سيناريوهات إسرائيلية لسورية
[2/1]: من نظام الدولة لتشكيلة حكم هجينة
القدس المحتلة ــ نضال محمد وتد
أصدر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، أخيراً، مذكرة بحثية ترصد التحولات المتوقعة في سورية بعد الحرب، وتستشرف أنماط الحل المرتقب في سورية لجهة إضعاف الدولة الأم، حتى لو انتهت الحرب بانتصار نظام بشار الأسد، وبقاء الإطار الدولاني كقشرة خارجية تخفي تحت طياتها تشكيلة هجينة من أشكال الحكم في مناطق مختلفة في سورية، وفق مجموعة المصالح الإقليمية والدولية وموازين القوى الداخلية في سورية نفسها. وجاءت المذكرة في أكثر من 60 صفحة، وتتناول السيناريوهات المرتقبة لحل الأزمة السورية، والواقع المتشكل على أثرها. وهي لا ترى نهاية قريبة للحرب حتى لو سادت اتفاقيات خفض مناطق التوتر وشملت كل أنحاء سورية، بل ترى أن الحرب ستنتقل إلى حالة، أو مرحلة ثانية، من استمرار القتال في مناطق معينة، رغم انتظام الحياة في أنحاء أخرى، تماماً على غرار ما يحدث مثلاً في أفغانستان.
وبحسب الدراسة- المذكرة، التي وضعها عدد من الباحثين في المركز، فإن العدد الكبير للأطراف والجهات الناشطة في سورية، سواء من أطراف دولية أو إقليمية أو محلية، التي ترغب، بالرغم من تناقض المصالح بينها، بالإبقاء على الغلاف الخارجي لدولة واحدة في سورية، ولو ظاهرياً، يعزز احتمالات تكريس هذا النمط، على الأقل على الصعيد الرسمي في الخطاب الدولي. لكن بقاء أو تكريس حكم مركزي يبسط سيطرته على مجمل أراضي الدولة بات بمثابة سيناريو تتضاءل فرص تحقيقه على أرض الواقع، بينما تزداد فرص تطور منظومة حكم شائكة متعددة الأطراف. وترى المذكرة أن ما يعزز هذا السيناريو، ويرجح تحققه وليس غيره، هو تبلور وتكريس مناطق، أو جيوب، داخل سورية تحكمها أطراف مختلفة لها مصالح متضادة، راكمت خلال الحرب قوة وتأثيرا، ستنعكس بالتالي في اتفاق السلام الدائم بحسب موازين القوى الداخلية، ومن يدعمها من الخارج، لكن لن يكون بمقدور الاتفاق أن يضمن الهدوء التام، بل ستتواصل الاشتباكات الموضعية في مناطق مختلفة لسنوات طويلة (نموذج أفغانستان).
يفضي هذا الواقع، بحسب المذكرة، إلى التأسيس لنظام سياسي شائك، يقوم على وجود حكم مركزي ضعيف ومراكز حكم محلية (مناطقية- مثل حكم ذاتي في الشمال للأكراد)، إلى جانب تدخل ونفوذ كبيرين للأطراف الخارجية. وتحدد المذكرة جملة من العوامل ذات التأثير الاستراتيجي على السيناريوهات المختلفة المستقبلية. يقف على رأس هذه العوامل نتائج القتال والتطورات في القتال الميداني بين قوات النظام وبين فصائل الثورة والجهات المقاتلة المختلفة. والعامل الرئيس الثاني صاحب التأثير الكبير أيضاً، هو حجم التدخل الروسي في سورية ونوعية هذا التدخل. والعامل الثالث في هذه المعادلة للتأثير على مستقبل سورية يتصل أيضاً بطبيعة الحال بحجم وطبيعة الدور الإيراني المستقبلي. ويشكل مستقبل تنظيم “داعش” وقوته ووجوده على الأرض، عاملاً رابعاً. أما العامل الأخير فيتعلق بمدى قدرة واستعداد فصائل المعارضة المختلفة على التعاون في ما بينها، وربما الوصول إلى توحيد صفوفها. وفي هذه النقطة ترى المذكرة أن هذه القوى في وضع لا تقوم فيه بالسعي لتوحيد صفوفها فحسب، بل إنها تقاتل بعضها البعض، فيما يزيد الخصم الشيعي مراكمة قوة استراتيجية، وليس فقط ميدانية.
وفي رسمها للتشكيلة الهجينة لأشكال الحكم، ترى المذكرة أن روسيا وإيران ستسعيان لتكريس نظام حكم علوي، فيما لن تسارع الولايات المتحدة لضرب بقاء نظام الأسد حالياً بشرط ألا يبقى الأسد في المرحلة التي تلي المرحلة الانتقالية التي سيتم خلالها رسم ملامح سورية المستقبل. كما أن السعودية وتركيا لن توافقا على بقاء النظام العلوي على ما هو عليه، لأن معنى ذلك بقاء هيمنة علوية- شيعية في سورية تحت رعاية وحماية إيرانية. في المقابل، فإن المذكرة ترى أن سيناريو تشكيل نظام حكم سني في سورية اليوم، هو حلم بعيد المنال في الظروف الحالية، وكي يصبح هذا السيناريو واقعياً ينبغي بداية تحقيق مصالحة ووحدة صف بين مختلف الجماعات والفصائل السنية، بما يحولها إلى كتلة كبيرة هائلة تمكنها من الإطاحة بنظام الأسد، لكن سيفتح السؤال أمام طبيعة وشكل الدولة المقبلة في سورية، وهل ستكون علمانية أم سنية “إخوانية” أم سلفية، وفي كل الحالات فإن روسيا قد توافق على التعايش مع مثل هذا النظام فقط في حال أقر لها بمواصلة السيطرة على مواقعها الاستراتيجية في سورية وعلى شواطئ المتوسط.
لكن البديل الذي تعتبره المذكرة الأكثر واقعية هو البديل الفدرالي، أي دولة اتحادية، تعكس بالضرورة اعترافاً من الحكم المركزي بالجماعات والمجموعات المختلفة، عرقياً ومذهبياً، في المناطق المختلفة من سورية، وينطلق من الإقرار بأنه ليس بمقدور أي مجموعة حسم المعركة أو الحرب عسكرياً. ويقوم هذا البديل الفدرالي، على الإبقاء على الغلاف الخارجي لسورية كدولة واحدة، فيها وحدات فدرالية مختلفة، موزعة إما جغرافياً أو عرقياً ومذهبياً، وهو حل قد يصبح صاحب الكفة الراجحة في حال حظي بدفعة قوية من القوتين العظميين، الولايات المتحدة وروسيا، إذا اقتنعتا أنه لا بديل آخر لإنهاء الحرب. وترى المذكرة، في هذا السياق، أن روسيا، ولغاية منتصف العام الحالي، عملت وتعمل لتطبيق وتكريس هذا الخيار الاتحادي، الفدرالي، لضمان مواقعها على الساحل السوري. وكي تضمن روسيا ذلك فهي بحاجة لحليف علوي على امتداد الساحل السوري. ويمكن الافتراض بأن الولايات المتحدة، قد تكون على استعداد لقبول مثل هذا الخيار لضمان بقاء وحدة الأراضي السورية من جهة، وقدرتها على الوفاء بتعهداتها للأكراد في شمال سورية بمنحهم نظام حكم ذاتي ضمن الدولة (الغلاف) السورية.
وتركز المذكرة بشكل خاص على هذا النموذج الفدرالي، باعتبار ما تراه الخيار الأكثر واقعية في ظل موازين القوى، والذي سيكون تحديد العلاقات بين أطرافه المختلفة وبين الحكم المركزي فقط بعد تحديد التقسيم الجغرافي للكانتونات ذات الحكم المحلي، وهو سيناريو قد يلقى قبولاً سعودياً، خصوصاً أن السعودية وتركيا لن تقبلا بتفكيك الدولة السورية، من جهة، كما أن الرياض ستسعى لتكريس نفوذ وتأثير في المناطق السنية، مع سعي لضمان تقليص مساحة المناطق الخاضعة للحكم العلوي والتأثير الإيراني. وبدورها فإن إيران لن تتخلى لا عن مصالحها ولا عن دورها كحامية للأقلية الشيعية والعلوية في سورية، ولا عن مطامعها بتكريس ممر بري عبر العراق إلى سورية وسواحل المتوسط. ومع أن هذا التصور لنظام فدرالي وتشكيلة هجينة من أنواع الحكم، يتصدر توقعات وتقديرات المذكرة الرسمية لمركز أبحاث الأمن القومي، فإنها لا تستبعد أيضاً تقسيم سورية على أرض الواقع، بما يعكس موازين القوى الداخلية والعسكرية داخل البلد.
إلى ذلك، لا تسقط المذكرة من حساباتها أن يستمر القتال داخل سورية، وألا يكون الحل في الأفق، أيضاً بفعل مصالح لدول إقليمية وقوى دولية. وهي ترى في مثل هذه الحالة أن القتال سيستمر ويتواصل، وإن كان بقوة مختلفة، مع ارتفاع ألسنة اللهب من حين إلى آخر وانخفاضها، تبعاً للتطورات، فالدول الإقليمية (السعودية وتركيا وإيران) تملك مصالح مختلفة في ذلك، أبرزها أن استمرار الحرب يشكل رسالة واضحة لمواطني هذه الدول من مخاطر خوض غمار التمرد على الحكم، حتى لا يصيبهم ما أصاب السوريين.
[2/2]: “غطاء عربي” لضمان مصالحها/ نضال محمد وتد
تؤكد المذكرة البحثية التي وضعها مركز أبحاث الأمن القومي، بشأن سيناريوهات مستقبل سورية، أنها ترى الحل “الأمثل”، طبعاً وفقاً للمصالح الإسرائيلية وبما يخدم إسرائيل، بتشكيل نظام هجين يقوم، كما تمت الإشارة في الجزء الأول، على حكم مركزي ضعيف، مع علاقات فدرالية تربطه بجملة من “أنظمة الحكم الذاتي المحلي”. وتقول المذكرة بشكل صريح، في الصفحة 45، إن الفرضية الأساسية لبلورة السياسة الإسرائيلية هي أن سورية لن تعود إلى ما كانت عليه، وهي لن تتحول في المستقبل المنظور إلى ديمقراطية مستقرة. السيناريو صاحب الشأن هنا هو سيناريو سورية مقسمة إلى جيوب إثنية ودينية، علوستان، كردستان، سنستان، شيعستان، ودرزستان، إلى جانب هيمنة لإيران، وبالأساس لأذرعها.
وتخصص المذكرة، التي جاءت في 67 صفحة، القسم الثاني لتحديد المصالح والشروط والاستراتيجية التي يفترض بدولة الاحتلال اعتمادها للاستعداد لتطبيق الحل المقبل في سورية وفق السيناريو المذكور أعلاه، مع إفساح حيز للحديث عن التعاون الاستراتيجي المطلوب مع الدول العربية، كغطاء لتطبيق المصالح الإسرائيلية، عبر تحويلها إلى مصالح مشتركة، وحتى يكون لإسرائيل “الحق” بالمطالبة بمراعاة مصالحها وأمنها، أسوة بتركيا. لكن ذلك يشترط مثلاً دمج هذا الحق مع الحق الأردني، و”الحق السعودي”، باعتبار أن إسرائيل وتركيا والأردن لها حدود مع سورية.
ويشكل أبرز وأهم ما جاء في الجزء الثاني من المذكرة، الدعوة الصريحة للحكومة الإسرائيلية، وهي دعوة لا تبتعد في الواقع عما تقوم به حكومة الاحتلال أخيراً، إلى ترك سياسة عدم التدخل التي اعتمدتها لغاية الآن، لأسباب مختلفة، واستنفدت عملياً الفوائد المرجوة منها، خصوصاً في ظل التحول الذي جرى في سورية منذ العام 2015 بعد تكريس الدور الروسي، وما صاحبه من تعزيز نفوذ محور إيران و”حزب الله”، والانتقال بالتالي من موقف “المتفرج”، الذي لا يتدخل إلا بعمليات محدودة (قصف فواقل الأسلحة، أو الرد موضعياً على انزلاق القتال إلى إسرائيل)، إلى موقف وسياسة نشطة وفعالة ومبادرة في كل ما يتعلق بتصورات وترتيبات الحل المقبل في سورية، خصوصاً بعد أن فقدت إسرائيل مثلاً ورقة التلويح بإسقاط النظام التي كانت تمتلكها، وكان يمكن أن يكون لها أثر فاعل في السنوات الثلاث الأولى من الثورة السورية، وفقدت فاعليتها بعد دخول روسيا الحرب إلى جانب النظام، بما يعرقل ويهدد مستقبلاً حرية الحركة الإسرائيلية في سورية، خصوصاً حرية سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية.
وترسم المذكرة المصالح الإسرائيلية، السياسية والأمنية، التي يجب أن تحدد السياسة الإسرائيلية في الفترة المقبلة، ويجب أن تكون واضحة لأصحاب القرار في تل أبيب عند بلورة السياسة الجديدة، بدلاً من سياسة عدم التدخل السباقة، وتحددها في البنود التالية:
أولاً: ضمان الهدوء الأمني والاستقرار في الجبهة الشمالية، وتحديد جهة، أو عنوان، يكون مسؤولاً في سورية، يمكن بلورة قواعد للعبة معه، وإبعاد العناصر السلبية المهددة للاستقرار من هضبة الجولان، ودق أسفين بين الحكم المركزي في دمشق وبين “حزب الله” في لبنان.
ثانياً: منع تكريس الوجود العسكري والسياسي لإيران وأذرعها في سورية، وتقليص حجم التأثير والنفوذ الإيرانيين في بلورة معالم سورية المقبلة، جغرافياً وسلطوياً (شكل النظام) وعسكرياً.
ثالثاً: تنسيق استراتيجي مع الولايات المتحدة بشأن مستقبل سورية، وربط الولايات المتحدة ودفعها نحو مشاركة وتدخل أكبر في سيرورة الترتيبات المقبلة وتوسيع مصالحها بما يتجاوز تفكيك تنظيم “داعش”. مثل هذا التنسيق سيكون وزناً مضاداً للهيمنة الروسية، خصوصاً في المسائل التي يطرأ فيها تضاد بين المصالح الروسية والمصالح الإسرائيلية، مثل الوجود الإيراني في سورية، ودور “حزب الله”.
رابعاً: تثبيت وتطوير التفاهمات الاستراتيجية والتنسيق العملياتي مع روسيا لمنع مواجهات بين الطرفين.
خامساً: ضمان حرية النشاط العسكري الإسرائيلي في سورية ولبنان، والحفاظ على حرية الرد العسكري لإحباط تهديدات أمنية وإحباط عمليات ضد إسرائيل، وضمان بقاء حرية الحركة في أجواء سورية ولبنان وجمع المعلومات، للاستعداد للمعركة المقبلة ضد “حزب الله” وإفشال محاولات نقل سلاح متطور للحزب في لبنان.
سادساً: إنشاء منطقة نفوذ إسرائيلية في جنوب سورية – يفضل بالتنسيق مع الأردن- لضمان بيئة مستقرة وهادئة، ومنع تمترس قوات راديكالية سلفية جهادية، من جهة، أو أذرع إيرانية من جهة ثانية.
وبحسب المذكرة فإن السياسة الإسرائيلية الجديدة يجب أيضاً أن تنطلق، عبر أخذها بالمصالح المذكورة أعلاه، من منطلق الاتجاه نحو “إدارة المشكلة”، على غرار استراتيجية الاحتلال في إدارة الصراع مع الفلسطينيين، وعدم توقع حل المشكلة أو التورط في محاولات إسرائيلية مستقلة لحلها، من شأنها أن تورط إسرائيل في الحلبة السورية وتدفعها إلى مواجهة روسيا. وكي تؤتي هذه السياسة الجديدة المقترحة ثمارها، وتتمكن إسرائيل من التأثير فعلياً في عملية بلورة معالم سورية ما بعد الحرب (أو سورية بنظامها الهجين المقبل)، فإن عليها الاستعانة بأطراف أخرى: روسيا والولايات المتحدة والمملكة الأردنية ودول الخليج. فقط عبر أطراف ثالثة، كما تسميها المذكرة، يمكن لإسرائيل أن تؤثر في الاتجاهات المقبلة وتحرك الأطراف الفاعلة في اتجاهات إيجابية لإسرائيل.
وتلفت المذكرة، في هذه المرحلة، إلى حقيقة السياسة الضبابية التي تتبعها إسرائيل في كل ما يتعلق بمستقبل نظام بشار الأسد، إذ تقول إن إسرائيل امتنعت عن الإعلان الواضح عن الطرف الذي تؤيده في الصراع على مستقبل سورية، وهو ما فسر بأن هذه السياسة الضبابية تعني أن إسرائيل تفضل بقاء نظام الأسد الضعيف “الشيطان المعروف” على نظام وحكم عناصر أخرى قد يتضح لاحقاً أنها أكثر راديكالية في موقفها من إسرائيل. وقد كان هذا الموقف، مع ما سبقه من عدم التدخل وعدم تمويل أو تسليح أطراف المعارضة السورية، حاجزاً وعائقاً أمام تأثير إسرائيلي عند المعارضة، التي اعتبرت أن موقف إسرائيل يؤكد عملياً دعمها لبقاء نظام الأسد، الذي حافظ على الهدوء وعلى الاستقرار الأمني في هضبة الجولان على مدار عشرات السنين. وبحسب المذكرة فإنه في حال جرت محاولات أو طرحت تصورات لخارطة طريق هدفها إعادة سورية لتصبح كياناً سياسياً، ودولة فاعلة كما كانت، فعلى إسرائيل أن تضع شروطها، وتصيغها وفق البنود التالية:
أولاً: هزم تنظيم “داعش” وتفكيكه كلياً.
ثانياً: الإطاحة بالأسد من كرسي الحكم، حتى لو كان الثمن إبقاء الحكم بأيدي الطائفة العلوية.
ثالثاً: إبعاد إيران وأذرعها عن سورية، وبالأساس من جنوب سورية، وتقليص تأثيرها على بلورة معالم سورية المقبلة.
رابعاً: زيادة التنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا.
خامساً: خلق وضع لا تكون فيه سورية ميداناً للحرب بين السنة والشيعة، وحتى يتحقق ذلك يجب أولاً خفض التأثير السلبي لكل من تركيا والسعودية، وخصوصاً إيران، على ما يحدث في سورية.
سادساً: بلورة اتفاق بين الأطراف ذات الصلة، الداخلية والخارجية، بشأن السبيل الذي ينبغي اتباعه لتطهير سورية من كافة المنظمات التي تجرها إلى العنف والشروخ الخطيرة، خصوصاً منظمات السلفية الجهادية.
سابعاً: إعادة بناء الاقتصاد السوري والبنى التي تهدمت عبر إعادة أبناء الطبقة الوسطى الذين فروا من سورية، والضروريين لعملية إعادة الإعمار.
ثامناً: حتى تتمكن إسرائيل من خدمة هذه الأهداف وتوسيع نفوذها وتأثيرها على عملية بلورة ملامح سورية المقبلة، فإن عليها أن توظف ثلاثة من مكامن القوة والتأثير المتوفرة عندها: تأسيس تعاون مع عناصر داخلية وخارجية ناشطة في سورية، واستخدام القوة الخشنة المعتمدة أساساً على قوتها العسكرية وقدرتها على إلحاق ضرر كبير بخصومها، وأخيراً استخدام قوتها الناعمة، أي إجادة توظيف واستخدام وسائل التأثير الاقتصادية والمدنية، والإنسانية والقانونية، وما شابه ذلك.
وتشكل مسألة القوة الخشنة أداة رئيسية تقترح المذكرة استخدامها لتحقيق أهداف إسرائيل، وهي تشمل توجيه ضربات عسكرية مباشرة لأهداف عسكرية، مثل قواعد ومقار قيادة عسكرية، ومعسكرات الجيش، وضرب مخازن السلاح المتطور للجيش السوري، وتغيير موازين القوى العسكرية (للأطراف السورية الداخلية) ميدانياً ضد صالح القوى المعادية لإسرائيل، وإعلان مناطق لحظر الطيران الجوي في هضبة الجولان وجنوب سورية والتهديد بضرب كل طائرة للنظام تخترق هذه المنطقة وتدخلها، ومنع انتشار قوات للمحور الشيعي الإيراني في الجولان وفقاً للخطوط الحمراء التي سبق لإسرائيل أن أعلنتها. إلى جانب هذه الأدوات تدعو المذكرة بشكل خاص إلى التعاون مع الأردن في إنشاء منطقة أمنية خاصة جنوب سورية وفي هضبة الجولان، تقوم على حمايتها قوات محلية، مع استعداد إسرائيل لاستعراض قوتها الجوية لردع ومنع قوات محلية غير مرغوب فيها، خصوصاً السلفية والجهادية، أو إيرانية، من التمركز في هذه المنطقة.
أما في مجال القوة الناعمة، فتقترح المذكرة التعاون لكبح نشاط الأطراف الراديكالية، من خلال نشاط إسرائيل الدبلوماسي وعلاقاتها مع أطراف تؤثر على هذه الجماعات، وتنشيط الوضع الاقتصادي في هذه المناطق، وإقامة مناطق آمنة، وخلق ما تسميه المذكرة بمنطقة حدودية اقتصادية في الجولان، تشمل مسار حركة تجارية بين إسرائيل وجنوب سورية. كما تقترح المذكرة المبادرة لتحريك نشاط دولي باتجاه فرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري ومؤيديه، وتحويل مسألة الضعف الاقتصادي للنظام لرافعة لفرض حل سياسي، وتكثيف المساعدات الإنسانية، وتغيير صلاحيات ومكانة القوات الدولية لحفظ السلام في الجولان (الأندوف)، وتعزيز ودعم العناصر والأطراف الإيجابية. وتلفت المذكرة، في سياق أدوات القوة الناعمة المتاحة لإسرائيل، إلى أن “الأزمة في سورية وفرت لإسرائيل فرصاً للتعاون، ليس فقط مع جهات غير دولانية، وإنما أيضاً مع الدول الراعية لها والتي تقف وراء هذه المنظمات غير الدولانية. وفي هذا السياق، وبحسب المذكرة، توجد لإسرائيل والدول السنية – وبالأساس الأردن والسعودية ودول الخليج – مساحة من المصالح المتشابكة الناجمة عن الخوف المشترك من هيمنة إيرانية في سورية، ومن إنشاء ممر بري شيعي إيراني يبدأ في طهران ويمر عبر بغداد ودمشق لينتهي في بيروت. لذلك بمقدور إسرائيل أن ترى في المصالح المشتركة لها وللدول العربية السنية في سياق سورية رافعة لإقامة علاقات أشد متانة لمدى طويل، تشمل اندماج هذه الدول مجتمعة في السعي للتوصل إلى حل للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني”. وتخلص المذكرة إلى القول، إنها توصي الحكومة الإسرائيلية بوضع استراتيجية مشتركة مع الأردن، بدعم أميركي، لإنشاء مناطق نفوذ مشتركة في جنوب سورية تعزز التحالف الاستراتيجي بين الأردن وإسرائيل، وتصد توسع التأثير الإيراني وتأثير ونفوذ “حزب الله” وجهات جهادية سلفية، كما تحول دون إحداث فراغ يمكن أن تملأه عناصر سلبية، مثل “داعش”.
العربي الجديد