إياد الجعفريصفحات المستقبل

شماتة نصر الله بالغوطة/ إياد الجعفري

 

 

بإيحاءات وجه مستبشرة، ونبرة صوت تنضح بالشماتة، أطل أمين عام حزب الله، قبل أيام، ليتحدث عن حال جرحى حزب الله، مقتطعاً جزءاً ملحوظاً من كلمته لاستثمار اقتتال الفصائل في غوطة دمشق.

لسان حال حسن نصر الله، بدا وكأنه يقول، “وجدتها”. فهو يقرّ في خطابه، بأن رسائل عديدة تصله من أشخاص يُفترض أنهم من جمهور الحزب، يتساءلون عن مدى صوابية قرار الحزب بالتورط في سوريا، لصالح نظام الأسد، منذ ست سنوات.

لذلك، اغتنم نصر الله، فرصة اقتتال الفصائل في الغوطة، للدلالة على صوابية قرار التورط في سوريا. متسائلاً: “ماذا كان سيكون مصير الشعب السوري لو تمكنت تلك الفصائل من إسقاط نظام الأسد وتفكيك الجيش والسيطرة على البلاد؟”.

بطبيعة الحال، يحقّ لأمين عام حزب الله، أن يستثمر سقطات خصومه، في خطابه الدعائي الموجه لجمهوره بالدرجة الأولى، ومن ثم، لخصومه أيضاً. لكن المفارقة، أن أمين عام حزب الله تحدث عن خطورة “العنوان الديني” الذي يحمله اقتتال الفصائل في الغوطة، وكأنه نسي، أو تناسى، في خضم شماتته بخصومه، أن حزبه يحمل عنواناً دينياً، ويصدره في معظم صراعاته بالمنطقة. بل يبدو أن أمين عام حزب الله نسي أنه شخصياً، عنوّن تورط حزبه في الحرب بسوريا، في بداية ذلك التورط، بعنوان ديني، تركز حينها حول حماية المراقد الشيعية في دمشق ومحيطها.

مفارقات أمين عام حزب الله في كلمته المتلفزة الأخيرة، لم تقف عند ما سبق، بل تعدتها إلى اللمز من قناة اقتتال فصائل جميعها تنتمي إلى “أهل السُنة والجماعة”، بوصفه دليلاً على عدم وجود ضمانات لمستقبل البلاد، إن كانت تحت سيطرة هذه الفئة من الناس. لكن أمين عام حزب الله، نسي أيضاً، أو تناسى، أن ذلك الاقتتال بين أخوة المنهج والانتماء، ميّز نشأة حزب الله ذاته، يوم بدأ مسيرته بالاقتتال مع حركة أمل، التي انشق معظم منتمي حزب الله عنها.

يومها، في ثمانينات القرن الماضي، كان حزب الله وكأنه جيش الإسلام أو فيلق الرحمن، جماعة قادتها مرتبطون بجهات إقليمية خارجية، وقواعدها ممن غُسلت أدمغتهم باسم الدين، حتى نالوا من دماء إخوتهم في المذهب والمنهج أيضاً.

لكن أبرز مفارقات أمين عام حزب الله، حديثه عن حرب أهلية كانت ستعم سوريا، لو كُتب لفصائل المعارضة الانتصار على النظام. وكأن سوريا اليوم ليست فعلياً، في حرب أهلية شرسة. وربما أن أمين عام الحزب، استدرك تلك الثغرة في خطابه، فوصّف الحرب الأهلية التي كانت ستقع، بأنها ستكون “في كل مدينة، وكل منطقة، بلا موازين، وبلا ضوابط، وبلا عقل، وبلا سقف”. وهنا نسأله، ما هي الموازين التي تحكم الحرب الدائرة اليوم في سوريا؟، وأين العقل الذي يضبطها؟، وما هو السقف الذي يمكن أن تتوقف عنده؟

ولوهلة، وأنا أستمع لخطاب أمين عام حزب الله، لولا ذقنه وعمامته، كنت لأظن أنني أمام زعيم لحزب يساري أو قومي، علماني، يتحدث عن مثالب تسييس الدين، وهو ينتقد مصطلحات الخطاب الديني المستخدمة في الاتهامات المتبادلة بين فصائل الغوطة المقتتلة. ولوهلة، كدت أنسى أن أمين عام حزب الله يقود واحداً من أقوى الأحزاب الدينية في العالم العربي.

ربما نسي أمين عام حزب الله، أو تناسى. وربما أنه يراهن على ذاكرة الناس القصيرة، تلك التي ربما تجهل أن حرب الأخوة من حزب الله وحركة أمل، في الثمانينات، كلفت الجمهور الشيعي مئات القتلى، على أقل تقدير. وكانت حينها تعبيراً عن صراع سوري – إيراني، غير معلن، انتهى بتفاهمات، لجمت حركة أمل، وتركت الساحة مشرعة لحزب الله.

وهنا نسأل أمين عام حزب الله: ماذا سيكون حال الشعب اللبناني، وخاصة الجمهور الشيعي منه، لو أن تلك التفاهمات لم تحصل، أو طال أمدها أكثر. ألم نكن سنشهد حرباً شيعية – شيعية، سيرفع فيها حزب الله، تحديداً، شعارات وعناوين دينية؟

بل ماذا سيكون حال الشعب اللبناني، وخاصة الجمهور الشيعي منه، لو انهارت اليوم حالة التعايش الهشة، بين حزب الله وحركة أمل، وتحولت صراعاتهم السياسية المستورة إلى صراعات مسلحة مكشوفة.. ألم يكن حزب الله سيرفع عناوين دينية في حربه تلك، من قبيل تلك التي رفعها إبان تدخله في سوريا؟

بالفعل، كانت كلمة أمين عام حزب الله الأخيرة، زاخرة بالمفارقات، عنوانها، السخرية من الذات، وإن في صورة مرآة معكوسة. ففي نهاية المطاف، جيش الإسلام وفيلق الرحمن وجبهة النصرة وكذلك “داعش”، كلهم ينتمون إلى السلّة نفسها التي ينتمي إليها حزب الله. قوى سياسية مسلحة، ترفع الدين شعاراً، وتستخدمه أداةً للتجنيد والتعبئة.

أما ماذا سيكون حال الشعب السوري لو تمكنت تلك الفصائل المتصارعة اليوم في الغوطة، من إسقاط نظام الأسد، والسيطرة على سوريا؟.. نقول لأمين عام حزب الله، أن حاله سيكون حال الشعب اللبناني اليوم، حينما رتبت القوى الخارجية توافقاً هشاً بين أمراء حربه الأهلية، فأخرجت صيغة لنظام يقف على قشة، تتجسد في توافقات الخارج. ويهتز ذلك النظام كلما اهتزت تلك القشة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى