صفحات العالم

شعلة الطغاة


روبرت فيسك()

تمكن بعض الطغاة الأوروبيين من الاستمرار لعدة عقود: (الزعيم النازي أدولف) هتلر استمر 12 سنة فقط، (الديكتاتور الإيطالي بنيتو) موسوليني 21 ، (الجنرال الأسباني فرانشيسكو) فرانكو 39 ، (الديكتاتور البرتغالي أنطونيو دي أوليفيرا) سالازار 36، (الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين) 31 عاماً، لكنهم جميعاً كانوا استثناءات. غير أن (العقيد الليبي معمر) القذافي استمر 42 عاماً، (الرئيس اليمني) علي عبدالله صالح 33 عاماً (ولا يزال)، (الرئيس المصري السابق حسني) مبارك، 30 عاماً، عائلة (الرئيس السوري) الأسد 41 عاماً (ولا تزال ايضاً).

عجباً كيف تمكنوا من الاستمرار هؤلاء الرجال الصغار! لقد نظروا إلى شعوبهم العربية على أنهم أطفال تحولوا إلى طلاب مدارس كان عليهم إطاعة مدير المدرسة الجليل في الواقع أطلق مبارك صفة “أولاد” على شعبه في خطابه الأخير- وأعطوهم صحافة مزورة، وزراء مزورين، انتخابات مزورة؛ إلى أن، ومع التعليم، والسفر إلى الخارج والتكنولوجيا، فجأة كبر الشعب وأدرك أن طغاته أطفال. لكن المسألة أكثر من ذلك.

هنا إذن مقال نهاية العام بالنسبة لأنصار الثورات العربية؛ إنه في الواقع، دليل عن طغاة الشرق الأوسط وعاداتهم، على الرغم من أن أولئك الشغوفين “بالبوتينيّة” (نسبة إلى رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين) قد يجدون بعض الإيحاءات المفيدة. إن دليل الطغاة العرب من ابتكار شخص يدعى “اياد البغدادي” الذي يزعم أنه مقيم في دبي لكنه يصرّ على أنه ليس سورياً أو ليبياً، مما لا يدع الكثير من المجال للتخمين، والذي تنشر أعماله اليوم الكاتبة رانيا مسعود في صحيفة “لوريان لوجور” اللبنانية.

وكتاباته تأتي على شكل رسائل نصية صغيرة تويتر (موقع التواصل الاجتماعي الذي لا يتعامل به كاتب هذا المقال) لكنها مشوقة للقراءة. وبما أنها تأتي من البغدادي مباشرة إلى مسعود فهي بالتالي نصائح سليمة إن لم تكن مميتة للطغاة في الماضي والحاضر (الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، مبارك، القذافي، صالح، الأسد…).

أولا، “أصروا على أن بلدكم ليس كبلد أكس (أكس اختبر ثورة قبل ثورتكم). ألقوا اللوم بكل شيء على (القناة الإخبارية) الجزيرة ثم أغلقوا مكاتبها في بلدكم. قولوا أنكم “تدعمون الشباب” (في الوقت الذي تقدم فيه قواتكم الأمنية على قتل هؤلاء الشباب أنفسهم). أدينوا الإسلاميين؛ إبدأوا من الدرجة السفلى (الأخوان المسلمين) ثم أكملوا عملكم وصولاً إلى شيطان (تنظيم) القاعدة. في بداية (الانتفاضة الاجتماعية) ازعموا أن لا شيء يحدث، وعندما تدركون في وقت متأخر جدية الأزمة، توجهوا بخطاب إلى الأمة عند منتصف الليل. حذّروا من الطائفية، القبلية وغيرها من المسائل التي ترعب الناس. فجروا الكنائس وألقوا اللوم على الإسلاميين. أعلنوا أن بقاءكم في السلطة مرادف للاستقرار”.

هل وصلتكم الفكرة؟ هذه الصورة المثالية شبيهة بأسلوب (الشاعر الأميركي الشهير الحائز على جائزة نوبل توماس ستيرنز أليوت ) تي أس أليوت، من حيث تحديدها، وصورتها المطابقة (للتأكيد) لكل ديكتاتور في الشرق الأوسط. لكن هناك المزيد: “شكلوا حكومة جديدة، ثم حكومة أخرى. أحرقوا مراكز الشرطة وألقوا اللوم على المتظاهرين. أصروا على أن كل شيء يسير بشكل جيد. وما أن تسوء الحالة، أقطعوا جميع خطوط الهاتف وامنعوا الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي. وعندما تسيء الأمور بشكل افظع، امنعوا الوصول إلى الإنترنت. اصروا على أن المتظاهرين لا يمثلون سوى أقلية صغيرة من الشعب. ذكروا الجميع بنتائج الانتخابات الأخيرة. أعلنوا أن التغيير ضرورة حقاً، وقدموا وعوداً بأمور مبهجة حقاً إذا ظل الشباب في المنازل. وجهوا أمراً إلى وزير الداخلية بقتل المجموعة، ثم أقيلوه من منصبه لاستخدامه المفرط للقوة”.

