صفحات الحوار

صالـح مسـلم محمـد : لا نريد الانفصال وتركيا لن تُسقط حلب وسنرد على من يهاجمنا


محمد بلوط

تبديد أي انطباع بمشروع انفصالي كردي في الشمال السوري، هاجس القيادي الكردي السوري صالح مسلم محمد، الأمين العام لـ”حزب الاتحاد الديموقراطي” القوة الرئيسة التي تسيطر على خط يطول أكثر من 600 كيلومتر من عفرين على مشارف حلب وحتى ديريك على المثلث العراقي – السوري – التركي. “الأكراد لا مستقبل لهم إلا ضمن الوحدة السورية. لا أهمية للمسميات التي تؤطر حضورهم في دمشق الديموقراطية، ولكن الأهم أن تحفظ حقوقهم”.

الأكراد، الرقم الصعب في الشمال السوري: مفتاح أي عملية عسكرية واسعة، والمدى الاستراتيجي لأي منطقة آمنة رغم ضيق العمق الأرضي إلى مئة كيلومتر، وأحيانا أكثر بقليل “لكن المنطقة الآمنة التي تدوس على المنطقة الكردية تعني الحرب مع تركيا”.

وما جرى ويجري من اشتباكات بين جماعات من “الجيش الحر” ولجان الحماية الشعبية التي يقودها “حزب الاتحاد الديموقراطي”، لم يكن سوى اختبار لموقف الأكراد وتصميمهم على البقاء مع الثورة سلميا ودون الزج بمناطقهم وقواتهم في أتون الحرب السورية، فضلا عن الدفع نحو فتنة عربية – كردية “بتحريض تركي”.

*أين تضع محاولة اقتحام الأحياء الكردية في حلب من قبل “الجيش الحر”، بعد أربعة أشهر من تحييد الحيين اللذين تسكنهما أكثرية كردية وتنتشر فيهما لجان الحماية الشعبية الكردية، في شبه حياد غير معلن بين الجيشين النظامي و”الحر”؟

– هناك أفراد مدعومون من جماعة صلاح بدر الدين، وهو كردي مع الأسف، وهؤلاء يحاولون اختراق صفوف الأكراد عبر ادعاء تمثيلهم، وتشكيل كتيبة صلاح الدين الأيوبي، وهؤلاء عبارة عن بضعة أفراد. وقام صلاح بدر الدين بحشدهم ثم ضمهم إلى “الجيش الحر” الذي يتمتع بعلاقات مع تركيا، وهؤلاء لا يعترفون بالهيئة الكردية العليا التي شكّلناها لإدارة المناطق الكردية.

*لماذا؟

– هذا صلاح بدر الدين وهذا تكوينه. هو دائما ضد شعبه، متواطئ مع النظام التركي لأسباب نحن نجهلها، وهو ربما قد وعد بشيء ما، من قبل الأتراك، لا نعرفه، وهو يتحرك معهم. وهو لا يرأس أي مجموعة سياسية ولا يمثل أي تيار شعبي، وإنما يعمل تحت إمرته بعض الأفراد من الأكراد. وبحسب بيانات “الجيش الحر” فقد قاموا بعملهم، كما قيل لهم، للتخلص من “حزب الاتحاد الديموقراطي” الذي يسيطر على الأحياء الكردية. وقبل أيام، جاءت مجموعة من “الجيش الحر” وهاجمت مقر الأمن الجنائي شرق الأشرفية واشتبكوا مع عناصره، ومن ثم تقوم قوة أخرى منهم بالهجوم على الأشرفية، وقوات النظام التي اعتقدت أنهم لا يزالون في الأشرفية قصفت المنطقة بالهاون، ما أدى إلى مقتل 15 شخصا، تسعة منهم أكراد والبقية من العرب. إن الهجوم الذي قاموا به تسبب بمجزرة، والجريمة تتحمل مسؤوليتها قوات النظام التي قصفت مدنيين.

وفي اليوم التالي، من الناحية الغربية للمنطقة، دخل 200 مسلح من “الجيش الحر” وأصدروا بيانا بأنهم حرروا الأشرفية وأنها أصبحت تحت سيطرتهم. خرج الناس عندها بتظاهرات ضمت أربعة أو خمسة آلاف شخص، وتوجهوا إلى حاجز “الجيش الحر” فأطلق عناصره النار على المتظاهرين فقتل منهم عشرة أشخاص، فاضطر حزبنا للتدخل وحدث اشتباك، أدى إلى مقتل 19 عنصرا من “الجيش الحر” من كتيبة صلاح الدين، منهم 7 أكراد وجرح أربعة، واعتقلنا مجموعة أخرى، وتراجع الآخرون. ولكي يسترجعوا الأسرى أقاموا حواجز على الطريق بين عفرين وحلب، واعترضوا سبيل المارة والعاملين في قطاف الزيتون، واختطفوا 300 كردي. في الأخبار الأخيرة أنهم أفرجوا عن 150 منهم، ولا تزال مجموعة من المختطفين بيدهم. وقامت مجموعة أخرى يقودها عمار الداديخي الملقب “أبو إبراهيم” بمهاجمة قرى كردية قرب أعزاز، خصوصا قرية قسطل جندو اليزيدية الكردية، فقتل 3 منهم. لا نفهم سبب الهجوم على قرية آمنة. إن الأمور متوترة جدا، ونحن نحاول ضبط شعبنا، وكثر يضغطون لكي نرد، ولكننا نقف حاجزا دون ذلك. نحاول تهدئة الأمور لأننا لا نريد أن تقع مجزرة.

* لكنكم تنأون بأنفسكم فعليا عن العمل العسكري في ثورة تحولت تقريبا كلها إلى عمل عسكري؟

– النظام يحاول جر الأكراد إلى القتال، وإلا ما معنى قصف المدنيين في الأشرفية والشيخ مقصود، وهؤلاء من “الجيش الحر” يحاولون جرنا إلى القتال، وكل منهما يحاول جر الأكراد للقتال إلى جانبه. نحن حزب سياسي، ولدينا خبرة كبيرة في المنطقة ونعرف هؤلاء المسلحين، والأكراد لا يحتاجون لمن يحميهم، وهم قادرون على حماية أنفسهم. وليسمع الجميع من الأتراك وغيرهم، إذا ما فكر أحد بمهاجمتنا فسيكون ردنا عنيفا جدا. الذين هاجمونا من “الجيش الحر” قتلوا عشرة مدنيين، ونحن لم نقتل مدنيين، بل قتلنا 19 مقاتلا من “الجيش الحر” الذي هاجمنا، ولن نقتل مدنيين، ولن نذهب إلى “حريتان” أو أية أماكن أخرى، وبمقدورنا أن نذهب إليها لو شئنا، وبوسعنا أن نسد الطرق عليهم، لكننا لا نريد ذلك.

نحن ما زلنا نعتبر أنفسنا جزءاً من الثورة السورية، ولكن لنا تكتيكاتنا واستراتجيتنا، ولا أحد يجرب أن يفرض علينا أي شيء، فنحن نعرف ما نريد، والمعارضة الحالية لا تزال ترفض الاعتراف بالوجود الكردي، ومن يأمر بمهاجمة الأكراد لا يريد الخير لسوريا. لا يريدون أن ينال الأكراد حقوقهم الوطنية.

*هل تعني أن تركيا تقف وراء عمليات الهجوم عليكم؟

نحن نعرف ذلك، ونعرف عبر التحقيقات مع المعتقلين من دربهم ومن أرسلهم. تركيا هي التي تدربهم، والأموال والأسلحة تأتي باسم كتيبة صلاح الدين، وصلاح بدر الدين عميل لهم، وهذا أمر معروف، وإذا ما حاول الأتراك مد أيديهم إلى سوريا فسيكون ذلك مستنقعهم.

* هناك اتهامات لكم بالتواطؤ مع النظام السوري لأنكم لا تشاركون في القتال ضده؟

– نحن نعرف أنفسنا، وهذا الكلام لا يهمنا، هذا هو واقعنا. يحسبوننا على النظام أو على غيره. النظام لا يعترف بنا أيضا. لا هذا ولا ذاك يعترف بنا، لأننا نملك استقلالية قرارنا، نحن موجودون على الأرض وقادرون على حماية أنفسنا. عندما اشتبكنا مع قوات النظام في كوباني وعفرين والقامشلي، أين كان هؤلاء؟ إذا كان النظام لا يريد أن يفتح جبهة كردية على نفسه، فلماذا تصر أنت على فتح جبهة كردية. هل تريدني أن أصبح معاونا للعرعور وطيفور (الشيخ حازم العرعور ونائب المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا محمد فاروق طيفور) أنا أرفض ذلك، ومن يمد يده إلي فسأضرب يده. هذا ما يحدث، والدولة السورية تعرف تماما أن الأكراد لن يصبحوا ما عاشوا عملاء لتركيا، وتعرف انه ليس بيننا لا متدين ولا متطرف، ونحن نعرف النظام أكثر من غيرنا، لأننا كنا في سجونه وأقبيته على الدوام. النظام سيتغير فليتغير، لكني لا أريد أن أهرب من النظام المستبد لأقع عند العرعور وطيفور. نحن نعرف ما نريد وقادرون على حماية أنفسنا. مأساتنا نحن الأكراد أننا كنا على الدوام جنود الآخرين ووقود حروبهم، من صلاح الدين إلى فتوحات العثمانيين وغيرهم. الآن نريد أن نخوض معاركنا نحن، ونكون جنودا لحماية شعبنا.

* هناك من يرشح المنطقة الكردية من عفرين إلى ديريك لكي تصبح منطقة آمنة إذا لم تنجح المعارضة المسلحة بالسيطرة على حلب؟

– منطقة آمنة تعني الحرب، لان جنودا أتراك سيدخلون لحمايتها، ولن نسمح لهم بذلك. هل تعتقد أن الأتراك سيحمون مناطقنا، على العكس سيقومون بتدميرها، وهم يخططون لترحيل أكراد سوريا جميعا إلى كردستان العراق. نحن نتمسك بأرضنا وسنقاوم، الغزو العسكري هو غزو حتى ولو كان تحت مسمى منطقة آمنة. نحن الآن فعلا منطقة آمنة، ونستقبل الآلاف من اللاجئين من دير الزور. القصد من منطقة آمنة هو تحويلها إلى منطلق لأعمال حربية، ولمعركة.

* لكن المعارضة المسلحة تتقدم على الأرض، وتمسك بطريق الإمداد إلى حلب عبر معرة النعمان؟

– هذا صحيح، ولكن النظام قادر على تدمير هذه المنطقة عندما يشاء. أعتقد أن النظام لم يستخدم كامل قوته ووحشيته، والمعارك الجارية لا تحسم السيطرة النهائية على الأرض، وهي لا تزال معارك كر وفر، خصوصا في حلب. ولكن من المؤكد أن المقارّ الأمنية، مثلا في حلب، لا تزال محمية وبيد النظام، بالإضافة إلى الثكنات العسكرية التي لا تزال الدولة تتحصن فيها. لن يستطيع الأتراك إسقاط حلب.

* كان القائد العسكري لـ”حزب العمال الكردستاني” مراد قره يلان قد هدد تركيا بحرب كبيرة إذا ما جربت الاعتداء على الأكراد في سوريا. هل أنتم قادرون على مواجهة هجوم تركي على منطقتكم؟

– بوسعنا حتى الآن أن نحمي أنفسنا. لا نطلب من أحد أي شيء، في صفوفنا الآلاف من الشباب، والمجندون الأكراد المنشقون عن الجيش السوري. نحن نعتقد أننا ذاهبون إلى مواجهة، ونحن مستعدون لكل الاحتمالات.

* هل تنسقون مع حزب العمال الكردستاني؟

– قطعا لا. نحن نتقاسم معهم أفكار (زعيم الكردستاني عبد الله) أوجلان واستراتيجيته، ولأوجلان قاعدة جماهيرية واسعة في سوريا، وهو عاش بين لبنان وسوريا لعقدين. وهذا لا يعني التنسيق مع “حزب العمال الكردستاني”. نحن كحزب اتحاد ديموقراطي ومنظمات المجتمع المدني التي أنشأناها ولجان الحماية الشعبية، لا علاقة لنا بأي حزب خارج سوريا.

* هل تعتبرون أن “الكردستاني” خط الدفاع الأول عن المنطقة الكردية ضد تركيا؟

– أبدا، ولا وجود لعنصر مسلح واحد من “الكردستاني” في منطقتنا. بالعكس هناك عدد كبير من شبابنا يساعد “حزب العمال الكردستاني”، وهذا معروف، وهناك بين قياداته من هم سوريون، ولكننا لا نحتاج إلى مساعدة أحد. لكن إذا ما تطورت الأمور على نحو مختلف، فلنا كل الحق بأن نطالب الأكراد من (مسعود) البرزاني فـ(جلال) الطالباني، وحتى “الكردستاني” مساعدتنا، ولكن هذا حديث آخر. لكن حتى الآن بوسعنا أن نحمي أنفسنا، وان نحمي قرارنا المستقل.

* لماذا لا تقيمون تحالفا مع جماعة الإخوان المسلمين كغيركم من المعارضة السورية؟

– تركيا تقيم مخيمات لتدريب من 3 إلى عشرة آلاف مقاتل، وهذه مسؤولية الإخوان المسلمين. إن الفوضى التي تعم العمل المسلح في سوريا نتيجة خلقهم فرصا لكي يدخل إليه مهربون ورجال عصابات من طراز عمار الداديخي وغيره، عليهم أن يجردوا أنفسهم من هؤلاء لكي نعرف ملامح العدو من الصديق، ولكي نتمكن من التعامل معهم. ما يهمنا، وما أريد أن أوضحه هنا، أن ليس في مطالبنا شيء يؤدي إلى الانفصال. لا نريد الانفصال عن سوريا، هذا ليس مطلبنا ولا هدفنا، لا السري ولا المعلن. نريد حلا للقضية الكردية في سوريا ضمن الوحدة السورية، ولا نرضى بغير سوريا ديموقراطية وموحدة.

* بين ضعف النظام وفوضى ساحة المعارضة، أين يقع المشروع الكردي؟

– كان لدينا مشروع للحل الديموقراطي الكردي، وصدرت أدبيات تعرضه. البعض فسره بالحكم الذاتي والبعض الآخر بالفيدرالية. كل هذه التسميات لا تهمنا. في الواقع مطلبنا هو الاعتراف دستوريا بنا كشعب كردي وتوفير الضمانات لممارسة حقوقنا الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحماية الذاتية. يمكن مناقشة حجمها عندما يحل حكم ديموقراطي في دمشق. لا يهم الإطار والتسميات، إدارة ذاتية أو فيدرالية، المهم المبادئ.

* لماذا لا تعترفون وتتعاملون مع “الجيش السوري الحر”؟

ـ يا أخي هات لي قيادة موحدة للجيش الحر لكي أتعامل معها. كم جسماً هذا الجيش الحر، وكم رأساً هذا الجيش الحر الذي تتحدث عنه؟ تقصد أي جيش حر، الجيش الحر التابع لتركيا أم الآخر التابع للسعودية أم التابع لقطر، أم جماعة “القاعدة” الذين يعملون تحت إعلام الجيش الحر؟ عندما يكون هناك جيش حر نتعامل معه. جرت محاولات لإقناعهم بأن يكون المجلس الوطني ممثلهم السياسي، ولكن المجلس السياسي لا يمثل أحدا. عبد الباسط سيدا ذهب إلى المنطقة هناك وزارهم، وذهب برهان غليون ثم احمد رمضان وغيرهم، وهؤلاء يذهبون ويتوسلون إليهم أن يقبلوا بهم ممثلين سياسيين لهم، ولكن لا أحد يقبل بهم. إذا كان هؤلاء يريدون العودة بسوريا إلى خلافة عمر بن الخطاب و1400 سنة إلى الوراء فكيف يمكن أن يفهم هؤلاء الديموقراطية، وآخر لا يتوقف عن ترداد أنه يريد قتل العلويين والانتقام لما جرى في العام 1982، فكيف يمكن التفاهم معه، هل يفهم معنى الديموقراطية والحرية من يفكر طيلة الوقت بعقلية الثأر والانتقام.

* هل يعني ذلك أن التيار السلفي الجهادي داخل الجيش الحر يغلب ما عداه؟

– على الأقل هذا التيار يحصل على أفضل التمويل والدعم، مع الأسف.

* لكن المجلس الوطني يقول إن هؤلاء لا يتعدى عددهم 300 مقاتل؟

– حسنا، ليربطوهم ويخرجوهم من سوريا لنتفاهم مع البقية إذاً.

* ما مستقبل الصراع في سوريا، وهل المعارضة المسلحة قادرة على إسقاط النظام؟

– النظام لا يزال قويا، ولديه أسلحة لم يستخدمها في القتال، ولديه أدوات فتاكة لم يلجأ إليها بعد، كصواريخ “سكود” مثلا التي لم يستخدمها على الأرض، وقد يقرر غدا أن يستخدمها. ناهيك عن الدعم الخارجي الذي يتلقاه من الخارج. المستقبل على ضوء هذه المعطيات سيكون دمويا ومظلما أكثر. نحن نتمنى أن تعود القوى الدولية التي تتحكم بمصير سوريا مثلا إلى اتفاق جنيف، وهو اتفاق جيد، وللأسف هذه القوى ليست جدية في بحثها عن حل، وغداة اتفاق جنيف مثلا تسلم الجيش الحر 400 طن أسلحة من تركيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى