شعب سوريا بانتظار النتائج
ضياء الحكيم
العنف أولاً والصلاة ثانياً. أما التصدي للأرهاب والتدمير فلم يعد عملاً شريفاً.
لم يعد مهماً الألتزام بالمبادئ الأسلامية والأدعاء بسماحة وسلمية الدين الأسلامي وقيمه وتعاليمه، فنحن كشعوب متأخرة، نصافح الأرهاب ونرحب بالعنف أولاً ونجتهد الجهاد ثانياً ومن يسقط في نهاية الشوط له الرحمة الألهية!
ما آلت أليه الأزمة السورية وقبلها العنف والطغيان البعثي في العراق هي حديث الناس لأستيعاب معاني أنتصارات زائفة وبالاخص أختفاء مقتضيات ألأمن وتدني رهيب لقضاء حاجات الأسرة اليومية. والدعاء للشعبين السوري والعراقي بذكر الله جلَّ وعلا..والله سلوة المتضررين.. وأمان الخائفين.. وملاذ المنكوبين، لم يعد له ضرورة في ميادين سفك الدماء العربية وأنتظار الأحلاف الأجنبية ومخابراتها نتائج الأنتصار. هذا الدعاء الأسلامي يقودني للناحية الأخلاقية الدينية بأن كل أنسان منا يرى عمله أمامه، والله وحده من سيغفر العيوب والذنوب في الآخرة، لكنه لايقودني بالضرورة ألى فهم جوانب الصراع النفسي والمادي وعملية سير الحضارة الأنسانية العربية منذ 1400 سنة. فمعلوماتي التاريخية البسيطة تذكرني بأن معركة الجمل بين المسلمين أوقعت أكثر من 90 ألف قتيل بين طرفين كل منهما يحمل راية الأسلام وعبارة الله أكبر. واليوم تعود ولادة جيوش أسلامية مذهبية وبرايات وأسماء لاحصر لها كجيش المهدي وجيش معاوية والجيش الأسلامي في العراق والجيش الحر والجيش السوري والقاعدة وجيش محمد بالأضافة الى جيوش المرتزقة والمجندين من وكالات مخابرات أجنبية التي ستدخل الميدان من مناطق ومحطات أنطلاق على الحدود التركية بعد تسليحها وتجهيزها وتمويلها كما ترتأيها الأدارات الأجنبية وحلف الناتو. أما النتائج التي سيحصدها شعب سوريا بعد التخريب والدمار والقتل والاضطهاد وتشريد السكان من مدنهم أريافهم وقراهم، فأنها فستكون كالنتائج التي تعرض لها شعب العراق بكل أطيافه بعد الأطاحة بنظام الدكتاتورية.
المشعوذون من أهل اللحى والعمائم وفتاويهم المضللة كانت ولازالت تقود جهاد الشباب المسلم وتوقعه في مهاوي التهلكة والتعاسة. وهذه الثقافة المُضللة تمس ضمير العالم العربي و الأسلامي والغربي. وعلى صعيد الأنتقام الجهادي تتزايد ثقافة الأخذ بمبدأ ” وبشرْ القاتل بالقتل ” حتى بين الطبقات العالية العلم والتمدن.
الأسلام سلام وأمان وملاذ وعدالته الدنيوية أصبحت على المحك بتأجيج ثقافة القتل والذبح على الهوية. وقد يكون قتل النفس البشرية من مبادئ الشريعة الأسلامية القائمة على نصوص قرآنية يفسرها علمائه بمنطق الحاكم وخضوعهم له، ولكنها قطعاً تتنافى مع العدالة الجنائية وأجراءات العقاب الوضعية التي تقتضي محاكمة المجرم ولاتقتضي بالضرورة ” قتل القاتل” المرتكب للجريمة ( كقتل القدافي وتبرير قتله أسلامياً )، كذلك حالات أخرى كتخفيف عقوبة القاتل أو التهليل بشجاعته وأحقيته على القتل دفاعاً عن النفس والدولة (وهي الحالات التي تشمل سماح القوانين الأسرائيلية قتل الفلسطينيين خارج حدود الدولة العبرية بحجة الدفاع عن النفس). فالعدالة الأجتماعية القائمة على قتل القاتل لاتدخل في منطق وحقل لوائح العدالة ونصوصها التي تتحكم فيها أجراءات وخطوات حقوقية تضمن وتوفر للقاتل باباً واسعاً وفرصاً قانونية وهيئات دفاعية لتفسير دوافع القتل وأسبابه. فحديثاً قامت دول تمتلك كل مقومات المدنية والحضارة وتمتلك أعتى أسلحة الدمار الأنساني بالقتل العمد كما عمدت أمريكا الى (قتل أُسامة بن لادن دون محاكمة وقيام أسرائيل بالقتل اليومي للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية ).
المصير الواحد الذي لاقاه الطغاة، صدام والقدافي ومبارك وعلي صالح على أيدي الشعوب المنتفضة ورافقتها شعارات التكبير ” الله أكبر” كانت مقززة للبعض لكونها تعميم واضح لعدالة الشوارع للثائرين على الطغاة وأبنائهم، وذبح وقطع رؤوس الموالين للنظام على الطريقة الأسلامية ( أو هكذا تسمى ). يقابلها أعمال مقززة مهينة للنطفة الأنسانية يرتكبها حرس النظام وعيون مخابراته وشبيحته وسحق المنتفضين على الظلم الأجتماعي بالدبابات ورشهم بالمواد الحارقة والكيمياوية بأوامر خاصة. هذه التصرفات لاتستقيم مع شهادة حسن السلوك ولايمكن أعطائها وتسليمها الى وحوش بشرية في أي طرف من الأطراف المتصارعة ( حكومية كانت أو شعبية )، ولاتعبّر عن رسالة الأسلام وقدسية الرسالة المحمدية ( بوضعها في قوالب أِلهية يباركها المنتفعون المشعوذون).
التخريب اليومي في سوريا
الأمر الذي يسوقنا الى الموضوع وهو: ما هو الفرق بين طاغية مستبد وأنصاره وحرسه وبين وحوش بشرية مناوئة لنظامه ؟ الأفعال الهمجية يقوم بها وحوش بشرية تبحث عن صيد وغنيمة، ويساق لها أولاد صغار السن مجندين بمذاهب أسلامية متطرفة وبثقافة لاتتجاوز عبارة “الله وأكبر” ليفجر نفسه بين حشد من المسلمين في الأسواق والمساجد والأماكن العامة ويحملون أعتقادات ثقافية يدرسها أخصائيو علم النفس والأجتماع بدهشة وحذر. ومعظم المجندين لهذه الأفعال الهمجية الذين يقومون بترهيب السكان وسرقة ممتلكاتهم وتهجيرهم لايحملون رتب عسكرية ولايتمتعون بقيم وسمات أخلاقية أنضباطية تؤمن مثلاً، سلامة الأسرى من السكان المنكوبين وتقابلها، كما راينا، قوات البعث القديم وزمر غير نظامية تمارس بطش السلطة وعقائدها السياسية الحزبية التي حكمت القطر السوري والعراقي لأكثر من 50 عاماً، ولاتؤمن بأحقية المواطن في الأحتجاج أو الأضراب ولا بأبسط الحقائق المعروفة في العالم والمدونة بأتفاقيات جنيف الدولية بطرق المعاملة الأنسانية ونصوصها المتعلقة بالأنسان وحقوقه وحريته ومعتقداته الخاصة. ومصدر هذه الأفعال وشناعتها أن مرتكبيها تمتلكهم حالة من الكراهية والأنتقام والحقد بتقسيم أبناء شعبهم الى خائن أو وطني، جيش ثوري حر، وجيش وطني مستعبد، وتُسرع الصحافة الأعلامية الألكترونية الى تغذية الصراع ونشر مأسي الظلم والقتل على الهوية دون مسؤولية، مع معرفتها بأنها تسهم في عملية طغيان العنف الجهادي وتعميم ثقافة التخلف المجتمعي وخدمة (العشائري والقومي والمذهبي ) وتنقل صور التباهي بحمل أولاد صغار للسلاح تحلياً بالعادات البالية وبالتقاليد القبلية والقيم والمعتقدات المتأصلة في المجتمع وتفضيلها على عقلانية السلوك الديني.
هذا التخلف لن ينتهي بين ليلة وضحاها ولن ينتهي بالتكبير والتسبيح والأستماع الى خطب مرتجفة. ويرى المواطن مشاهد التخلف ويقرأ نظامه السياسي بما يتكرر كل يوم في اليمن وليبيا ومصر والسودان والصومال وسوريا بغرض ” أصلاح مجتمع مريض” من جماعات داعية مريضة حاصرت العقل العربي تحكمت فيه.
وكل من يعتقد بأن الهجمات الوحشية الأخيرة التي استهدفت 19 مدينة عراقية يوم 23 تموز يوليو 2012، واستباحة دماء مواطنين بقتل أكثر من 113 شخصاً واصابة اكثر من 230 اخرين بجروح هي خروقات أمنية فقط، يتفادى بقلة معرفة وفهم، طغيان قيم ومعتقدات أسلامية منبوذة شاذة يحملها المجتمع ووحوش بشرية تئم أرضه وتأكل منها وتستجيب لنفوذ أمراء الطوائف وأموالهم التي ماأنفكت عن تجنيد الأولاد الصغار وتسليحهم لأرتكاب افضع الجرائم بأسم الأسلام وبرفع شعار التكبير لمذابح بشرية جديدة في سوريا والعراق تنكبت السلاح وأستعملته وهي تصلي وتنهب، تقتل وتُكبر وتصوم وتسمّن أرصدتها في البنوك العربية والاسلامية والعالمية وتتمثل صورها في العديد من التنظيمات المماثلة لدولة العراق الاسلامية، فرع العراق لتنظيم القاعدة، “شباب المسلمين” الى التوجه الى العراق، معلنةً عن “بدء عودة” التنظيم وعن خطة تهديد جديدة لقتل القضاة والمحققين لتعميم الشريعة.
الباحثون الاجتماعيون والمتخصصون في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ومنظمات حقوق الأنسان في الدول الأوربية والأمريكية ومجموعة عربية مثقفة تدرك تماماً النتائج التي ستترتب على الشعب السوري بضياع مقتضيات الأمن الجماعي ومسؤولية حماية الحق العام وممتلكات المواطن ومؤسسات الدولة وحماية صروحها التاريخية. كما يدرك اصحاب الاعمال الحرة والأفراد تمزق نسيج الدولة وتزايد الأنشقاق داخل المكونات الوطنية كما حصل في العراق كنتيجة لفقدان الترابط والأحساس بتفكك النظام الأجتماعي. أن مباراة الهدم والتخريب وفصولها المؤسفة قد بدأت وأن نتائجها الأليمة المعروفة هي التهجير والعيش في خيام البداوة.
باحث وكاتب سياسي
ايلاف