صفحات سورية

سيناريوهات سورية/ رياض نعسان أغا

 

ثمة سيناريوهات عديدة محتملة لمستقبل سوريا بعد أن أوشك مسلسل التدمير أن ينهي ما فيها من بنية تحتية ومن إنهاك لقواها المجتمعية والتنموية، وأبرز هذه السيناريوهات هو النهاية «السعيدة» التي يروج لها أنصار النظام، وهي «النصر المؤزر» على المعارضة والمتمردين والسيطرة العسكرية الكاملة على المناطق التي خرجت عن السلطة، واعتقال مئات الآلاف من الذين طالبوا بالحرية، وتقديمهم لمحاكمات ميدانية بوصفهم خونة! ويرى أنصار هذا السيناريو أن القضية السورية انتهت، وهم يذكروننا بقولهم «خلصت» قبل عامين، وأن استسلام حمص هو مفتاح لاستسلام حلب، وأن «داعش» ستنتهي دون قتال وستخرج من سوريا مع تحقق الغرض الذي جاءت من أجله (وهو تقديم صورة البديل الذي يجعل الشبيحة أفضل من الأشباح). وستكون الرقة والجزيرة السورية جاهزتين لإعلان النصر على أعداء السلطة التي ستعزز الانتخابات الرئاسية القادمة شرعيتها الدولية!

ويرى المتفائلون بهذا السيناريو أن العملية لن تستغرق أكثر من ستة أشهر، ومع حلول العام القادم تبدأ سوريا بالعودة إلى الحياة الطبيعية، ويعود الناس صاغرين خانعين يرددون الهتافات التي اعتادوا عليها عقوداً، وقد يتوالى ظهور بعض المعارضين على شاشات التلفزيون لتقديم الاعتذار عن وقوعهم في الخطيئة الكبرى، وعن تورطهم، وقد يعترف بعضهم بأنهم كانوا من المغرر بهم، وأن دولاً عربية وصديقة أغرتهم فشاركوا في المؤامرة الكونية ضد بلدهم، وبعضهم الآخر قد يعاند فتلاحقه اللعنة مدى الحياة! أما من تورطوا بحمل السلاح فجزاؤهم القتل والإعدام، وسيعود ملايين النازحين لينصبوا خيامهم حول قراهم المهدمة، وربما لن يتعرف أحد إلى موقع مسكنه قبل النزوح فالقرى والبلدات في أرياف المحافظات صارت أرضاً محروقة لا أثر لحياة فيها، وحسبك منظر العائدين إلى حمص الذين فوجئوا ببقايا بيوتهم. وأما ما بقي من أشيائهم المتناثرة فقد اعتبره المنتصرون غنائم حرب فحملوا كل شيء مهما كان تافهاً. وأما طاقات سوريا وكوادرها الصناعية والعلمية والتنموية فكثير منهم أقاموا حيث وجدوا حياة آمنة تدعوهم إلى الاستقرار، ولاسيما أولئك المقتدرون الذين أسسوا أعمالاً بدأت تدور رحى إنتاجها.

وهذا السيناريو المتفائل بـ«النصر المؤزر» يعترف بأن الفضل في النصر هو للتنظيمات الدينية المتطرفة التي رفضها الجميع، والتي كانت عاملاً مهماً في إخماد نار الثورة، فهي أنجع من صواريخ «سكود» ومن أسلحة الكيماوي وبراميل الموت، فهذه الأسلحة المدمرة لم تثن عزيمة الشعب عن الإصرار على مطالبه، ولكنه حين رأى البدائل المتخلفة المرشحة للحلول محل النظام صار البعض يتمنون أن يبقى النظام بعجره وبجره فهو أهون شراً من العيش تحت سلطة «داعش» مثلاً. كما يرى المؤيدون أن الانتخابات الرئاسية الراهنة خطوة كبيرة ومديدة نحو الديمقراطية، وهم يتابعون بتشوق هذا التنافس الكبير بين المرشحين الثلاثة. ومع أنهم مطمئنون إلى النتيجة إلا أنهم يعتقدون أن التنافس على رغم أنه صوري مهم لأن الشعب بحاجة إلى دورتين رئاسيتين على الأقل كي يتعود على التنافس الجاد.

وهم يعترفون بأن ما يحدث الآن هو مجرد «بروفة لتأهيل الشعب» ويعتقدون أن الأكثرية تؤيدهم وأن ملايين النازحين سينتخبون لأنهم اكتشفوا خطأهم، وحتى المغتربون واللاجئون سيشاركون بقوة في الانتخابات بمحض رغبتهم وليس صحيحاً ما يشاع من أن السفارات تهمس لمن لن يشارك بأنه سيكون محروماً من تجديد جواز سفره أو أية خدمة قنصلية مما سيجعل إقامته في بلد الاغتراب أو اللجوء مضطربة وقابلة لنهاية فاجعة، ذاك أن جل المغتربين وبينهم من أيدوا الثورة حين قامت، اكتشفوا أن مآلات الثورة ستعود على البلد بدمار أكبر، وأن من تعرفه خير ممن ستتعرف عليه، وهم سيشاركون بالانتخابات و«يهللون» للنتيجة على أمل أن يتوقف النظام عن قتل الناس واعتقالهم! وهم بالطبع يتفاءلون بصدور عفو عام عمن تورطوا، لأنهم يشكون في أن يقدم النظام على اعتقال ثلاثة ملايين شخص على الأقل ممن هم متورطون بالكتابة على الفيسبوك أو على الجدران أو بالكلام عبر «الموبايل»، أما الذين شاركوا في المظاهرات فقد تم التخلص من أكثرهم ومن بقي منهم حياً لاذ بالفرار وقد لا يجرؤ على العودة حتى وإن صدرت مراسيم عفو لن يطمئن إلى مصداقيتها.

أما السيناريو الثاني فيفترض أن الانتخابات مجرد تمثيلية هزلية ولاسيما أن هناك مرشحيْن يلعبان دورين كوميديين، وأن النتائج لا تعني أكثر من استمرار ما كان، وأصحاب هذه الرؤية يعتقدون أن الحملة الانتخابية هدفها إضفاء شرعية دولية على هذا الاستمرار ليس أكثر. فالهدف إعلامي محض، ولن يتغير شيء في مجريات ما يحدث على الأرض، وستبقى الجبهات مشتعلة ومسلسل التدمير مستمراً وربما يزداد ضراوة في حلب ودمشق. ويرون أن الشعب لن يرضخ ولن يقبل بالعودة إلى الحظيرة بعد أن دفع أخطر الأثمان لحريته التي صارت حلماً ضائعاً، وهؤلاء يعتقدون أن الرضوخ سيزيد من قسوة السلطة، وستتحول سوريا إلى معسكر اعتقال كبير إذا أذعنوا وقبلوا بالأمر الواقع. وقد كانوا يتذمرون من وجود أحد عشر فرعاً معلناً لأجهزة الأمن، ولكن انتصار النظام سيزيد عدد الفروع ربما إلى مئة فرع تخوفاً من انتكاسة شعبية، ولابد أن تضاف فروع أمنية خاصة لإيران ولـ«حزب الله» ولروسيا أيضاً، فهؤلاء شركاء النصر وهم في الحقيقة أربابه. ولذلك ستنهض الثورة من جديد وستعيد المعارضة ترتيب بيتها، وسيرى المجتمع الدولي بعد بضع سنين أن الهدف تحقق وتم تدمير سوريا نهائياً، وعندها قد يصدر أمر دولي بإنهاء ما يحدث قسراً.

وأما السيناريو الثالث وهو المرعب فيرى أن ما يحدث هدفه حل بتقسيم سوريا، وأن ما حدث في حمص برعاية دولية وتفاوض هو ضمن رؤية التقسيم لأن خطة ما تريد ضم حمص والبادية إلى حدود العراق والقلمون إلى حدود لبنان ودمشق إلى حدود حوران إلى دولة الساحل، بينما تنشأ دويلات كرتونية في الشمال والجنوب، يتجمع فيها المتطرفون والإرهابيون ليقدموا للعالم صورة دويلة إسلامية يتم استيراد القائمين عليها من إرهابيي كل الشعوب والأمم.

أما السيناريو الذي افتقدته وكنت دعوت إليه في هذه الصفحة ذاتها، منذ أن بدأت المظاهرات في درعا بوصفه حلاً جذرياً، وهو أن يرعى النظام مرحلة انتقالية، تشهد فيها البلاد انتخابات حقيقية لبرلمان مفتوح، تليه انتخابات رئاسية تشارك فيها شخصيات جادة، من مؤيدين ومعارضين ومن مختلف الأحزاب، ولا يكون فيها قبول الترشيح عبر مجلس الشعب الراهن الذي لم يشارك الشعب بانتخابه، ويترك قرار المستقبل لصناديق الاقتراع، وما دام النظام مؤمناً بأن الأغلبية الساحقة من الشعب تؤيده فما الذي يخشاه إذن من انتخابات تضع حلاً مقبولاً يذعن له الجميع بالرضا، وينهي مأساتنا السورية التي باتت تهددنا بالخروج من الجغرافيا ومن التاريخ معاً.

الاتحاد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى