صادق جلال العظم: الانقلاب العسكري ممكن في سورية عبر شخصية تشبه المشير طنطاوي
“الهلال الشيعي سيفقد حليفاً مركزياً إذا سقط نظام الأسد”
بيروت- من ريتا فرج
في بداية الحركة الاحتجاجية أبدى المفكر صادق جلال العظم تحفظه الشديد عن الإدلاء بأي تصريح حول الأحداث التي بدأت في سورية منتصف شهر مارس الماضي.
للمرة الثانية تجري “الراي” مقابلة مع صاحب الأطروحة الشهيرة “نقد الفكر الديني” الذي يبدو اليوم أكثر ارتياحاً في التعبير عن أفكاره كغيره من الناشطين والمفكرين السوريين.
ورغم ضبابية المواقف التي يتخذها بعض اليسار السوري في الداخل، إلا أن العظم، المفكر اليساري غير المنتمي لأي حزب، أشد تعبيراً عن أفكاره في معاينة الأزمة السورية.
في المرة الأولى أجرينا حواراً مع العظم أوائل شهر سبتمبر الماضي وقال حينها: “إن نظام بشار الأسد لن يتمكن، بعدما كسر السوريون حاجز الخوف، من قمع المتظاهرين، لأن مستوى الشك والريبة عند مكونات الشعب السوري أصبح عالياً جداً خصوصاً أن المناطق الثائرة هي نصف ريفية وهي في الأساس من القواعد التي كان يعتمد عليها حزب البعث”.
بعد مرور ثلاثة أشهر، أجرت “الراي” مقابلة ثانية مع المفكر صادق جلال العظم في ذروة الحراك العربي والدولي بشأن الأزمة السورية المتأرجحة بين التعريب والتدويل.
وفي ما يأتي تفاصيل الحوار الذي اجري قبيل انتهاء المهلة التي أعطتها الجامعة العربية لدمشق لتوقيع بروتوكول بعثة المراقبين لحماية المدنيين:
* اتخذت أنقرة مواقف تصعـــيدية في الأيام الأخيرة لا سيما حين حذّر الرئيس التركي عبد الله غول من أن حملة العنف في سورية يمكن أن تجر المنطقة بأسرها إلى اضطرابات وإراقة الدماء، وسبق هذا التحذير دعوة رجب طيب أردوغان الرئيس بشار الأسد للتنحي. كيف تقرأ المواقــــف التركية الأخيرة؟
– كنت أتوقّع أن يدعو رجب طيب أردوغان (الرئيس) الأسد إلى التنحي منذ دعوة باراك أوباما، وقد تساءلتُ لماذا لم يحدث ذلك. في رأيي أن القيادة التركية كانت تنتظر ما سينتج عن اجتماعات الجامعة العربية. وطبعاً موقف أردوغان امتداد طبيعي للمواقف السابقة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي. ومع المبادرة العربية بتجميد عضوية سورية في الجامعة، أصبح من الأسهل عليه رفع مستوى الخطاب وتوجيه اتهامات كبيرة إلى (الرئيس) بشار الأسد.
أما في ما يتعلق بتصريحات عبد الله غول فأعتقد أن ثمة مبالغة، خصوصاً أن النظام يستعمل التهويل ويهدد المنطقة وهذا يصب في خانة تهديد الغرب، علماً أننا سمعنا في السابق هذه العبارات من الحكام العرب الذين سقطوا. وأعتقد أن غول استعمل هذه العبارة من باب حضّ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على التدخل بشكل أقوى قبل أن يتفاقم الوضع داخل سورية نفسها.
* وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه بعد لقائه وفداً من المجلس الوطني السوري قال إن باريس تعتبر المجلس المحاور الشرعي وبأنها ستقترح على الاتحاد الأوروبي إنشاء ممرات إنسانية آمنة. ما رأيك في هذه الخطوة الفرنسية؟
– لم أفهم ما قصده آلان جوبيه بالممرات الآمنة، وهذا التعبير يُستخدم للمرة الأولى وأعتقد أنه يقصد إنشاء منطقة عازلة أو منطقة حظر جوي. الاعتراف بالمجلس الوطني السوري خطوة مهمة باعتبار ان المجلس أكبر كتلة في المعارضة السورية، ولكن هذه الخطوة لن تكون في مصلحة هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديموقراطي، لأن مطالب الهيئة تبدو أكثر حذراً وتحفظاً من مطالب المجلس الوطني السوري. الهيئة تتحدث عن إسقاط الاستبداد بدل إسقاط النظام وموقفها بالنسبة لحماية المدنيين متأرجح وغير واضح، في حين أن المجلس يتبنى الشعارات التي رفعها الشارع.
* هل تتخوف من سيناريو التقسيم في حال سقوط النظام؟
– هذا السيناريو يستخدمه النظام الذي ادعى ادعاءات خطيرة في ما يتعلق بالتقسيم أو الحرب الأهلية، وقد سبق له تهديد المنطقة ودول الخليج. أعتقد أن النظام خسر الكثير من حضوره الإقليمي والتصريحات التي أطلقها (الرئيس) بشار الأسد في المقابلات مع بعض الصحف الأجنبية تؤشر إلى أنه خسر أوراقاً إقليمية، وهذا السيل من التهديدات يؤكد حال العجز السياسي والأمني.
* كيف تقرأ الموقف الروسي في ظل تفاقم سيناريو تدويل الأزمة السورية؟
– روسيا دولة كبرى ولها مصالح استراتيجية على المستوى العالمي، والملف السوري يحتل حيزاً جزئياً من أولوياتها. وإذا وصلت الأزمة السورية إلى طريق مسدود يمكن أن تضحي موسكو بالنظام. القيادة الروسية دعت النظام إلى الإصلاح الفعلي ولم يحدث شيء وسمعتْ الكثير عن الإصلاح ولم يطبَّق شيء منه وقدمتْ النصائح للنظام ولم يأخذ بها.
* هل يمكن أن يتجه الرئيس بشار الأسد إلى خيار التنحي؟
– تصريحات (الرئيس) الأسد الأخيرة لصحيفة “صنداي تايمز” لا ترجح نية التنحي، ولا أجد أي مؤشرات فعلية بهذا الاتجاه باستثناء مزيد من الانهيار داخل سورية. وأعتقد أن الحصار الداخلي والعربي والدولي يمكن أن يدفعه للخروج من السلطة بشكل من الأشكال، وربما قد يحسم كبار الضباط في الجيش السوري خيارهم ضد (الرئيس) بشار الأسد بسبب فشله في إدارة الملف الأمني، ولكن ما يمكن التأكيد عليه أن الأوضاع الأمنية خرجت من يده ولم يعد قادراً على السيطرة.
* ألا يعني ذلك أن الجيش السوري قد ينقلب على النظام السياسي؟
– أعتقد أن كبار الضباط والقادة العسكريين في الجيش بدؤوا بالتبرم من سوء الأداء في إدارة الأزمة وفشل الحل الأمني، وهم سيحمّلون الأسد مسؤولية هذا الفشل. الانقلاب العسكري ممكن في سورية على الطريقة المصرية، كأن تتقدم شخصية عسكرية تشبه إلى حد ما المشير طنطاوي، فتدعي أنها ستقود المرحلة الانتقالية نحو نظام برلماني وتعددي، وهذا السيناريو إذا وقع يمكن أن يجنّب سورية المزيد من إراقة الدماء، لكن معركة سورية الفعلية كما أكدتُ في المقابلة الســـابقة معكــــم هي استـــعادة الجمهورية.
* كـــــيـــف تقيــــم أداء المعارضـــــة الســـــورية أي المجــــلس الوطني السوري وهيئة التنـــــسيق؟ وهل هــــــي قادرة على توحيد رؤيتها في قيادة المرحلة الانتقالية؟
– الجزء الأكبر من الوثائق الصادرة عن المجلس والهيئة تشير إلى وجود تقارب كبير في وجهات النظر. أما الفوارق فهي إلى حد ما طفيفة ولا تصل إلى مستوى التباين الحاد، وتحديداً ما يتعلق بالموقف من الجيش السوري الحر ومنطقة الحظر الجوي. ولكن المجلس الوطني السوري يعكس بشكل أقوى مطالب الشارع، ومشكلة هيئة التنسيق أنها تريد إسقاط الاستبداد وتطلب من النظام مساعدتها على ذلك، ولا أعلم كيف يمكن أن يطبَّق ذلك، فهي كمن يريد القول للنظام ساعِدنا على نزع صفة الاستبداد عنك وساعِدنا على تفكيك الدولة الأمنية ما يعني أن النظام انتهى.
* ما حظوظ اندلاع حرب أهلية في سورية؟
– أستبعد وقوع حرب أهلية. قد تتخذ النزاعات طابعاً محلياً مناطقياً أكثر من طابع الحرب الأهلية على الطريقة اللبنانية. وأفضل حل لتفادي كل هذه الاحتمالات هو سقوط النظام.
* هل ترجح تدخلاً عسكرياً في سورية على الطريقة الليبية خصوصاً أن كل الظروف التي أنتجت تدخل “الناتو” في ليبيا تمهد إلى حد كبير لهذا السيناريو؟
– لا أرجح ولا أستبعد. المواقف الدولية تتطور بسرعة كبيرة، وبالتالي فإن الوصول لإقامة منطقة حظر جوي أو منطقة عازلة قد يؤدي إلى تدخل عسكري، ونحن نتمنى ألا نصل إلى هذه المرحلة الخطيرة.
-* كيف تفسر الدور القطري في إدارة الأزمة السورية؟
– راعت قطر النظام السوري في الفترة الماضية. والذي فجّر العلاقات السورية- القطرية إسقاط دمشق لحكومة الرئيس سعد الحريري واتفاق الدوحة. إلى ذلك هناك إحساس عربي عام عند كل الرؤساء والملوك بأن (الرئيس) بشار الأسد مراوغ وغير موثوق به. وأعتقد أن قطر تريد ردّ “الصاع صاعين” وهي لا شك تعكس إلى حد ما توجهات السياسة الأميركية في المنطقة.
* هل تعتقد أن دمشق ستوقّع بروتوكول حماية المدنيين؟
– كل المؤشرات تؤكد على عدم تجاوب دمشق. وأعتقد أن النظام لن يوقّع البروتوكول لأن أي تجاوب سيسمح للصحافيين والإعلاميين والقنوات الدولية والعربية بدخول سورية، وهذا الأمر سيفضح النظام.
* هل تعتقد أن الجامعة العربية تدفع بالملف السوري نحو التدويل؟
– الملف السوري سيتجه نحو التدويل بسبب تعنُّت القيادة السورية. ورفضها الدخول تحت مظلة الحل العربي سيقود إلى التدويل، علماً أن كلمة التدويل كانت في السابق تخيف الكثيرين من أطياف المعارضة السورية، أما اليوم فيتم التداول بها من دون حذر.
* ماذا عن الموقف العراقي من الأزمة السورية؟ ولماذا تدعم الحكومة العراقية النظام السوري؟
– سياسة الحكومة العراقية تجاه النظام يمكن وصفها بالانتهازية الرخيصة، والقيادة العراقية تدعم النظام البعثي على حساب ثورة الشعب السوري، وأكثر من ذلك فإن مقاتلين من مجموعة مقتدى الصدر تقاتل إلى جانب النظام. موقف العراق من الأزمة السورية له علاقة بمسألة الهلال الشيعي الممتد بين العراق وسورية وإيران وحزب الله وحركة حماس. وإذا سقط النظام فلا شك أن هذا الهلال سيفقد حليفاً مركزياً وستصاب هذه السلسلة بخلل كبير. وفي المقابل فإن الحديث عن وجود مشروع امبراطوري لإيران في العالم العربي فيه الكثير من المبالغة، لأن طهران تستغل الملفات الحيوية في المنطقة لمصلحتها من خلال سورية و”حزب الله” وحركة حماس، وهذا الهلال الذي أشرتُ إليه لا يملـــــك استراتيجية لكــــنه يــــندرج في صراع لعبة الأمم الصغرى في مواجــــهة الأمم الكبرى
الراي