شبّيحات الأسد يتأهبْن
عمر قدور
لم يكن الإعلان رسمياً عن وجود “فدائيات الأسد”، قبل نحو ثلاثة أسابيع، ليمرّ من دون ضجة إعلامية، وهذا على الأرجح ما توخّته الجهة التي نشرت تسجيلاً مصوّراً عن تدريباتهن، فيه لقاءات قصيرة مع بعض المتدرّبات اللواتي أظهرن حماستهنّ للدفاع عن نظام الأسد، مع إبراز المحيط الاجتماعي الداعم لهنّ في مهمتهن الجديدة. في التسجيل توعز المدرّبة إليهن: “اِسترحْ”، فيأخذن وضعية الاستراحة وهنّ يهتفن “سوريا”. توعز المدرّبة إليهنّ بالاستعداد فيهتفن “أسد”، أي أن حالة التأهّب مقرونة بالدفاع عن النظام، بخلاف سوريا التي لا تستدعي منهنّ سوى الاسترخاء.
تقول المدرِّبة، وهي برتبة رائد متقاعد، في معرض حديثها عن الحرب التي ستخوضها “الفدائيات”: “هذه ليست حرباً عادية ولا تشبه حرب تشرين الخالدة، ولا العدوّ الذي نعرفه، العدو -هذه المرة- من أهلنا وجيراننا وأصدقائنا”. هكذا لا تخفي صاحبة التصريح الغاية الأساسية للتدريب، وهي الانخراط في حرب أهلية، بل إن هذه الحرب الأهلية تقتضي استعدادات استثنائية بما أنّها حرب غير عادية، طرفها العدوّ هو الأهل والجيران والأصدقاء. هنا ينزاح الستار تماماً عن بيت القصيد، ولا يبقى من مجال لإنكار أن مؤيّدي النظام الطائفيّين يخوضون حربه بوصفها حرباً أهلية، أما زجّ النساء في الحرب فهو يذهب بها لتكون حرب وجود، وهذا بالتعريف من سمات الحرب الأهلية أيضاً.
لقد قيل الكثير في ما يريده النظام من نشر هذا التسجيل على نطاق واسع، لكنّ الرسالة موجهة أساساً إلى النطاق الأضيق الذي يشتمل على جمهور النظام. فليس متوقّعاً من مشهد مئات النساء بالزيّ العسكري المرقّط أن يكون تحذيراً لأعدائه، بقدر ما هو شحذ لهمم مواليه باللعب على الحساسية التقليدية التي تضع المرأة في موقع المستضعف الذي ينبغي الدفاع عنه، وأن ينبري هذا المستضعف إلى الدفاع عن الطائفة فذلك أشد تحذير بأن الطائفة يتهدّدها الزوال. صحيح أن المشهد قد يوحي بالمساواة بين الجنسين، إذ تتطوّع النساء لمهمّة خارج قسمتهن التقليدية، لكن الظرف المحيط بهذه العسكرة يفرغها من المساواة الحقيقية ليضع تلك النسوة في موقع المهماز لآلة الحرب الحقيقية، والتي تقتصر فعلاً على الذكور الواقعين تحت وهم الذكر القادر الحامي.
ثم إن العسكرة التي بات يتطلّبها النظام لا تنجح تماماً إلا بإقصاء الأنوثة، ودائماً وفق القسمة التقليدية سيتضمن هذا إقصاء ما يُعتقد أنها مواطن اللين والضعف لصالح ما يُعتقد أنها مواقع القوة والبطولة، ومن أقدر من النساء المسلحات، اللواتي تغلّبن على أنوثتهن، على تجسيد هذا الهدف؟
على الصعيد نفسه، لن تكون مصادفة أن يُقابل وضع الاستعداد بالهتاف بإسم رئيس النظام وأن تُقابل سوريا بوضعية الاستراحة، فالقسمة هنا تذهب إلى تأنيث سوريا مقابل “فحولة” النظام، فلا يليق برأس النظام أقلّ من وضعية الاستعداد، أو بالأحرى هي وضعية الانتصاب التي يتماهى فيها الجسد الأنثوي وانفعالاته مع الصورة المتخيّلة عن القائد البطل. هنا هجران كامل لعالم الأنوثة، بل نكران لها بالقدر ذاته الذي تكون فيه وضعية التأهّب “مصحوبة باسم رأس النظام” على الضدّ من الاستراحة “سوريا”.
من ضمن النظام البطريركي لا شكّ في أن الديكتاتورية هي الأعتى، فتحْت شعارات البطولة تهدف إلى إقناع الشعوب بفضائل الخشونة والشظف والفداء، وتحت وهم الذكورة تهدف إلى القضاء على الميول الطبيعية باتجاه اللين والدعة. لم تكن الديكتاتورية دائماً، في أحد جوانبها، إلا خلاصة للصورة النمطية عن الذكورة، تلك الصورة التي تقتضي أن يكابد الذكور من أجل إثبات جدارتهم بها، وفي أقصى الحالات تُفرض المكابدة ذاتها على النساء ليصبحن حرساً مباشراً للقيم ذاتها. لذا ليس مهمّاً التباين في الجنس بين حرّاس الديكتاتور، بل المهمّ إعادتهم جميعاً، وبصورة مستدامة، إلى وضعية الاستراحة، ولا بأس حينها في أن يكون اسمها تلك المؤنثّة سوريا.
المدن