شوفوني”… ولو بعد 40 سنة
ملاذ الزعبي
للثورة السورية أبطالها المجهولون، بعضهم خلدتهم مقاطع “يوتيوب” وسيعمّرون طويلاً في الذاكرة. مقاتل لا نعرف اسمه في حلب، يزحف تحت نيران الاشتباكات لإنقاذ زميله المصاب، امرأة محجبة تمشي على مهل في “درعا البلد” لسحب جريح متجاهلة رصاص القناصة، يافع يوثق عبر الكاميرا الدمار الذي حل ببلدته في “الغوطة” فيما تُغير طائرات الميغ عليها.
للثورة السورية نجومها أيضاً، والنجوم هؤلاء ليسوا أبطالاً استثنائيين، بل إن إسهامهم في الثورة ربما يكون محدوداً بالقياس إلى أبطال مجهولين، معظمهم شخصيات عامة أساساً أو نجوم فيسبوكيون، كُرّست نجوميتهم لانتمائهم إلى الأوساط الثقافية والإعلامية حيناً، أو إلى دوائر من العلاقات حيناً آخر. لا أعمال خارقة للعادة ولا قيادة ميدانية. قد يكون عبد الباسط الساروت استثناء، إذ أتت نجوميته بعد نشاطه الميداني لا قبله، خصوصاً أيام الثورة السلمية وتظاهراتها الحاشدة، وإن كان رياضياً يتمتع بشيء من الشهرة في سوريا.
السوريون الذين وقفوا بالمرصاد لسقطات نظامهم الإعلامية، ولتصريحات الفنانين والمثقفين والمحللين السياسيين المؤيدين للنظام، وقفوا أيضاً بالمرصاد لنجوم الثورة هؤلاء. لطالما نقلت مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات ناقدة لأشخاص بعينهم ممن “ركبوا موجة الثورة”، قبل أن تتأسس صفحة “دبوس ثقافي” في الشهر التاسع من العام الماضي، إثر “تزايد عدد الأشخاص الذين ادعوا القيام ببطولات لا يد لهم فيها، وتزايد عبارات من نوع شعّلنا الشام أو بلشنا بالتنسيقيات أو نحن أيقونة الثورة”، حسبما يقول لـ”المدن” مؤسس الصفحة أيمن الخالد (اسم مستعار).
يضيف الخالد أن بعض الناشطين كان يعتقد نفسه “الأم الحنون للثورة”، ويقرّ بأن الصفحة منحته مساحة للنقد، ما كانت لتمنحه إياها صفحته الشخصية، كما يقرّ الخالد بأن بعض ما نشره على الصفحة حمل تجريحاً، لكنه يعتبر ذلك “ضرورياً”.
الصفحة التي استهلت “بوستاتها” بتعليق موجه لمعارضين سوريين بارزين، من مثيل ميشيل كيلو وسمير عيطة، لم توفر أحداً من سيل انتقاداتها. عشرات الناشطين والفنانين والإعلاميين والسياسيين والكتّاب تعرضوا لسهام نقدها اللاذع، وبينهم: الممثلتان لويز عبد الكريم وليلى عوض، والعميد المنشق مناف طلاس بسيجاره الشهير، وشقيقه رجل الأعمال فراس، وعضو هيئة التنسيق منذر خدام، والكاتبة سمر يزبك، وثائر ديب، والصحافية زينة إرحيم، إضافة إلى ناشطين خارج سوريا كفراس أتاسي وشادي أبو كرم، وأعضاء “تنسيقية أحياء دمشق” التي أطلقت عليها الصفحة لقب “تنسيقية أحياء باريس” بعد مغادرة أعضائها لسورية وانتقالهم للعيش في فرنسا.
يوضح الخالد أن أكثر الجوانب إمتاعاً كانت الرسائل التي تصل إلى الصفحة، تارة من “فنانة ما تحاول أن تنبهني إلى ما كتبت إحدى زميلاتها، أو من سياسي في تيار معارض يخبرني عن إحدى فضائح شريكه في التيار نفسه”. عدا عن الاتهامات التي وجهت إليه، اعتباره أصولياً تكفيرياً يسعى إلى تشويه التيار المدني، وأحياناً بوصفه ملحداً، إضافة إلى تهمة العمالة للنظام السوري بالطبع.
لاحقاً، أغلقت الصفحة، بعدما تواصل ناشط تقني سوري مقيم في الولايات المتحدة، مع إدارة موقع “فايسبوك” من أجل إغلاقها، بتهمة التشهير، وفق ما يقول الخالد الذي أعاد المحاولة بصفحة مماثلة وصل عدد معجبيها إلى نحو 2400 شخص في غضون أربعة أيام، قبل أن تلقى الصفحة مصير سابقتها.
أواخر العام المنصرم، تأسست صفحة “شوفوني” لتملأ الفراغ، وليصل عدد متابعيها إلى أكثر من 39 ألفاً. بل إن الصفحة كانت سبباً في ظهور مصطلح “الشوفونيون” (دمج “شوفوني” مع “شوفينية”)، نسبة إلى نجوم الثورة الاستعراضيين والباحثين عن الشهرة والأضواء. الصفحة الجديدة ركزت نشاطها على الصور، وشملت في تعليقاتها الساخرة شخصيات في النظام السوري وحلفائه، ورموزاً من المعارضة السورية، وحتى شخصيات إقليمية ودولية يرتبط اسمها بالشأن السوري بشكل أو بآخر. فلا أحد فوق النقد، والسخرية فوق الجميع.
تفرد الصفحة أكثر من “بوست” لناشطين سوريين وهم يشاركون في اعتصامات أو تظاهرات في عواصم العالم المختلفة. فتنشر صورة للصحافي المقيم في واشنطن إياد شربجي وهو يمسك علم الثورة بالمقلوب (للأخير صفحة خاصة للسخرية منه). وثانية لفرح أتاسي تبتسم لمصورها فيما تحمل بيدها صورة لأم سورية تبكي طفلها القتيل. كما تخصص “بوستات” لسياسيين سوريين يسجدون بمجرد وصولهم إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة، في زيارات خاطفة، مثل هيثم المالح وبرهان غليون ونجاتي طيارة وآخرين.
وكما في صفحة “دبوس ثقافي”، لم يسلم أحد من النقد الساخر. القائمة هنا أطول بكثير، نظراً إلى استمرار الصفحة حتى الآن: الشيخ المقيم في السعودية عدنان العرعور وابنه الإعلامي حازم، ورئيس الائتلاف الوطني السابق معاذ الخطيب، ورئيس المجلس الوطني جورج صبرا، وفنانون كثر مثل جلال الطويل وهمام حوت وسامر المصري وأناهيد فياض ومازن الناطور وعبد الحكيم قطيفان والتوأم ملص والإعلامي موسى العمر وغيرهم.
يبدو النقد في الصفحة مجحفاً في أحيان كثيرة، لكن أحد القائمين عليها يقول لـ”المدن” إن الغاية من تأسيسها هو “تعويد الناس على النقد، وعدم تقديس أحد، وتدريبنا جميعاً على التفكير النقدي الذي حرمنا منه طوال 40 سنة”.
المدن