صفحات الحوار

صادق جلال العظم لـ «الراي»: نظام الأسد يسقط بـ «الموت البطيء» لا الانهيار المفاجئ


 بيروت ـ من ريتا فرج

 منذ اندلاع الثورة السورية، إنحاز المفكر السوري صادق جلال العظم الى الربيع الدمشقي، ويكاد ان يكون من الشخصيات الثقافية النادرة التي لم تمارس طوال المرحلة السابقة لغة مزدوجة.

العظم صاحب الأطروحة الشهيرة «نقد الفكر الديني» والممنوع من دخول سورية، يرفض تسمية ما يحدث في بلاده بالحركة الاحتجاجية، فالشام عنده في ذروة تألقها الثوري وكل توصيف يخرج عن مفردة الثورة لا معنى له.

للمرة الخامسة تجري «الراي» حواراً مع العظم حول شؤون الثورة السورية، وفي كل مقابلة أدلى صاحب «ذهنية التحريم» بآراء واضحة لا تقع في المنطقة الرمادية كما يفعل الكثير من المترددين. لا طريق ثالث عنده إما مع أو ضد «الثورة».

في المقابلات السابقة تحدث المفكر اليساري عن هموم وشجون ثورة دمشق ولطالما ردد «السوريون يريدون استعادة الجمهورية، لا تجديد لا توريث لا تمديد». فماذا يقول الآن بعد إنشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب؟ وما رأيه في احتمال انشقاق نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع؟ وكيف قرأ «ردّة» العميد مناف طلاس؟ وماذا عن رؤيته الاستشرافية لمستقبل كوادر «البعث»؟

هذه الأسئلة وغيرها توجهت بها «الراي» الى المفكر اليساري صادق جلال العظم، وفي ما يأتي وقائع الحوار:

يعتبر انشقاق رياض حجاب أبرز انشقاق سياسي منذ بداية الثورة السورية. ما أهمية هذا التطور؟ وهل تتوقع انهياراً مفاجئاً للنظام؟

ـ قبل الحديث عن أهمية انشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب أريد الاشارة الى مسألة مهمة تتعلق باستهزاء البعض بهذه الانشقاقات. ولم أكن أتوقع من رئيس تحرير جريدة «القدس العربي» عبد الباري عطوان أن يصف ما جرى بالانشقاقات الإعلامية الصرفة التي لا تؤثر في شكل جدي على النظام، وأنا عاتب وغاضب بسبب مقاربته الباردة باسم الموضوعية، لثورة الشعب السوري، علماً أن عبد الباري إبن الثورة الفلسطينية وداعم لكل ثورات الشعوب في العالم، باستثناء الثورة السورية، وحياده البائس هذا يصبّ بالضرورة في خانة النظام والمخابرات.

وفي رأيي ان هناك سوء فهم وعدم تقدير للخلفية الأساسية التي أدت الى مثل هذا الانشقاق الذي قام به حجاب، ويجب ألا ننسى الخلفية الأمنية للدولة في سورية، فهي دولة أمنية بامتياز، والمؤسسة الأمنية معتدة بنفسها الى أقصى الحدود، وهي عبارة عن بنيان حديدي لا تهزه ريح ولا يصيبه زلزال، ووصلت المؤسسة الأمنية في اعتدادها هذا وفي تعاملها الإستعبادي مع الناس، الى درجة تقول إنه ممنوع الهرب من ساحات القتل والتدمير حتى بالنسبة للنساء والأطفال والعجزة، ومن يحاول الفرار نطلق عليه النار.

أريد إعطاء مثال آخر، ميشال كيلو حين كان يخرج من السجن هو ورفاقه من المعارضين، كان ضباط الأمن والمخابرات يقولون لهم، لا تُتعِبوا أنفسكم في المعارضة. المؤسسة الأمنية الحاكمة غير قابلة للاهتزاز، وهي استخدمت تعريفاً دينياً تحت عنوان «الأسد الى الأبد» و«بشار الى الأبد». وإذا أخذنا هذه الخلفية، فإن إنشقاق رياض حجاب الذي قدمه الأسد نفسه على أنه رجل المرحلة، مسألة شديدة الأهمية، فقد تمكن مع أخوته وعائلته من الخروج من سورية بمساعدة الجيش السوري الحر، وهذا الانشقاق أحدث وقعاً هائلاً لدى المؤسسة الأمنية الحديدية.

وفي الاجابة على الشق الثاني من السؤال لا أتوقع إنهياراً مفاجئاً للنظام، بل عملية جرف متسارعة، والجرف سيؤدي الى التفكك، والنظام سيضمحل ويتلاشى حتى الموت البطيء بدل السقوط المدويّ والمفاجئ.

أثار عدم ظهور نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الكثير من السيناريوات، وثمة من يقول إنه في الاقامة الجبرية بعد محاولات انشقاق عن النظام. ما أهمية انشقاق فاروق الشرع اذا حصلت؟ وهل تعتقد أنه الشخصية السياسية الأهم القادرة على قيادة سورية في المرحلة الانتقالية؟ ـ الطريف أن فاروق الشرع بعد مرحلة الاحتجاب التي أثارت علامات استفهام ظهر في جنازة خلية الأزمة، وقد مثّل بشار الأسد وهذا ما يضع حداً للحديث المتداول عن احتمال انشقاقه. لا أعتقد أن الشرع سينشق عن النظام، وأقول الشيء نفسه بالنسبة الى وليد المعلم الذي سببت له الثورة معاناة لا تتعدى إدراك الموظف العادي في الدولة أو الموظف الأمني. وليس معروفاً عن المعلم والشرع أن لديهما اجتهاداً في الأمور السياسية أو المسائل الديبلوماسية، وحتى الإدلاء بوجهة نظر متميزة. لذلك لا أجد أي مؤشرات قد تدفع الشرع او المعلم باتجاه الانشقاق عن النظام لأنهما لا يملكان شخصية قيادية أو مهارات ريادية. وأعتقد أن الصدفة قد تضع واحداً منهما في موقع ما خلال المرحلة الانتقالية.

ماذا في شأن الجيش السوري (بصرف النظر عن الانشقاقات)، هل تعتقد أنه قد يحسم خياره الى جانب الثورة السورية أم سيصيبه ما أصاب الجيش العراقي؟

ـ الجيش السوري مؤلف من 13 فرقة بالمعنى العسكري. القوات المسلحة حتى الآن تقوم بتدمير المدن والقرى والأحياء، وهذه المهمة تنفذها أربع أو ثلاث فرق من ضمنها الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة. وإذا تمردت الفرق الأخرى التي لم تُستخدم بعد في عمليات القمع وانضمت الى الثورة، ستكون هذه العملية بمثابة العملية الإنقاذية للثورة. ولا أعتقد أن مثل هذا التطور قد يحدث ولا استبعده بالمطلق، ولا أتصور أن مصير باقي الفرق العاطلة عن العمل حتى الآن سيكون مثل مصير الجيش العراقي الذي دمرته الولايات المتحدة. أما إذا حدث أي تدخل عسكري خارجي، فيمكن أن يتعرض الجيش السوري للمصير نفسه الذي تعرض له الجيش العراقي.

هل تعتقد أن بعض الكوادر داخل حزب البعث يجب ان يكون لها دور خلال المرحلة الانتقالية أم العكس؟

ـ من الصعب جداً على كوادر حزب «البعث» القيام بأي أدوار عامة في سورية الجديدة، لأن الناس العاديين سيرفضون البعثيين في شكل عفوي وتلقائي. هذه الكوادر لن تُقدم على أي مغامرة حتى لو تابت، لأنها ستبقى موضع شك عند الناس، ولن تقوم بأي دور حتى لو أرادت ذلك.

لم يُصدر المجلس الوطني السوري حتى الآن وثيقة من أجل طمأنة الطائفة العلوية، ومن المعروف أن بعض العلويين، دون تعميم يقفون الى جانب النظام السوري. في رأيك أليس من الضروري ان يُصدر المجلس الوطني وثيقة خاصة بالعلويين؟

ـ ليس ضرورياً إصدار مثل هذه الوثيقة، ولماذا تحتاج الطائفة العلوية الى من يطمئنها على مستقبلها؟ لم ترتكب الطائفة جرماً كبيراً يستدعي مثل هذه الوثيقة التي يمكن أن تصدر عن المجلس الوطني السوري، بدليل أن خلية الأزمة التي تم استهدافها مكوّنة من الطوائف كافة، العلوية والسنية والمسيحية. وإذا أخذنا في الاعتبار المدن والقرى والأحياء المدمرة فإن كل هذه المناطق ذات غالبية سنية، وأرى أن الأكثرية السنية في الوقت الحاضر هي التي تحتاج الى وثيقة طمأنة. ورداً على الخطاب البائس في شأن المخاوف على الأقليات في سورية الجديدة، من قال لكم ان الأكثرية ستنتظر اللحظة المناسبة حتى تنتقم من الأقليات الدينية والإثنية؟

هل تتخوف من تداعيات سقوط النظام السوري على المستوى الأمني؟

ـ لا أتخوف من هذه المسألة. قامت الثورة السورية من أجل إسقاط النظام الأمني، وليذهب هذا النظام الأمني كما هو الى الجحيم. الشيء الذي أتخوف منه بعد هذه المرحلة الطويلة من السيطرة الأمنية على حياة الناس وترسيخ الشيء الأمني في حياتنا ونظرتنا الى بعضنا البعض، أن يتحول هذا الخوف في مرحلة إزدهار الحرية الى نوع من التسلط والبلطجة والأبوية والبطركية، ما يؤدي الى تكرار التجربة الأمنية نفسها التي طغت على سورية على امتداد خمسين عاماً. المرحلة الانتقالية تتطلب مستوى عالٍ من الوعي لإبعاد هذه العناصر التي أشرتُ اليها والتي قد تشكل تربة خصبة لنشوء ستار سلطوي وأمني حارب السوريون جميعاً ضده.

كيف تقرأون انشقاق العميد مناف طلاس؟ وأي دور للشخصيات الأمنية المنشقة في مرحلة ما بعد الأسد؟

ـ أعرف مناف طلاس معرفة لا بأس بها، وجرت بيننا نقاشات حول سورية. مناف طلاس كان مقتنعاً بالبنيان الحديدي المرصوص للمؤسسة الأمنية، وكان من أكثر الذين يدافعون عنه وعن الوضع القائم في البلد على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وعندما كنا نقدم له آراء نقدية لا ترضيه، كان اعتذارياً ودفاعياً وتبريرياً. وبعد ربيع دمشق وكما بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري شعرتُ بان مناف أصبح أقل تقبلاً للنقاش وطرح الأفكار وبات أشد دفاعاً عن كل ما له علاقة بالنظام، وشعرنا أكثر بان نبرته الدفاعية والتبريرية صارت أقوى.

أعتقد أن الثورة السورية أحدثت عند مناف طلاس انقساماً في وجدانه، وقد راهن على أن بشار الأسد سيتجه الى الاصلاح بعد فشل الحل الأمني، لكن هذا لم يحدث، لأن الثورة السورية استمرت. والشيء الأهم الذي زاد من معاناته وشقائه هو تدمير بلدته الرستن. وبعدما خسر الرهان لم يعد أمامه إلاّ الانشقاق أو الوقوع في محظور تلطيخ اليد في دماء السوريين.

بعض أطراف المعارضة اعتمدوا على الرهان نفسه، ميشال كيلو في مكان ما راهن على ما يسمى الحل السياسي، وكان يقول ان الأزمة السورية لا تحل إلاّ بالخيار السياسي ويقصد بذلك الحل مع بشار الأسد، وقد دافع أيضاً عن مهمة كوفي أنان وقال في إحدى مداخلاته، إن المهمة جاءت بقرار دولي وهي التي ستتكفل بإجبار النظام على التغيير، وهذا لم يحدث. كما أنه نشر مقالاً هاجم فيه من يسميهم «بـ ثوار آخر زمن» وقام بمهاجمة التنسيقيات وشباب الثورة، وفعل ذلك بكثير من الأبوية ومنطق الوصاية، وهنا سؤالي: ماذا فعل ثوريو الزمن الأول؟

أعتقد أن سيرورة الثورة السورية ستحقق نوعاً من الانتخاب الطبيعي، وفي تصوري أن بعض الشخصيات التي انشقت عن النظام لن يكون لها دور في سورية الجديدة لأن الثورة ستمارس ما أسميته الانتخاب الطبيعي.

سقوط النظام السوري سيجعل روسيا تخسر حليفاً تاريخياً لها في المنطقة. ماذا يعني هذا السقوط بالنسبة لموسكو؟

ـ ثمة تضخيم لمصالح روسيا في سورية. لا تدافع موسكو عن النظام السوري إنطلاقاً من الحفاظ على مصالحها، وإنما من محاولات لاستعادة دورها كدولة عظمى، ومن أجل مناكفة الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. وأيّ مصالح لروسيا في سورية مقارنة بالمصالح الاستراتيجية لايران، بما تعنيه هذه المصالح على مستوى العلاقات الايرانية ـ السورية؟ ولا شك في أن سقوط النظام السوري سيؤدي الى سقوط هذه الاستراتيجية في كل المنطقة. أما سقوط النظام بالنسبة لروسيا فلا يعني الشيء الكثير. والأغرب أن ممثل روسيا في الأمم المتحدة نفى تدمير النظام للمدن، وحين استمعتُ الى هذا الخطاب فهمت لماذا إنهار الاتحاد السوفياتي.

هل من كلمة أخيرة تود قولها؟

ـ أريد التوجه بتحية إكبار وإعجاب لكل العاملين من غير السوريين على مساعدة ثورة الشعب السوري ودعمها ولا سيما اللبنانيين منهم، مع شكر خاص إلى الجندي شبه المجهول وسام طريف مسؤول شبكة آفاز على جهوده الرائعة في هذا المجال وأرجو أن يستعيد جواز سفره سريعاً.

الراي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى