سيف النصرة والغمد السوري: عبد السلام إسماعيل
عبدالسلام إسماعيل
يمكن القول أن الرأي القائل بوجوب إسقاط النظام بأي وسيلة كانت وبيد كائنٍ من كان، بات يخضع لمراجعة نقدية ولتحديات تشير إلى عدم صوابيته التامة بشقه الأخير بفضل الظهور الإشكالي لجبهة النصرة وما شابهها من تنظيمات أصولية، تشترك مع الثوار في قتالهم النظام وتفترق عنهم بكل شيء عدا عن ذلك.
رغم المخاوف الكثيرة التي يثيرها وجود مثل هذه التنظيمات وما تستند إليه من فكر متشدد ذي سيرة غير حميدة، إلا أن هناك نوعا من الطمأنينة من أنها تنظيمات طارئة في ظرف استثنائي نحتاج فيه إلى كل رصاصة من شأنها فت عضد النظام، وأن المجتمع السوري ذي مناعة ذاتية ازاء الفكر الذي تمثله هذه التنظيمات، استنادا إلى التنوع الطائفي الكبير ولطبيعة التدين السوري المعتدل ذي النكهة الصوفية، وتاريخ العيش المشترك والمتداخل في سورية، أو ما تختصره عبارة “الشعب السوري مختلف”. . من قال ذلك!
الإرتماء في حضن الطمأنينة لا يبدو خيارا صائبا خصوصا إزاء أفكار تحتاج لمراجعة دائمة في ضوء صيرورة المجتمع وتغير بناه التحتية والفوقية. وعليه، هل المجتمع السوري عصي على تقبل أفكار متشددة؟ إلى أي حد توجد لدينا القابلية لذلك ؟ ألا يترك الظرف الإستثنائي تغييرات إستثنائية ؟ أليست منظمومة الأفكار متفاعلة جدليا مع الظروف المحيطة، وأن تغير الظروف سيؤدي إلى تغير الأفكار، وبالتالي تغير آخر على صعيد السلوك؟
لقد بدأ الفكر الأصولي بالإنسلال إلى المجتمع السوري منذ سنوات خلت، والمكتبات السورية مليئة به، وإن كان انتشاره هامشيا إلا أن له مريدين من أبناء هذا المجتمع “المختلف” ذي الطبيعة المعتدلة. مع ملاحظة إرتفاع منسوبه ومظاهره إبان الإحتلال الأمريكي للعراق، فالكوارث والأزمات أرض خصبة لانتشار التطرف.
غالبا ما تكون الظروف الإستثنائية بيئة ملائمة لكافة أنواع التغيير(الثورة مثالا)، خصوصا إن ترافقت تلك الظروف مع أحداث صادمة للمألوف. المجتمع السوري يتعرض لتحطيم يومي، عنف غير مسبوق من قبل النظام يترافق مع طائفية فجة وفاقعة، تعمي عين الوسطية والإعتدال. لقد حشر النظام الشعب في أقصى الزاوية، ومارس عليه كل الصدمات الممكنة، إبادة، تشريد، تهجير، ومجازر طائفية متنقلة. أضف إلى ذلك الوحدة الموحشة في مواجهة الموت . . كل ذلك كفيل بإحداث تحولات نوعية في بنية المجتمع الفكرية والسلوكية، إنها تشبه برمجة عصبية خلوية جمعية أو محاولة إعادة الوعي كصفحة بيضاء ليعاد تشكيله من جديد. يمكن قراءة فيديوهات القتل الطائفي التي تظهر للعلن تباعا، وتركيزها المستمر على الطبيعة الطائفية للقاتل والمقتول وكل الرسائل التي تحملها، من هذه الزاوية.
ظهور جبهة النصرة ذات الغالبية السورية، وتحلق كثيرين حول رجالاتها وانشراحهم بخطابهم، نتيجة أو ملمح أولي من ملامح تحول جديد. الأمر لا يقبل التهاون والتبسيط على نحو أنها حالة طارئة ستنقضي مع انقضاء مسبباتها. اليوم ثمة هيمنة ظاهرة لجبهة النصرة أو التشكيلات السلفية، لا أتحدث عن الجانب العسكري الميداني، بل عن هيمنتهم على شكل التظاهرات السلمية في المناطق التي يسيطرون عليها (سراقب مثالا)، ومزاحمة علمهم الأسود علم الثورة، وطفل بنش مثال آخر، ما كان ليحدث ذلك لولا وجود قبول شعبي لفكرهم. هذه الحوادث المتفرقة ذات دلالة هامة على بوادر تحول المجتمع إلى حاضن للفكر الأصولي . . يذكرني الأمر “بالبوظة العربية” وكيفية صناعتها، حليب “سائل” يتعرض إلى دق/صدم متواصل حتى يتحول إلى “كتلة صلبة”.
الفكر ليس استثناء، والتدين اللين المعتدل سيتحول إلى دين صلب متماسك حول نفسه، والتنوع الطائفي لا علاقة له بالوسطية والإنفتاح . . لا خصوصية للمجتمع السوري في ذلك.
ما الحل ؟ أو ما السبيل لمنع تفشي ذلك؟
لا أدري! هل إسقاط النظام الآن كفيل بلجم إنتشاره، ربما وربما لا، سنتين من الإبادة المنظمة لا ندري ما هي التشوهات والندوب التي تركتها في عمق مجتمعنا. غير أن الخطوة الممكنة والمبدأية، هي الرفض القاطع والشامل لجبهة النصرة ومواجهة فكرهم بفكر مقابل، الجهود والأصوات المدنية مطلوبة، لكن تأثيرها سيكون محدود بالنظر إلى أنه سيعتبر امتداد لصراع علماني-إسلامي، سيكون للإسلاميين أثر أبلغ فيما لو تصدوا للأفكار المتشددة نقديا، هذا دور مأمول منهم، فالأزمة أزمة وطنية غير متعلقة بصراعات جانبية. والتهليل لانتصارات النصرة اليوم قد ندفع ثمنه مضاعفا في الغد . . سيف أبو حفص لا ينبغي له السكن في غمد سوري!
خاص – صفحات سورية –