كل ذلك يدل بالطبع كم هو كئيب الحس بالإبداع بين طغاة الشرق الأوسط. وتطول لائحة البغدادي وتصبح أكثر هزلية: “نظموا التظاهرات المؤيدة لنظامكم. وافقوا على أن تجروا مقابلة مع صحافي معروف: (مقدمة الأخبار الدولية في شبكة آي بي سي الأميركية) كريستيان أمانبور ستكون مناسبة. امنعوا جنازات المتظاهرين. اذا انتقدكم الغربيون، أدينوا تدخلهم واضيفوا أنهم لا يفقهون شيئاً من ثقافة بلدكم. حذروا من الوضع الاقتصادي الشبان يهدمون بلدهم- لكن مهما فعلتم، لا تذكروا شيئاً عن الحالة الاقتصادية لبلدكم قبل قيام الثورة.

ولائحة أخرى من النصائح الموجهة إلى الاستبداديين، تبدو في بعض الأحيان مؤلمة بالقدر نفسه، تأتي بقلم (استاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية) الكاتب اللبناني ملحم شاوول. ويقول شاوول إن “سلطة الديكتاتور شخصية ومطلقة. القانون موجود فقط لحماية نظام السيطرة. اياً يكن من في السلطة يجب أن يحاط بدائرة من الأوفياء في عائلته. الرعب، الفساد والترويج هي المقومات الثلاث لسلطته. المواطنون الذين يعترضون يصبحون جرذاناً (القذافي)، “مجرمين وحشيين” (الأسد)، “ديدان الأرض” كما قال (الديكتاتور العراقي) صدام حسين. الجميع مدعوون للمشاركة في “الأوبرا الهزلية” للفساد، من صغار ضباط الجمارك إلى كبار تجار القاهرة، دمشق، حلب، صنعاء وطرابلس (الغرب). إذا كان هناك حق في الديكتاتوريات العربية، فهو الحق بالفساد. الجميع متورطون، الجميع متواطئون. الذين يرفضون الانخراط في هذه اللعبة هم مشبوهون وخونة… انتبهوا! النزاهة شبهة”.

لقد راقبت هؤلاء الطغاة لما يقارب أربعين عاماً وأفهم وسائلهم. عليهم أن يعرفوا كيفية مخاطبة الحشود والسير مع ملوك. لم يكن (الرئيس المصري الراحل أنور) السادات يشعر بالسعادة، هذا ما كان يقوله لنا، كما يشعر حين يقضي إجازته في قريته المتواضعة في دلتا النيل، وصدام كان يرتدي زي الفلاحين الأكراد، والقذافي يستمتع في خيمته. لكن مع ذلك، يشعر الرؤساء، ورؤساء الحكومات، ووزراء الخارجية بالراحة في قصورهم.

والغريب في الأمر أنه لا يبدو أن أياً من العرب يتبع السلوط الموازي للطغاة الغربيين أو مساعديهم عندما واجهوا المشاكل- أو أضافوا نصيحة إلى اللائحتين أعلاه. ربما أمكنني المساعدة هنا. تابعوا دعم الطغاة “المعتدلين” الذين تدفعون لهم أو الذين تخلوا عن “الإرهاب” أو حموا بلدانهم من “الإرهاب الإسلامي” (مبارك/بن علي) إلى أن يفوت الأوان حين في أيامهم الأخيرة، وعندما أصبح واضحاً أن الشعب سيطيح بالثري المحلي- تدعون للإطاحة بهم على أمل أن يعتقد الناس أنكم كنتم إلى جانبهم طيلة الوقت.

وإذا بدا أن جنكيز خان المحلي في طريقه إلى الانتصار، وخاصة إذا كان يملك الكثير من النفط، عندها يمكنك مساعدة المتمردين من خلال محاولة قتل حليفك السابق. وهذا مفيد بشكل خاص إذا كنت سابقاً قد دللته بسبب رغبتك بسرقة موارد بلده الطبيعية.

إن استعراض الملاكمة بين (رئيسي وزراء بريطانيا السابق طوني والحالي دافيد) بلير- كاميرون ومؤلف الكتاب الأخضر (القذافي) هو المشهد النموذجي. فلا عجب أن يقدم أحد مساعدي القذافي على إرسال رسالة إلى وسيط بريطاني عقب الغارة الجوية البريطانية على منزل القذافي في طرابلس حملت سؤالاً وحيداً “ما الذي تفعلونه؟”.

ونصيحة إلى القادة العرب والغربيين الذين يديرونهم بالواسطة، كونوا صبورين. لقد انتفض البحرانيون في وقت مبكر، فيما انتفض المصريون في وقت متأخر. لكن الثورات عادة تتبعها ثورات مضادة (المارشال طنطاوي والأخوان المسلمون بمواجهة ثوار ساحة التحرير على سبيل المثال والتي ستعقبها قريباً ثورة الطنطاوي بمواجهة الأخوان) وستستمر لفترة طويلة وطويلة جداً. نحن معشر الصحافيين نحب أن تكون لدينا قصص معلبة جاهزة، وأن نلخّص مسار الثورات لكن في الواقع وويل لمدراء التحرير- فإن الصحوة العربية ستستمر طويلاً بعد وفاتنا.

إذاً هذا المقال هو للقطع على أن نستمر في العام المقبل. اقرأوا، تعلموا واهضموا داخلياً. وإذا كنتم حقاً غير مصممين بعد إلى أي جانب ستنحازون أو تهجرون، أدعوا “فريقي النزاع لضبط النفس” إلى أن تكونوا قد قررتم. سنتواصل.

ترجمة: صلاح تقي الدين

() الاندبندنت 31/12/2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى