صفحات سوريةعمر قدور

سيقتلنا صيّادو الغزلان أيضاً/ عمر قدور

أخيراً حظي السوريون بتسمية لطيفة لهم، مع الأخبار التي تناقلتها المواقع المؤيدة للنظام، عن وصول 1500 مقاتل من أرمن ناغورنو كاراباخ إلى ميناء طرطوس، بينهم 300 مقاتل من فرقة «صيادي الغزلان»، التي تعد الأشرس في الجيش السري الأرمني. وفق هذا الخبر نحن على موعد مع صيادي الغزلان، بدل تلك التسميات الجلفة، والتي تثير الحساسيات الطائفية، كما أنه من المرجح أن يكون السوريون قد ملوا المذابح التي يتعرضون لها تحت مسميات «حزب الله» و»كتائب عصائب الحق» و»لواء أبي الفضل العباس». أيضاً لم يضف الانضمام المتأخر لـ»كتائب البعث» و«كتائب الحزب القومي السوري» نكهة جديدة على ميليشيات النظام، إذ كان من الأولى بالأخير أن ينزلها إلى المعركة مبكراً؛ ليس بعد أن اختبر القتلى فرقاً أكثر تدريباً وشراسة من قواته.

مجيء صيادي الغزلان، الخبر الذي عاد بعض مواقع النظام لنفيه، قوبل بتصديق سريع لدى المؤيدين والمعارضين على حد سواء، فالفئة الأولى لم تعد معنية بإنكار مشاركة المقاتلين الأجانب مع «قواتها الباسلة» التي كانت تتغنى من قبل ببطولاتها، بل إن المزاج العام لهذه الشريحة راح يقر بالهزيمة، لولا المساعدة التي أتت من الميليشيات اللبنانية والعراقية، أي أنه يقرّ بانتصار مزعوم لأولئك الأجانب على سوريين آخرين، ويهلل ويفرح بانتصاراتهم. هؤلاء هم الذين تولوا الترويج لصيادي الغزلان، بصفتهم القوة الأشرس التي ستقلب الموازين في معركة كسب، وهم أيضاً الذين روجوا لمعركة كسب بعدّها عودة للعصملي، وكأنهم بهذا الترويج المزدوج والاحتفاء به سعداء بتحول الأراضي السورية إلى ساحة قتال أجنبية، وللتخفيف من ذلك لا بأس بتصوير الحدث كأنه مباراة بكرة القدم، تجري بين فريقين أجنبيين على الأراضي السورية.

فيما سبق كان يمكن فهم حماس المؤيدين لميليشيات، كتلك العصابات التركية بقيادة معراج أورال التي شاركت في مجزرتي بانياس والبيضا، على أنه نوع من الاصطفاف الطائفي، مع أن الأمر سيبدو أبعد مع مشاركة الميليشيات الشيعية، لأن الأخيرة لا تتشارك مذهبياً إلا مع قلة قليلة من السوريين. استحداث قرابة مذهبية بين الطرفين أتى فعلاً بسبب التحالف الحالي، فالتشيع الإيراني لم ينجح سابقاً في الانتشار ضمن الساحل السوري أكثر من نجاحه في مدينة الرقة على سبيل المثال؛ في الواقع لا أيديولوجيا مذهبية تجمع الطرفين بقدر ما يجمعهما العداء للثورة، وهذا يعني استعداد المؤيدين للتحالف مع أي جهة كانت من أجل سحقها أو إبادة أنصارها.

استحضار وجود مقاتلين أجانب في صفوف بعض التنظيمات التي تقاتل النظام لتبرير حضور الأجانب إلى صفوفه وإن أصبح حجة إلا أنه يبدو حجة المحايدين، أكثر من كون حجة المؤيدين. المؤيد لا يكترث بتبريرات من هذا القبيل بقدر تعطشه إلى النصر، بأي ثمن وبأية طريقة، وهو يتمتع بفطنة فطرية تمنعه من المقارنة بين المقاتلين الأجانب على الجهتين، لأنه يدرك الفارق الشاسع بين دخول جماعي ممنهج ومنظم بواسطة النظام وآخر فردي محل اختلاف ضمن أوساط المعارضة نفسها. ثم إن المؤيد أكثر «واقعية»، وتخلى منذ أمد بعيد عن ادعاءات الوطنية التي يرفعها «الحيادي»، هو واقعي إلى درجة صادمة ومذهلة إذ يسعى إلى وطن خالٍ تماماً من الشركاء، باستثناء الشركاء في النصر الموعود، ولعله يفضّل الأجانب منهم على الشركاء المحليين لأن تقاسم المغانم أسهل على النفس من تقاسمها مع الشريك المحلي غير الموثوق لاحقاً.

من أجل ذلك النصر الذي تأخر، ربما نكون مع موعد قريب مع لواء «صيادي البجع الروس»، ولعل هذا بالضبط ما يشتهيه المؤيد الذي قد يعتب في سره على الروس لأنهم لم يرسلوا قواتهم حتى الآن للدفاع عنه، وربما يتذمر من قلة فعاليات الأسلحة الروسية في إبادة المعارضة، على النحو الذي كان يبرر فيه الهزيمة أمام إسرائيل بتدني فعالية الأسلحة الروسية. على هذه الأرضية يمكن فهم دعوات بعض المؤيدين إلى الالتحاق بروسيا، تماماً مثلما جرى إلحاق القرم بها، فهي دعوة مبطنة إلى مزيد من انخراط روسي مباشر في القتال ضد المعارضة، عسى أن تنجح الميليشيات الروسية بما عجزت عنه حتى الآن نظيراتها اللبنانية والعراقية والإيرانية.

ما يقوله المؤيد علانية: لا بأس في تدمير سوريا وإبادة معظم مواطنيها، ولا بأس في أن تصير رهينة للحلفاء الأجانب، ولا بأس حتى في أن يضحي المؤيدون بغالبية شبابهم، كل ذلك يهون أمام احتمال انتصار الثورة. قد نصف مقولته باللاعقلانية أو باللاواقعية، إلا أنه يراها عقلانية تماماً وواقعية إلى أقصى حد، وهو بالأحرى أكثر مبدئية من خصومه الذين أبدوا استعداداً لتقديم التنازلات حقناً لدماء السوريين. مبدئيته تدفعه إلى تقبل فكرة تجنيد الأطفال ودفعهم إلى القتال سريعاً، ومن دون تدريب حقيقي، وإلى تقبل فكرة تجنيد النساء بعد انخفاض الاحتياط الاستراتيجي من الذكور. مبدئيته أيضاً تدفعه إلى توسل تضحية الحلفاء بأرواحهم في معركته السامية، فلا يتساءل عن الحافز الذي يدفعهم إلى التضحية.

يعزي النظام مؤيديه بأن المعركة تشارف على الانتهاء، آخر موعد وضعه لذلك نهاية العام الحالي؛ ليس مهماً على هذا الصعيد التذكير بالمواعيد السابقة، المهم أن قابلية المؤيدين للتصديق لا تزال مفتوحة، ومن الطبيعي أن تكون هكذا لأنهم يستعجلون انتهاء التضحية بأنفسهم مثلما يستعجلون النصر. لكن لأن تصديق المواعيد لا يخلو من مخاطرة مع التقارير الغربية التي تشير إلى استمرار الحرب لعشر سنوات قادمة فإن قدوم الأجانب والتهويل من قدراتهم ينبغي أن يظهر إلى العلن أكثر من قبل لطمأنة الجمهور بأنه ليس وحيداً في الميدان وغير معرض للانقراض.

أما نفي خبر قدوم صيادي الغزلان بعد انتشاره الكثيف في المنابر المؤيدة فلا يُستبعد أنه أتى لعدم إغضاب الميليشيات اللبنانية، فقدوم الصيادين يعني أن الأخيرة فشلت في مهمتها، وأنها وإن استطاعت حسم نصرها في يبرود وتحاول حسمه مجدداً في رنكوس إلا أنها بعيدة عن حسم نصرها على عموم الأراضي السورية. ذلك بلا شك يخدش صورة النصر الإلهي الذي أنفقت عليه أرواحُ المئات على الأقل، وأنفقت احتفالاً به كمياتٌ كبيرة من البقلاوة. ويُرجح أن قادة الميليشيات اللبنانية يرحبون أيضاً بانضمام «الصيادين» ليخففوا من خسائرهم، على أن يحدث هذا بلا ضجة وإعلان، وبلا منشدين أرمن يغنون لقائدهم هم بالأرمنية «احسم نصرك في كسب».

ثمة تحليلات شائعة عن تحول سوريا إلى ساحة حرب دولية وإقليمية، تحليلات تبني على وجود مقاتلين أجانب في الضفتين، وعلى تنفيذ أجندات خارجية بالوكالة، إنما ينبغي الاعتراف بأن المؤيدين الذين يتحدثون عن مؤامرة كونية ضد نظامهم يرفضون فكرة «الساحة» لما تحمله من مساواة بينهم وبين الطرف الآخر، بل إنهم أصلاً يرفضون فكرة وجود طرف آخر. هنا لا بدّ من التنويه بشجاعتهم وجاهزيتهم للقتال حتى آخر رمق، فهم مستعدون لقبول احتلال متعدد الجنسيات للبلد، لكنهم لا يتخيلون مطلقاً ولن يسمحوا بتاتاً بأن تكون سوريا لأولئك «العملاء والخونة» من الضفة الأخرى.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى