صفحات الناس

صحافيو «داعش» ناشطون سابقون أغراهم التنظيم… وهدّدهم/ رنا الحاج ابراهيم

 

 

 

منذ أن بدأت الثورة في سورية، شكّل العمل الإعلامي مشكلة كبيرة بعد أن منع نظام الأسد المراسلين من دخول البلاد، فلمع نجم الصحافي المواطن الذي تحول إلى ما أطلق عليه «ناشط إعلامي» يبث الأخبار والصور ويتعامل مع الوكالات العالمية والفضائيات العربية. وتنوعت الصعوبات التي يواجهها النشطاء الإعلاميون والذين قوبلوا بشكل مستمر بالاعتقال والقصف والتصفية من قبل نظام الأسد. لكن مع مرور حوالى أربع سنوات على بدء الثورة، لم يعد نظام الأسد هو العدو الأول والأخير لعمل هؤلاء الناشطين في سورية بل أصبحت الكثير من الفصائل العسكرية المقاتلة تقف في وجه نقل ما يجري على الأرض، وبالتالي لم تتوان عن محاربة عدسات وأقلام السلطة الرابعة محاولة جذبها إلى طرفها. فبعد أن انحصرت الانتهاكات المرتكبة ضد الناشطين الصحافيين بأيدي قوات نظام الأسد، جاءت الفصائل الإسلامية المقاتلة المختلفة والجماعات المتطرفة كتنظيم «داعش» لتجذب هؤلاء إلى صفوفها، ولتوقف عملهم وتلاحقهم إذا لم يقبلوا بمظلتها ولم يتناسب عملهم مع توجهاتها.

الفصائل المتشددة

«في مرحلة محددة، استطاعت بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية إيفاد مراسلين لها لينقلوا الصورة من المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام» يقول الصحافي محمد ضياء صابوني لـ» الحياة» مضيفاً:» لكن سيطرة الفصائل المتشددة على بعض المناطق جعلت الأمر غاية في الصعوبة، وحصل تشويه مقصود أو غير مقصود لكافة وسائل الإعلام باعتبارها استخباراتية أو عميلة أو بسبب تهجّمها على فصيل معين، ما أدى إلى تراجع الأداء الإعلامي في كثير من المناطق، وفقدنا كثيراً من الأصوات العالمية المساندة للثورة بسبب هذا الأمر». ويوضح صابوني أنه: «بعد انتهاء العام الثاني من الثورة، برز نوع جديد من الصحافة، وهو الصحافة العسكرية (إن صحت التسمية)، أو ما يعرف بالمكاتب الإعلامية التابعة للفصائل المقاتلة…» وأصبحت هذه الصحافة تنقل صورة تسويقية لصالح الفصيل المقاتل الذي تتبع له، وأصبحت ناطقة باسمه. وانتقل كثير من الناشطين الصحافيين من العمل الصحافي المدني إلى العمل الصحافي العسكري، وكان السبب الرئيسي لانتشار هذه الصحافة هو الدعم المالي واللوجستي الذي يقدمه الفصيل للصحافي أو للناشط الإعلامي مقابل خدماته، وهو ما لم يكن متوافراً بشكل ثابت سابقاً في التنسيقيات ومكاتب المجالس المحلية».

في حين يتحدث الناشط الإعلامي نادر الحمصي عن تجربته قائلاً إنه يعمل مع الجبهة الإسلامية ويتلقى السياسة العامة والتحريرية من المكتب السياسي للجبهة موضحاً إن:» القلة القليلة جداً من الناشطين ليسوا تابعين لجهة معينة عسكرية» لكن هذه الجهات تقدم للإعلاميين «رواتب رمزية بالكاد تكفي». وحول كون التبعية لفصيل عسكري يخلق خطراً على الناشط الإعلامي من قبل الفصائل العسكرية الأخرى، أضاف الحمصي:» حتى لو كانت هناك إشكاليات بسيطة بين الفصائل السورية بشكل عام فهي تبقى متفاهمة في ما بينها إلى حد كبير، أما بالنسبة لتنظيم «داعش» فهو يشكل خطراً كبيراً بالنسبة للناشطين قد يصل للقتل». وعن تخوف الناشطين الصحافيين من إلزامهم الانضمام إلى «داعش» أوضح الحمصي أن: «موضوع التنظيم معقد وهو يجذب الناشطين الإعلاميين بالعقيدة، ولا أظن أن أحداً يقبل العمل معه إذا لم يكن مقتنعاً بفكره. وبالنسبة لي هناك الكثير من الطرق كي أتهرب من العمل معه.» وحول إمكان انضمام الكثير من الناشطين للتنظيم من دون اقتناعهم بفكره أضاف: «أجبر «داعش» الكثير من التنسيقيات والمكاتب الإعلامية على العمل معه ضمن شروط التنظيم، وخصص لهم رواتب كبيرة تصل إلى 300 دولار للمتزوج مع 500 ليرة يومية كبدل طعام ومسكن وهذا المبلغ يعتبر فرصة جيدة للناشط الصحافي المقيم في الداخل». وعن كيفية توفيق الناشط بين عمله مع فصيل معين أو تنظيم «داعش»، ومع كونه نجم فضائيات ومصدر أخبار وكالات الأنباء قال: «عمل الناشط الإعلامي تحت لواء فصيل لا ينفي وجود ناشطين صحافيين متواجدين على الأرض يتعاقدون مع وكالات عالمية إضافة إلى تبعيتهم للفصائل». وأشار الحمصي إلى أن «وكالة عالمية كان لديها مراسل في الرقة خلال فترة معينة وكان تابعاً لتنظيم «داعش» من دون أن تعرف بذلك إذ كان يرسل للوكالة صوراً وأخباراً مع عمله مع التنظيم».

مكاتب الرقة بيد «داعش»

الناشط الصحافي أبو ورد الرقاوي أكد لـ«الحياة» أن :» كل المراكز الإعلامية في الرقة التي تعمل حالياً بالعلن تابعة لتنظيم «داعش» كالفرقان والحياة والمراكز الاعلامية المختصة بداعش»، مشيراً إلى أن: «مركز الرقة الإعلامي كان عبارة عن تنسيقية أنشئت بعد تحرير الرقة من سيطرة النظام. لكن بعد نشوء تنظيم «داعش» تقربت تلك التنسيقية من التنظيم لأسباب عديدة، ثم تطور الأمر إلى عملهم كجواسيس ضمن الطاقم الإعلامي المتواجد في الرقة، وبعدها صاروا وحيدين بعد سيطرة التنظيم على المدينة لكونهم كسبوا رضا التنظيم في السابق، حيث بايع قسم كبير منهم تنظيم «داعش» ومنهم من تحول إلى مقاتل مع التنظيم». ويلمح الرقاوي الى أن: «أحدهم يعمل حالياً كقناص في الاشتباكات» ويضيف بأن الطاقم الإعلامي المذكور «يصول ويجول في الرقة بموافقة من التنظيم وعناصره من أكبر المروجين للتنظيم عبر شبكات التواصل الاجتماعي». و»إضافة إلى وصفهم الغرب بالكافر والتحالف بالصليبي، يبيع مركز الرقة صوراً حصرية لعدد من الوكالات العالمية بحسب تعبير الرقاوي الذي تحدث عن إغراءات قدمها ويقدمها «داعش» للناشطين الإعلاميين، فقد سبق أن طلب المكتب الاعلامي للتنظيم من أحد الشباب مبايعته قبل سيطرته على المدينة وأغراه بتوفير معدات كاملة من أجهزة انترنت وكاميرات وغيرها إضافة لرواتب شهرية ومكافآت، علماً أن هذا الأمر كان في بداية نشوء التنظيم قبل أن يصل إلى هذه القوة، إضافة الى معاملة عضو المكتب الاعلامي كعنصر مقاتل، بل أفضل».

ولم يختلف ما رواه الناشط الصحافي عمر الحلبي في حديث إلى «الحياة» عما قاله أبو ورد الرقاوي، فقد أكد توجه الكثير من الناشطين الصحافيين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في حلب إلى حضن التنظيم، مشيراً إلى أن الأخير «يجري لهم دورات شرعية لإعدادهم وليعيد تشكيل مكاتب إعلامية مهيأة لخدمته وخدمة فكره»، ومن لم يفعل، يضطر لمغادرة البلاد إلى مدينة غازي عنتاب أو أي من المدن التركية هرباً من الخطف أو القتل على أيدي عناصر التنظيم.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى