صادق جلال العظم لـ «الراي»: أخشى تسوية بين «الإخوان» والنظام بإشراف تركي ومباركة أميركية
| بيروت ـ من ريتا فرج |
المفكر السوري اليساري يرى أن الإصلاح الحقيقي يكون بإعلان الأسد انتخابات رئاسية مبكرة تحت إشراف دولي
صادق جلال العظم المفكر السوري اليساري يُعد من أبرز المفكرين العرب الذين اتخذوا مواقف واضحة من مسائل معقدة.
ينتمي صاحب «نقد الفكر الديني» الى المدرسة النقدية، وتكفي قراءة مؤلفاته «الاستشراق والاستشراق معكوساً» و «ذهنية التحريم» و «ما بعد ذهنية التحريم» لمعرفة شغفه في زعزعة المسلمات والأفكار الايديولوجية. كتابه «النقد الذاتي بعد الهزيمة» (1968) أحدث صدمة معرفية كبيرة في زمن النكسة التي يعتبرها من المصطلحات التي تنطوي على الكثير من منطق التبرير والتهرب من المسؤوليات والتبعات.
ورغم اعتزازه بهويته السوري، لكن صاحب «في الحب والحب العذري» يرى نفسه أممياً في مرآة العالم. كثيرة هي النظريات الجديدة التي اجترحها، فإلى جانب نقده لمصطلح النكسة أسس لمفاهيم جديدة في مقاربته للإسلام السياسي العربي، وهنا نجده يتحدث عن «الديالكتيك النازل» بحيث قسمه الى عدد من المراحل: الاصلاح الثوري الراديكالي، الاصلاح التوفيقي، الاصلاح المضاد أي ظهور السلفية، اصلاحية حسن البنّا التي اندرجت تحت شعار القرآن هو دستورنا، جاهلية القرن العشرين لسيد قطب، والجهادية الإسلامية العالمية.
بين ضجيج المعاني النقدية وصخب الشارع العربي ماذا يقول عن ربيع سورية؟ وكيف يقوّم أداء المعارضة السورية؟ والى أين تتجه سورية في رأيه وسط الستاتيكو شبه المتوازن بين النظام وغالبية قوى المعارضة؟
هذه الأسئلة وغيرها حملتها «الراي» الى المفكر صادق جلال العظم الذي كان معه الحوار الآتي:
• بعد دخول الحركة الاحتجاجية في سورية في شهرها الثامن. ما تقويمك للمشهد السوري الراهن؟
– تقويمي الأساسي أن نظام الأسد لن يتمكن، بعدما كسر السوريون حاجز الخوف، من قمع المتظاهرين. والمعطى الأهم الذي يمكن الكشف عنه أن مستوى الشك والريبة عند مكونات الشعب السوري أصبح عالياً جداً خصوصاً أن المناطق الثائرة هي نصف ريفية وهي في الأساس من القواعد التي كان يعتمد عليها حزب البعث.
ومدينة حماة التي تتعرض لاجتياح عسكري متكرر من النظام منذ بداية الحركة الاحتجاجية خرج منها أول حزب فلاحي أسسه أكرم الحوراني وهنا تكمن المفارقة التاريخية. عائلة الأسد تخوض اليوم معركة الدفاع عن وجودها بشراسة كبيرة، وإذا أجرينا قراءة لبنية عائلة الأسد نجد أنهم لا يملكون شيئاً إذا خرجوا من السلطة باستثناء المال. والخلاصة أن النظام عبارة عن طبقة مغلقة نفعية وطفيلية تحتمي بايديولوجيا حزب البعث ولذا تدافع بشراسة عن مصالحها.
وعلى مستوى المعارضة في رأيي أن الشيء الأهم الذي حققته هو هدم عقود القهر والقمع، في حين ان تعامل النظام مع مطالب الشعب السوري يتّسم بالاستعلاء والخطاب الايديولوجي.
• ما رأيك في إعلان المعارضة عن مجلس انتقالي رغم ما يبديه بعض معارضي الداخل من حذر تجاه هذه الخطوة؟
– هذه الخطوة جيدة ومناسبة لأنها أولاً جاءت من الداخل وليس من الخارج كون الأسماء التي أدرجت في لائحة أعضاء المجلس غالبيتها من الداخل. وقد حصلت اعتراضات من بعض المعارضين، لكن اعلان تأسيس مجلس وطني انتقالي يهدف الى تحقيق هدفين: الأول، تأكيد أن المعارضة قادرة على التفاوض مع المجتمع الدولي بعد سقوط النظام لقيادة المرحلة الانتقالية، والثاني: إعطاء معارضي الداخل مسؤوليات أكبر عن طريق التفويض. وحين أُدرجت بعض الأسماء رغم عدم التشاور المسبق معها، كان الهدف تفويض الشعب السوري لهم، خصوصاً من لجان تنسيقيات الثورة، عبر القول إنكم مسؤولون عن هذه الأمانة وفي حال رفضتم عليكم أن تفسروا ذلك.
• ماذا عن الدور التركي في الأزمة السورية؟ وهل تعتقد أن الاتراك يحاولون احتضان المعارضة بغية تأمين حليف لهم في حال سقوط النظام؟
– الدور التركي في معالجة الملف مرّ بمراحل مختلفة. في البداية حاول الاتراك لعب دور الوسيط بين النظام والمجتمع الدولي، أما اليوم فموقفهم اكثر وضوحاً من السابق. القيادة التركية تسعى الى ضمان مستقبل علاقاتها مع القيادة الجديدة، وهي تحاول توزيع الأدوار في تعاملها مع المعارضة السورية. أتخوف من تسوية بين الاخوان (المسلمين) والنظام بإشراف تركي ومباركة أميركية خصوصاً أن الاخوان يحاولون الايحاء للرأي العام العربي والدولي أنهم وحدهم يقودون الشارع، ولكنني أخشى في حال استمرار الستاتيكو الحالي من سيناريو آخر على طريقة النموذج الليبي أي أن يتم تسليح الحركة الاحتجاجية ودخولها في معارك من الكر والفر بين الثوار والنظام.
• تمّ الاعلان عن تشكيل «الضباط الأحرار» كفئة عسكرية ممثلة للمنشقين من الجنود والضباط. ما رأيك بهذا التحول؟
– مع الانشقاقات المتزايدة يبدو أن جزءاً من المناطق السورية قد يتحول الى مناطق محررة خصوصاً إذا خاض المنشقون عن الجيش معارك تحريرية. وما يمكن أن يدعم هذه الفرضية امتلاك العشائر للسلاح وتحديداً في دير الزور والبوكمال وحوران وحمص.
• الجزء الأكبر من طبقة التجار من المدن الكبرى مثل حلب ودمشق لم تعلن موقفها من الحركة الاحتجاجية. ما تفسيرك لذلك؟
– سورية محكومة بتجمع تجاري – عسكري مركب ومعقد، والتجار يرتبطون بعلاقة إجبارية مع النظام، ويريدون التحرر من هذه العلاقة الإلزامية خصوصاً أنهم يدفعون ضريبة هذه العلاقة على المستوى التجاري.
• ماذا عن التجار من الطائفة العلوية؟ وما حجم حضورهم على المستوى الاقتصادي؟
– قبل عشرة اعوام، لم يدخل العلويون في العمل التجاري. ورغم امتلاك جزء منهم لرأسمال إلاّ أنهم اعتادوا على العمل في الأمن والمخابرات. التحول وقع عندهم حين دخل رامي مخلوف في العمل التجاري، لكنهم رغم ذلك لم يستطيعوا تشكيل برجوازية مقارنةً بالآخرين.
• النظام أعلن عن سلة من الاصلاحات. هل تكفي هذه الاصلاحات لحل الأزمة السورية؟
– لم أطلع بشكل دقيق على الاصلاحات، وأعتقد أنها لم تغير شيئاً على المستويين السياسي والاعلامي. نقطة أساسية يمكن أن تؤدي الى الاصلاح الحقيقي تتمثل في إعلان الأسد عن انتخابات رئاسية مبكرة تحت اشراف هيئة الأمم المتحدة. وإذا حدث ذلك أراهن على موافقة المعارضة وتوقف التظاهرات في الشارع. وفي رأيي أن النظام لن يُقدم على هذه الخطوة فهو يريد احتكار القرار بالكامل ولا يريد الحوار مع أي طرف.
• الصراع بين النظام والمعارضة يدور بمجمله حول إلغاء المادة الثامنة من الدستور. هل بإمكان حزب البعث التحول الى حزب سياسي يكون أحد مكونات الأحزاب السورية؟
– من الصعب أن يتحقق ذلك وأعتقد أنه إذا خرج من السلطة سيتفكك كحزب البعث العراقي.
• الفئة التي تقود الحركة الاحتجاجية في سورية تأتي غالبيتها من الأرياف أي الفئات المهمشة اجتماعياً. أين هو موقع الطبقة الوسطى؟
– نقطة مهمة لم يتوقعها النظام أن القاعدة الشعبية التي اعتمد عليها في السابق تطالب اليوم بمطالب جديدة، وهذا يؤشر الى تطور الوعي حتى عند الفئات المهمشة التي تمثل اليوم فصيلة المشاة في الحركة الاحتجاجية. الطبقة الوسطى موجودة في دمشق وحلب وجزء منها بدأ بالتمرد على النظام خصوصاً فئة التجار التي ظهر الاحتجاج عندها قبل بداية الحركة الاحتجاجية، فالاتفاقات التجارية التي عقدها النظام مع الأتراك أغرقت البلاد بالسلع التركية ما أدى الى إلحقاء الضرر بالتجار وبصغار الحرفيين. والأهم من ذلك يتمثل على المستوى السياسي، اذ خلال مرحلة شهر العسل التي جمعته بالاتراك أعلن النظام أنه لا يعتبر الوجود العثماني في سورية احتلالاً وهو بهذا الموقف نسف كل التعاليم القومية العربية وكل تعاليم العروبة.
• ما أكبر خطيئة ارتكبها البعث طوال العقود الماضية؟
– أكبر خطيئة أنه ألغى الحياة السياسية في البلد وكرس نهج حكم الحزب الواحد وجعل كل مشكلة مشكلة أمنية. والأخطر من ذلك أنه قام بعسكرة المجتمع السوري. قبل البعث كانت الحياة السياسية في سورية منتعشة وكان المجتمع المدني مزدهراً ما يعني أن الحركة الاحتجاجية تعمل على استعادة الجمهورية التي تحولت مع حزب البعث باتجاه التوريث السياسي.
• الحركات الاحتجاجية في العالم العربي انطلقت في الانظمة الجمهورية وبقيت بعيدة الى حد ما عن الأنظمة الملكية. ما تفسيرك لذلك؟
– السبب الرئيسي يعود الى انتقال وزن الثقل السياسي من مصر عبد الناصر الى السعودية، ولكن هذا لا يعني أن الأنظمة الملكية بعيدة عن أي تحولات مفاجئة رغم توطيد علاقتها مع المنظومة الرأسمالية.
• هل يمر العالم العربي في مرحلة انتقالية قد تؤهله للدخول في الحداثة السياسية أم هو عبارة عن فورة شعبية عابرة؟
– ما يحدث في العالم العربي ليس مجرد فورة الى أن يعود كل شيء الى حاله. أعتقد أن الحراك الشعبي العربي حقق انجازات مهمة وفي طليعتها إلغاء التوريث السياسي في الأنظمة الجمهورية لمصلحة تداول السلطة. واتوقع أن مناخ الحرية المتوقع في سورية سيؤدي الى انفجار الطاقات الفردية في كافة الميادين الأدبية والعلمية.
• أشرت في احدى محاضراتك الى جملة الأسباب التي أتاحت للاسلام السياسي التركي النجاح مقابل فشل الاسلام السياسي العربي. ما الذي يحتاجه الإسلام السياسي العربي في ظل الحراك الشعبي الجاري؟
– الإسلام السياسي العربي سيواجه مجموعة من المسائل وعلى رأسها قضية أهل الذمة، وعليه أن يحدد موقفه من الأقليات الدينية. والمسألة الثانية تتعلق برؤيته حول فصل الدين عن الدولة، والمسألة الثالثة تتعلق بقضية المرأة، والأهم من كل ذلك، أنه مطالَب بالمواجهة المبدئية لمفاهيم العقوبات أي الحدود في الشريعة الاسلامية.
• طرحت فكرة الفقه الإسلامي المهجري على شاكلة ما أحدثه الشعر المهجري. هل يمكن أن توضح لنا رؤيتك لما أسميته الفقه الإسلامي المهجري؟
– أقصد بذلك التدشين لفقه اسلامي متصالح مع فكرة الدستور والقانون المدني ومساواة المرأة بالرجل والمواطنية بغض النظر عن الانتماء الديني أو العقدي.