صفحات الرأي

سيرجي برين قلاع الإنترنت تكشر عن أنيابها في وجه ترامب/ فادي بعاج

 

 

لم تكن كلمات النجمة السينمائية العالمية ميريل ستريب ضد ترامب في حفل توزيع جوائز الغولدن غلوب سوى جزء صغير من مواقف كبيرة تتخذها جميع النخب في الولايات المتحدة ضد سياسات الرئيس الجديد خاصة حيال الأجانب. ففي الوقت الذي يزداد فيه التضييق على اللاجئين في الولايات المتحدة، وبالتحديد أولئك الهاربين من الحرب والموت في العراق وسوريا وبعض الدول الأفريقية، تتعالى الأصوات المناهضة لسياسة دونالد ترامب التي تتوعد اللاجئين بإيصاد أبواب أميركا أمامهم.

رائد علوم التكنولوجيا ومؤسس محرك البحث العالمي “غوغل” سيرجي برين، كان من بين تلك الأصوات التي ردت على شعار ترامب “أميركا أولا” بتغريدة على موقع التويتر قال فيها “أميركا تستطيع أن تستقبل اللاجئين، كما تستطيع أن تضمن سلامتنا الشخصية”. برين الذي لجأ إلى الولايات المتحدة الأميركية في عمر ستة أعوام، لديه صوت عال ومنطلق مختلف، ويرغب دوما في أن يكون داخل دائرة الضوء ومحور اهتمام الآخرين.

يؤكد دوما أن اللاجئين فروا من أوطانهم بحثا عن الأمان، وحين يتوفر لديهم ذلك، فهم قادرون على تحقيق النجاحات الكبيرة، ويجعل برين من نفسه مثالا على ذلك. التكنولوجيون يكنون لترامب العداء بسبب تصريحاته العنصرية، ومطالبته بالحد من حرية الإنترنت. ويكفي أن تضع اسم ترامب في عملية البحث في “الآبل ستور” و”غوغل بلاي”، لتجد المئات من التطبيقات والألعاب التي تسخر منه، وأشهرها “جدار ترامب” التي تعد ممتعة بشكل كبير وتمتلك جانبا من شخصية دونالد ولكن بشكل مضحك.

المواقف القوية تجاه ترامب التي سمعناها قبل فوزه، اختلفت حدتها خصوصا عندما بدأ رئيس البيت الأبيض بمد يد التعاون مع رواد الصناعة التكنولوجية في أميركا والتراجع عن مواقفه السابقة تجاههم، وتقديم التنازلات لإرضائهم، خصوصا أولئك الذين اصطدم بهم من رؤساء شركات التكنولوجيا قبل انتخابه، مثلاً حين قال ترامب إنه سيجري تحريات حول احتكار شركة أمازون، وعندما طالب بمقاطعة شركة آبل بعدما رفضت الشركة التسلل إلى جهاز الآيفون الخاص بأحد القتلة في حادث سان برناندينو.

ففي الـ14 من شهر ديسمبر الماضي دعا ترامب كبار مسؤولي الشركات التكنولوجية للاجتماع معهم بمقره في نيويورك، وكان بين الحضور سيرجي برين، وشيريل ساندبيرج من فيسبوك، ومؤسس أمازون جيف بيزوس، وتشاك روبنز المدير التنفيذي لشركة سيسكو، وجيني روميتي من شركة شركة آي بي إم، وبريان كرزانيتش من شركة إنتل، وغيرهم من الشخصيات المهمة.

التكنولوجيون يكنون لترامب العداء بسبب تصريحاته العنصرية، ومطالبته بالحد من حرية الإنترنت. ويكفي أن تضع اسم ترامب في عملية البحث في “الآبل ستور” و”غوغل بلي”، لتجد المئات من التطبيقات والألعاب التي تسخر منه، وأشهرها “جدار ترامب” التي تعد ممتعة بشكل كبير وتمتلك جانبا من شخصية ترامب ولكن بشكل مضحك

أخبر الرئيس المنتخب أكثر الرجال والنساء نفوذا في مجال صناعة التكنولوجيا، في بداية الاجتماع أن هدفه هو مساعدتهم على حسن الأداء مشجعا إياهم على “التواصل مع الشعب” و”التواصل معي”، بحسب ما نقل تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية. قال ترامب “هناك الكثير من القيود والمشكلات الحدودية، وربما تكون المشكلات التي تواجهكم أقل من تلك التي تواجه شركات أخرى، فبعض الشركات تواجه مشكلات جمّة، ولكننا سنحل تلك المشكلات”.

وكان مؤسس شركة مايكروسوفت، الملياردير بيل غيتس، قد دعا الرئيس دونالد ترامب قبل أيام عدة، إلى اعتماد خطاب ملهم للولايات المتحدة، تماماً كما فعل الرئيس السابق جون كنيدي مع مهمات استكشاف الفضاء. وقال غيتس لقناة أن بي سي “كما تحدث الرئيس كنيدي عن المهمة الفضائية وجعل البلاد تدعمه، أعتقد إن كان الأمر يتعلق بالتربية أو القضاء على الأمراض، يمكن أن تكون هناك رسالة مشجعة جدًا تثبت أنّ إدارة ترامب ستنظم الأمور، وتتخلص من العقبات وتجعل من أميركا بلدا رائدا في الابتكار”.

برين يخسر مليار دولار بسبب ترامب

كان برين من بين الخاسرين ماديا بعد فوز ترامب بالانتخابات الأميركية، حيث تراجعت ثروته في اليوم الأول لفوز ترامب بمقدار 1.1 مليار دولار، ولم يكن هو الوحيد بين أغنياء عالم التكنولوجيا، فقد خسر الرئيس التنفيذي لأمازون جيف بيزوس مبالغ طائلة أيضا، كما خسر مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ مبلغا يصل إلى مليار دولار، مارك الذي كان له كلام قبيل بدء الانتخابات قال فيه “أسمع أصواتا مخيفة تدعو لبناء الجدران لإبعاد الناس عن بعضهم البعض، لإبطاء الهجرة، والحد من التجارة، وفي بعض الحالات يدعون حتى لقطع الوصول إلى الإنترنت بحجة محاربة التنظيمات الإرهابية.”

في مقابلة مع صحيفة الغارديان، أفصح برين فيها عن مخاوفه من تقلص حرية الإنترنت بسبب توجهات من بعض الحكومات والشركات لفرض قوانين لحجب الإنترنت مثل دولة إيران والصين، ورفض سيرجي السياسات التي تقوم بتقييد حرية الإنترنت مقابل أغراض سياسية بحتة خاصةً ضد المعارضين، أما بالنسبة إلى موضوع آبل وفيسبوك، فقد قال برين بأنه معجب كثيرا بهاتين الشركتين، وأثنى على الفيسبوك الذي ربط مئات الملايين من الناس، وكان أداة رئيسية للتعبير السياسي وتدفق المعلومات وقام بدور فعال في الربيع العربي .

بيئة العباقرة

ولد برين في روسيا عام 1973 من أبوين يهوديين، إلا أنه هاجر إلى الولايات المتحدة مع عائلته، هربا من موجة العداء للسامية عام 1979، والداه كانا متخصصين في العلوم والتكنولوجيا حيث عملت والدته كباحثة بمركز أبحاث “جودرد” لأبحاث الفضاء والطيران بوكالة الفضاء الأميركية ناسا، كما عملت في برنامج لمحاكاة الظروف الطبيعية التي تؤثر على السفر في الفضاء، كالضغط الجوي والحرارة.

ترامب يرضخ أخيراً ويمد يد التعاون لرواد الصناعة التكنولوجية في أميركا. وبعد تراجعه عن مواقفه السابقة تجاههم، أخذ يقدم التنازلات لإرضائهم، بعد أن طالب بمقاطعة شركة آبل لأنها رفضت التسلل إلى جهاز الآيفون الخاص بأحد القتلة في حادث سان برناندينو

أما الأب فهو مايكل برين أستاذ الرياضيات بجامعة ميريلاند، والذي قام بنشر عدد من الأبحاث العلمية حول حلّ المسائل الرياضية المعقدة، وكانت له إسهاماته في مجال الهندسة التجريدية وأنظمة الحركة. ترعرع برين في بيئة تولد العباقرة في علوم الكمبيوتر، فقد استخدم الحاسب مبكرا منذ المرحلة الابتدائية، وكان والداه يستعملان الكمبيوتر في المنزل لحل المشكلات الرياضية الصعبة، التي تواجههما في كل مناحي الحياة. كما قاما بوضع سيرجي في مدرسة “مونتسوري” وهي مدرسة تعمل على خلق وتطوير قدرات الإبداع في الأطفال في سن صغيرة، وتنمية مهاراتهم العقلية والجسمية في سن المراهقة.

ذهب برين إلى جامعة ميريلاند وحصل فيها على شهادة البكالوريوس في الرياضيات وعلوم الكمبيوتر، بعد ذلك التحق بجامعة ستانفورد عام 1995 للحصول على درجة الدكتوراه فى علوم الكمبيوتر، وهناك كان لقاؤه بتوأم النجاح والشهرة لاري بيج. ومنذ اللقاء الأول تناقشا كثيرا في عدة مواضيع، كانت أفكارهما متقاربة لدرجة أنهما كانا يحلمان الحلم ذاته، وهو “التحدي للحصول على معلومات مهمة من بين المئات والآلاف من المعلومات”.

برين وبيج كانا متقاربين أيضا في أول وظيفة لهما، حيث حصل برين على وظيفة في الجامعة كباحث على معلومات من بين قاعدة بيانات هائلة، وكان هو ومجموعته يقومون ببحث عن أفضل المجلات التي تباع وكم يحتاج البائع للحصول على عمل مربح من تلك المجلات، فكر برين كثيرا بتنفيذ هذا على محركات البحث الموجودة حينها، مثل ماغلان وويب كرولر وهوتلوت، ولكنه لم يوفق.

أما لاري بيج فحصل على وظيفة في محرك البحث الأشهر عالميا حينها “ألتا فيستا”، المحرك الذي كان بيج مذهولا بكيفية إظهاره النتائج عن طريق وصلة، وعند الضغط على الموقع يظهر في صفحة أخرى، بحث بيج في تلك الوصلات وكيف يمكن له أن يجعل الأهم منها في البداية، ولكنه ليدرس هذه الوصلات كان بحاجة إلى قاعدة بيانات كبيرة جدا، إذ عليه تحميل “جميع الانترنت” في كمبيوتره الصغير، ذهب بيج لأستاذه في الجامعة وطلب مساعدته، ولكن الأستاذ ضحك من الطلب، وقال له “هل أنت مجنون، تريد الإنترنت كله في كمبيوترك؟”.

كاد اليأس ينال من بيج لولا أنه قابل برين ووجد أنه هو أيضا يبحث عن نفس الهدف، اتفقا أن يبرمجا محرك بحث خاص بهما يمكنهما من فحص ما يريدانه. في العام 1997 بدءا بيج وبرين العمل ليلا ونهارا على برمجة محرك البحث الذي يحلمان به، ونظرا لعدم وجود الداعم استغرق العمل حوالي سنة كاملة، ولم يتوقعا أن تواجههما عقبات عند بحثهما عن ممول يمكّنهما من ملكية البرمجة.

صديقهما ديفيد فيلو مؤسس “ياهو” شجعهما ونصحهما أنه من الأفضل لهما تأسيس شركة وتطوير المحرك بنفسيهما، ولكنهما كانا بحاجة للمال، مع ذلك رسما مخططا للشركة والإستراتيجية وذهبا للبحث عن ممول أو مستثمر. قررا في البداية تسمية المحرك بـ”باك روب”، ولكن تغير الاسم في ما بعد إلى “غوغل” وهو تعبير يدل في لغة الرياضيات إلى الرقم 1 متبوعاً بمائة صفر.

أحد أعضاء الجامعة التي كان برين وبيج يدرسان فيها، عرفهما على أحد مؤسسي شركتي سان صن ومايكروسيستمنس، ويدعى أندي بيكتولشيم الرجل كثير المشاغل، طرحا عليه الفكرة باختصار واقتنع بها، وقال لهما “أنا لا أريد الدخول بالتفاصيل ليس لديّ الوقت، ما رأيكم بمئة ألف دولار أميركي هل تفي بالغرض؟”.

كان برين من بين الخاسرين ماديا بعد فوز ترامب بالانتخابات الأميركية، حيث تراجعت ثروته في اليوم الأول لفوز ترامب بمقدار 1.1 مليار دولار، ولم يكن هو الوحيد بين أغنياء عالم التكنولوجيا

ولكن ذلك لم ينه مشكلتهما، لأن شركة غوغل كانت غير موجودة في ذاك الوقت، ولم يتمكنا من صرف الشيك، لذلك حصل بيج وبرين على قرض من البنك بمليون دولار وافتتحا الشركة خلال أسبوعين وتحديدا في 7 سبتمبر 1998، عملا ليلا ونهارا وطوّرا المحرك ليكون منافسا لغيره، بل الأفضل وفعلا حصلا من مجلة الكمبيوتر على لقب “أفضل محرك بحث”، كان غوغل يجيب على 10000 طلب يوميا في ذلك الوقت.

صراع العمالقة

يبدو منصب رئيس الولايات المتحدة، أكبر منصب في العالم، تحت تهديد حرب عنيفة من قبل عمالقة في العالم، لا يقلون تأثيراً عن رئيس دولة عظمى. هم أصحاب تلك الشركات التكنولوجية في عالم الإنترنت، فمحرك بحث مثل غوغل يوفر خدماته بأكثرمن 266 لغة حول العالم، ويقدم العديد من الخدمات والبرامج المجانية من بينها خدمات الصور ومجموعات النقاش والأخبار والكتب والتسوق والتدوين والموسوعات، ومن أهم برمجيات المحرك برنامج “غوغل إيرث”، الذي يتيح لمستخدميه مشاهدة معظم المدن والمناطق الموجودة في العالم من خلال صور الأقمار الصناعية والجوية. فنحن إذن أمام دول عظمى في العالم الافتراضي.

وقبل 16 عاما بدأ غوغل بتمويل قيمته مليون دولار، واليوم تفوق القيمة السوقية لـ”الفابيت” الشركة الأم لغوغل 544 مليار دولار، وهذا ما يخوّل برين الذي يشغل منصب المدير التنفيذي للشركة الحصول على المرتبة رقم 13 من بين أغنى شخصيات العالم، بقيمة صافية تقدر بـ38.2 مليار دولار. رغم ثروته العالية جدا إلا أن حياة برين بعيدة عن نمط حياة ترامب، نمط الحياة الباهظ المتكامل ذي اليخوت والطائرات الخاصة. حيث يفضل البساطة على غرار زملائه من رواد صناعة برامج الكمبيوتر، فهو لا يمتلك السيارات الرياضية بينما يشاع عنه استخدام سيارة تويوتا بريوس، التي رغم مظهرها العادي إلا أنها سيارة صديقة للبيئة فتعتمد نصف طاقتها على الطاقة الكهربية، وزدات شعبيتها بين الأميركيين المهتمين بالبيئة، وهو ما لا يتمتع به الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.

العرب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى