سيكولوجية الثورة السورية
لربما كان الفرنسي غوستاف لوبون، هو الأشهر بين الباحثين في دراسته للسلوك الجماهيري وذلك من خلال كتابه سيكولوجية الجماهير، والذي نشره مطلع القرن المنصرم، وقد نال هذا الكتاب الكثير من الشهرة، وحصل على الكثير من المدح و النقد، وبعد قيام الثورة السورية، عاودت البحث في العديد من المراجع التي تناقش السلوك الجماهيري و تصرف الجماهير إبان تحركها باتجاه التغيير، فكانت معاودتي دراسة هذا الكتاب و التعليق عليه .
إن السيد لوبون في كتابه، يقترح نظرية كاملة من المفاهيم و المبادئ التي توضح نفسية الجماهير، و جرى تلخيص هذه المبادئ فيما يلي :
الجمهور النفسي يمتلك وحدة ذهنية، تجمع بين أفراده و يختلف بذلك عن التجمعات العفوية.
وأنا أتفق تماماً معه في هذا الطرح.
الفرد يتحرك بشكلٍ واع و مقصود، أما الجمهور فيتحرك بشكلٍ لا واع، ذلك أن الوعي فردي أما اللاوعي فهو جماعي.
و هنا تأتي الإشكالية الأساسية، فأنا أعتقد أن الوعي الكامل و الأهداف الواضحة المبنية على أسس تستمد رسوخها من الحياة اليومية للمواطن السوري، هو ما شكل الوعي لدى الشعب بضرورة استلام المبادرة، بشكلٍ واع و مقصود و من قبل أفراد الشعب العاديين .
الجماهير محافظة بطبيعتها على الرغم من تظاهراتها الثورية
وأنا أتفق تماماً معه في هذا الطرح.
· إن الجماهير، أياً تكن ثقافتها أو عقائدها أو مكانتها الاجتماعية، بحاجة لأن تخضع لقيادة محرك. وهو لا يقنعها بالمحاجات العقلانية و المنطقية، و إنما يفرض عليها نفسه بواسطة القوة، كما انه يجذبها بواسطة هيبته الشخصية.
وهنا نقطة الخلاف الأهم، فالمحرك عند لوبون هو القائد ذو الكاريزما المميزة المحاط بهالة من الغموض، والذي يمتلك القدرة على تحريك الجماهير بالتلاعب بعواطفها، و الثورة السورية و منذ انطلاقتها لم يكن لها أي قائد معروف كشخص أو كجهة اعتبارية، وحتى بعد تشكيل المجلس الوطني الذي لم يفرض نفسه وإنما أعلنه الثوار على الأرض كالجهة الشرعية الممثلة للثورة .
وكان هذا المجلس مدفوعاً بقوة الجماهير على الأرض فهي التي تقوده وليس العكس، وهي التي تضع الأهداف و طرق التنفيذ وعلى المجلس العمل على تحقيقها، و يدرك المجلس إن أي تجاوز للجماهير على الأرض يعني بالضرورة فقدانه لشرعيته، كما أن المجلس لا توجد فيه شخصية تملك كاريزما القيادة، فحتى السيد غليون لا يملك هذه الكاريزما و هذا من منن الله على الثورة.
إن الدعاية ذات أسس لا عقلانية، ولها أداة للعمل تتمثل بالتحريض من قريب أو بعيد أي بالعدوى .
هذا الكلام ينطبق على الدعاية التي تمارسها السلطة، فمجمل الخطاب الذي تطرحه السلطة يفتقد للأساس المنطقي، وقد انهار منذ اللحظات الأولى، أما التحريض فمارسته السلطة و باستعمال كل الأساليب وكلها غير أخلاقية، أما جمهور الثورة فشعاراته اعتمدت منذ اللحظات الأولى على أسس الحق و الأخلاق، و كان الجذب الأخلاقي لهذه المبادئ أبلغ الأثر، فالعقل هو الذي يدفع هذه الجماهير للدفاع عن نفسها وهو الذي يهدي خطى الثورة.
إن الثورة العظيمة هي الشاهد الماثل أمامنا على التبدل العميق في الفكر والسلوك لدى الشعب السوري، حيث احتاج الشعب لنصف قرن أي لزوال جيلٍ كامل، ليتخلص من تفاهاتٍ فرضتها (النخبة)، و ليستبدل الإيمان بقدرة القائد إلى الإيمان بقدرة الشعب بوصفها الممثل للإرادة الإلهية، و ليتبنى المبادئ لسوريا المستقبل في الحرية و المساواة و العدل .
بوركتم وطبتم عسى أن يجعلكم الله من الصالحين و يورثكم الأرض انه عزيز حكيم
A Alh
http://kebreet.net/2011/12/12/%D8%B3%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9%E2%80%8E/