يعيق مشاعره أو يستحوذها لأن الفقدان يأتي رهيباً.
الجيش الحر في الزبداني
أفرج عن معظم ناشطي تنسيقية دمشق بعد أربعة شهور من الاعتقال، ليجدوا أنفسهم أمام واقع مختلف برز فيه الجيش الحر والمجلس الوطني الذي كان لهم فيه ثلاثة مقاعد ظلت شاغرة. حمل رودي كاميرته ومضى ليرى بعينيه ويشهد ما يسمع عنه. التقى مسلحي الجيش الحر في دوما، ولم يصادف بينهم جهاديين أو سلفيين. التقى في كفرنبل بمصممي لافتاتها الثلاثة، وسحرته طبيعتها. أخذ معه إلى الرستن جهاز بث مباشر، وشهد تظاهرة أنهاها صاروخ قتل 13 شخصاً وبعثر أشلاء أطفال في الأرجاء. ذهب إلى حمص بالأدوية والمعونات، ولم يجد في باب الدريب والخالدية والبياضة جنوداً منشقين كثراً. قابل بعضاً من عناصر كتيبة الفاروق، الأسلحة خفيفة في أيدي المدنيين المتطوعين للدفاع عن أحيائهم وذويهم، زنود بعضهم موشومة بأسماء حبيباتهم وقد متّنت الثورة الأواصر بين جميعهم وغيّرتهم. مراراً سمع شاباً يطلق رصاصة في الهواء كإشارة إلى بدء هجوم الأمن، لأن الاتصالات مقطوعة، فيهرب المدنيون المتظاهرون ويتوارون. في القرى المحيطة بحمص وبعض أحيائها، نجح النظام إلى حد بعيد في ربط مصير العلويين بمصيره، فدخلوا معركة وجود لم يتراجع معظمهم عنها، ووقعت حالات خطف متبادل كثيرة. مرات عديدة، أطلق سراح المعتقلين في الأحياء ذات الأغلبية العلوية الفقيرة عموماً، فيُضربون على يد الأهالي ويُرسلون إلى منازلهم حفاةً مذلَّين ممزَّقي الثياب. بدأت أولى ردات الفعل الطائفية بالظهور بعد مجزرة ساحة الساعة، وقتلاها المجهول عددهم الدقيق من سائر الملل والطوائف. وضعت الجرافات جثامينهم في شاحنات كبيرة وغسلت الإطفائيات برك دمائهم عن الإسفلت. للأسف، يتحسر رودي، هناك قرى كاملة قد يبيدها الثأر إذا انهار النظام.
ولكن تبقى تجربة رودي الأكثر زخماً في الزبداني، حيث أمضى عشرين يوماً على ثلاث فترات، وحرر الجيش الحر أصدقاءه الذين رافقوه بعد أن أوقفهم حاجز أمني عند العودة إلى دمشق. اطمأن إليه مقاتلو الجيش الحر بعد إرساله تقريراً عنهم إلى رويترز، فعاش معهم أياماً في غياب تام لأي مظهر من مظاهر النظام. ينام عند طلوع الصبح في منزل أمسى مكتباً إعلامياً، غير مكشوف وآمن نسبياً ومحاطا بالعديد من البنايات، وبعد ساعتين أو أقل يوقظه وصول جريح إلى مستشفى ميداني زوده رجال الجيش الحر بالأجهزة التي أخذوها من مستشفى الجرجاني قبل بدء القصف، استعداداً للحصار، ويعمل فيه أطباء متطوعون من الزبداني، جراح وطبيب تخدير وطبيب أشعة وطبيب أسنان. يشتهون فطوراً عادياً غير الجبن والمعلبات والمربى، ويتغدون ما تطبخه زوجة للأطباء والفريق الإعلامي، ويتابعون على عجل إذا تسنى لهم الوقت نشرة أخبار، فيضايقهم أن يقرؤوا النبأ الخاص بهم مكتوباً فقط في الشريط الإخباري، لكنهم ظلوا يعتبرون المجلس الوطني يمثلهم كواجهة سياسية، وإن كانوا منهمكين دائماً بمشاغل أخرى، وأحياناً يتواصل معهم كمال اللبواني ويمدهم حين تتوافر الفرص بأجهزة الاتصال والبث والمال والسلاح. اعتادوا القصف وصاروا يقدرون نوع القذيفة ومكان سقوطها، وأصوات الانفجارات تتخلل غفواتهم الوجيزة القلقة. كان الصحافيون الأجانب مثل مراسل السي. إن. إن مربكين، إذ تلزمهم مرافقة تحميهم وتترجم لهم، هذا إن كانوا موثوقين ولن يفشوا بأي معلومات سرية.
كان المارة يوقفون رودي الذي تآلفوا معه، وبعضهم تلاميذ مدرسة ابتدائية متظاهرون، فيطلبون منه أن يصور رسائلهم الخاصة إلى بشار الأسد، رسائل الغضب والإصرار والشتائم. صوّر كذلك نساء الزبداني، الثائرات المتعلمات اللواتي خضعن لدورات في فن التمريض ويرفضن تسميتهن بالحرائر، وما من سافرات بينهن، وكذلك لا علائم على التشدد في الدين. صوّرهنّ وهنّ يصنعن قنابل مولوتوف بزجاجات البيرة والحليب، ويصنعن الأقنعة والأوشحة ويرسمن الكاريكاتير ويكتبن الشعارات، منافسات الخطاط نفسه، وينظمن تظاهرات صغيرة تخصهن، يهتفن ويسرن في برنامج محدد، ولا يقبلن بمشاركة الرجال لهن فيها. كل ذلك قبل أن يشوب التظاهر فتور ملحوظ، فالتظاهرة المسائية التي كان قد يحتشد فيها 10 آلاف شخص، تقلص تعدادها إلى ألف متظاهر أو أقل.
في 3 شباط 2012، ذكرى مجزرة حماة، بدأ القصف على الزبداني التي ظلت محررة قرابة الشهرين، فأنهى كل التظاهرات التي بدأت هناك منذ 25 آذار 2011، ولكنه لم يخلف دماراً مهولاً كما في مدن أخرى، ولم تنجُ الكنيسة. كانت القذائف تأتي من جهة التكية في آية الكرسي، النقطة الأعلى المشرفة على البلدة بأكملها، حيث استقرت الثكنات في معسكر طلائع البعث الذي تحول إلى قاعدة عسكرية. ما إن يبدأ القصف ويشتد، وازداد وحشية مع دخول الفرقة الرابعة إلى العمليات، تتعالى أصوات التكبير والدعاء. كانت كلمة خطيب جامع الجسر مسموعة، يختتم خطبته بالدعاء لنصر الثورة والتعجيل بسقوط الأسد، ثم يعظ الجيش الحر ويوصي بالتكافل الاجتماعي الذي تبناه الأهالي عفوياً، فتوزعوا السكر والطحين ولم يدخروا شيئاً مخصوصاً لأنفسهم.
في بداية شهري الحرية عاد المعلمون المؤيدون إلى قراهم في الداخل، فتطوع عدة أطباء لتعليم التلاميذ. أزيلت صور الأب الأسد وابنه من المدارس وكافة الدوائر الحكومية التي تخلو حين يُشيَّع شهيد أو تقوم تظاهرة، ويشاركهم الخوري ورجال الدين المسيحيون. كانت إحدى الجنائز لرجل اعتقل أربعة شهور وقاسى تعذيباً مريعاً. يوم الإفراج عنه، على عتبه منزله تقريباً، والجيران يرحبون به مهنئين من على الشرفات وزوجته تزغرد، كان يلوح لأولاده حين أردته طلقة قناص من أمن الدولة. كان مركز أمن الدولة في مدخل الزبداني تتعذر مهاجمته، وفيه حوالى 500 مسلح مع دبابة وقناصين، بينهم وبين الجيش الحر ما يشبه الهدنة إلى ما قبل الاقتحام. أزالت الثورة الخلافات بين أهالي الزبداني ومضايا التي استسلمت في اليوم السابع للقصف. دام سقوط القذائف اثني عشر يوماً، دون أن يهدأ إلا ساعات معدودة في الليل، فيتسنى للمقاتلين تبادل المؤن والذخائر القليلة، ويحفرون الخنادق ويزرعون عبوات ناسفة استشهد مصممها خالد الكويفي بطلقة قناص أثناء تصويره تفجير دبابة (وهو مهندس كهرباء استفاد أحياناً من أرشيف القاعدة على الإنترنت)، ويكادون لا ينامون وهم يغيرون مناوباتهم ويتراسلون عبر اللاسلكي على ترددات خاصة بأسماء حركية مثل التوأم و25، وأحياناً، استفزازاً للأمن الذي يترصد موجات تواصلهم، يضعون ضاحكين أغنياتٍ ألّفوها، مثل «هبّي يا رياح الجنة هبي»، وفي استعجالهم للحاق بمهماتهم يأكلون في السيارة سمكة سردين معلبة، ويناول السائق رودي تفاحة يتردد في قضمها، إذ لم ينسَ الجثامين المسجاة بين صناديق التفاح في ثلاجات الفاكهة. ولإجراء أي اتصال بالثريا، وتفادياً للراشدات، كانت السيارة تتوقف أقلَّ من عشرين ثانية ثم تنطلق بأقصى سرعتها، وبعد ثوانٍ تهبط قذيفة في موضعها.
نزح قرابة ثلثي أهالي الزبداني ذات الثلاثين ألف نسمة، المرفهين عموماً ونسبة التعليم الجامعي عالية بينهم، إلى بلودان الهادئة ذات الأغلبية المسيحية وبلدات أخرى. نزحوا عن ديارهم المهملة خدماتياً، المحاصرة والمحرومة من الطحين والكهرباء والمحروقات والاتصالات، ومن تبقى في البلدة التي تستضيء بالمولدات كانوا يتقاسمون الطعام مجاناً، إحدى سيارات الجيش الحر تدور على المنازل وتوزع ربطات الخبز أو تنظم أرتال الذين ينتظرون المازوت. لم تُنهب منازل المصطافين والمغتربين ومنازل أهل الشام والخليج، المغلقة عموماً، إلا بعد هجوم الشبيحة ليغنموا كل ما يصادفونه ويمكنهم أن يحملوها حتى شاشات البلازما وأجهزة الريسفير.
كان في الزبداني مجلسان صغيران عسكري ومدني، من أهالي البلدة، ولا يزال المدني منهما قائماً. ترأس «الريّس» سيف الدين المجلس العسكري، قبل أن يستشهد في كمين لينوب عنه شقيقه الذي جاء من لبنان. شهد رودي عقاباً نفذه الريس. كان أحد شبان الجيش الحر قد ساق سيارة شخص وابتعد بها، بذريعة أنه مخبر «عوايني»، ثم تبين الخطأ. أطلق الريس عدة طلقات رشاش بين ساقي الشاب، ورمى على وجهه رزمة من النقود، وتوعده: «إذا فعلت الشيء نفسه مرة أخرى، فسأفرغ هذه الطلقات في رأسك». حضر رودي جلسات التحقيق مع المخبرين الذين لم يُقتلوا كما حدث في مدن أخرى مثل حمص وحماة. خُصص منزل لسجن المخبرين، وكان عددهم آنذاك حوالى 17 مخبراً ومعظمهم زبدانيون، وبينهم كردي ومسيحيان ودرعاويان وديريّ. قد يصدف أن يكون في العائلة نفسها مخبر وأكثرُ من مقاتل التحق بالجيش الحر. كان المخبرون في سجنهم يأكلون أكل المقاتلين ويتابعون التلفزيون. عُذّب أحدهم، كان يشي بدقة فظيعة بنقاط تجمع المقاتلين. يأتي بحجة تأمين الخبز والماء، ومعه لاسلكي خاص بأمن الدولة، وبعد ذهابه بدقائق تنهمر القذائف. كان يُطلق سراح جنود النظام أو المخبرين خلال بضعة أيام في تبادل أسرى، ويفرح المقاتلون إذا أمسكوا بضابط علوي لأن عشرة شبان يُحررون مقابله في عملية التبادل.
لم يكن عدد مقاتلي الجيش يتجاوز الـ500، الجنود المنشقون بينهم 15 أو أقل، والباقي مدنيون متطوعون تراوح أعمارهم بين الـ18 والـ60، بدأوا بعد قمع التظاهرات الشديد مسلحين بالمسدسات والرشاشات، فالأسلحة الخفيفة متوافرة، حتى قبل الثورة، تهرَّب من لبنان وبعض تجارها عناصر من حزب الله غشوا المقاتلين في إحدى المرات، فوصلت شحنة من القذائف الفاسدة. انتظموا في مجموعات مثل شميزر وكردستان التي تضم شباناً أكراداً يعملون في الزبداني منذ سنين ومجموعة انتحارية سلفية صغيرة، وبينهم قناصون غير مدربين جيداً، وطلقات القناصة باهظة وقليلة. يتزعمهم الريس الذي يعرف بما يدور، وتصله آخر المعلومات. وبعد الهجوم على الحواجز كانوا يغنمون البنادق الروسية والجعبات وأمشاط الرصاصات فيتقاسمونها فيما بينهم، وحين يغنمون دبابة يفرغونها من القذائف ويأخذون ما فيها من أسلحة ومازوت، ويفككون قنابلها ليُستعمَل في العبوات الناسفة، وإذا لم يبادلوها بفدية مع جيش النظام نسفوها. حاصرهم حوالى 30 ألف جندي تؤازرهم 300 دبابة ومصفحة. أعطبت عشرات الآليات وقتل مئات الجنود، و باقي الضحايا الذين لم يتجاوزوا الأربعين كانوا مدنيين ليس بينهم سوى ستة من صفوف الجيش الحر. باقي المقاتلين هربوا إلى الجبال حيث تساقط ثلج غزير، فتدثروا بالمعاطف العسكرية ودفأوا أطرافهم بالقفازات والجزمات الطويلة، ولا زاد معهم إلا الخبز، ولا يستطيعون أن يشعلوا ناراً في جحيم ذاك الليل. بعد انسحابهم، ذهب رئيس المجلس المدني أبو مأمون الضرساني لمفاوضة آصف شوكت، مدير العمليات الذي اشترط تسليم مقاتلي الجيش الحر لأنفسهم مع الأسلحة التي غنموها. بعد انقضاء أسبوع تخلى النظام عن التزامه النسبي بالاتفاق الذي قضى بتفتيش عدد محدد من المنازل، بحضور وجهاء البلد ومن دون خلع الأبواب.
خلسة صور رودي جوانب من حياة المقاتلين اليومية، كيف يغضبون ويتبادلون الانتقادات والشتائم والاتهامات الصغيرة، كيف يكفر بعضهم ويشرب النبيذ ويسكر ويدخن، ويصلي بعضهم الآخر ولا يكف عن ذكر الله. كان يسخرون بعد الاقتحام قائلين: «كل الحق عليك يا داوود أوغلو، خربت بيتنا. لِمَ قلت: إذا عجز بشار عن الحسم في الزبداني، فكيف يهدد تركيا؟» وفي إحدى المرات أتى رودي بثلاث قناني نبيذ ليشربوها قبل زرع العبوات الناسفة في زمهرير الليل. كانوا ثملين يضحكون وهم يزرعونها في منطقة آية الكرسي، ولم يتذكروا في النهار التالي أين زرعوها بالضبط. لم يسمح رودي لأحد بالاقتراب من كاميرته. «إنها امرأتي، ويستحيل أن أعطيها لأحد». نقل التسجيلات إلى كمبيوتره المحمول وغادر المكان، وقبل أن ينسحب المقاتلون دفنوا الكاميرا إلى جوار أسلحتهم.
المستقبل