صحاف سورية/ حـازم الأميـن
يمكن بسهولة ملاحظة أن مسؤولين في نظام دمشق يتنافسون على الموقع الذي شغله في العام 2003 وزير الإعلام في نظام البعث البغدادي محمد الصحاف. وليد المعلم في مؤتمره الصحافي “غير الواقعي” الذي خصصه للرد على اتهامات واشنطن نظامه باستعمال الكيماوي، ومساعده فيصل المقداد في تلويح بالرد عبر “حرب عالمية ثالثة”، وأخيراً مستشارة الرئيس بثينة شعبان التي تمثلت مساهمتها في المسابقة بقولها: “الإرهابيون استقدموا أطفالاً من اللاذقية الى الغوطة وقتلوهم بغاز السارين واتهموا النظام”.
هذا التنافس هو المؤشر الوحيد على أن حال النظام في دمشق لا تقل سوءاً عن حال النظام في بغداد لحظة صعود الصحاف فيها. الأميركيون يُعطون تطمينات بأن المستهدف ليس رأس النظام، والمعارضة السورية غير مؤهلة لقيادة المرحلة الانتقالية، وحلفاء النظام (موسكو وطهران و”حزب الله”) مستمرون في التمسك به. وعلى الرغم من ذلك باشر النظام مبكراً في البحث عن “صحّافه” وها هو يُجري الفحوص للمرشحين.
لا شك في أن وليد المعلم لن ينجح في الامتحان. المهمة صعبة عليه، فالرجل على أبواب الشيخوخة، والمهمة تتطلب رشاقة (هل تذكرون كيف ظهر الصحاف فجأة أمام فندق الرشيد قبل سقوط بغداد بيوم واحد). ثم إن المهمة تتطلب أيضاً بعض الخفة التي لا يملكها ذاك “البعثي” القديم. ابتكار عبارة موازية لعبارة “العلوج” تتطلب خيالاً سفيهاً لا يقوى عليه الديبلوماسي “البعثي” البطيء وليد المعلم.
فيصل المقداد ثقيل الظل، وهو أمضى سنوات في الخارج أكسبته ثقلاً في التعبير وتمهلاً غير محمود. لكن الرجل بدأ محاولاته، وهو اليوم يمحي بعبارة واحدة ما راكمه طوال مرحلة وجوده في منابر الديبلوماسية العالمية. تحدث عن “حرب عالمية ثالثة”، وما لا شك فيه ان الرجل يُدرك حجم نظامه وحجم العبارة التي تلفظ بها. ومن شروط المسابقة الى منصب “صحاف سورية” أن يتفوق المرء على قناعاته وعلى معارفه وخبراته. نجح المقداد في مادة الهذيان، ولكن بقي عليه اجتياز امتحانات أخرى سيفشل فيها حُكماً، منها أن المطلوب للمهمة عليه في المرة القادمة أن يتفوق على نفسه. فماذا بعد “الحرب العالمية الثالثة”؟ ماذا سيقول لنا عندما يبدأ القصف؟
ويبدو أن بثينة شعبان تسعى لتكون صحاف سورية باللغة الإنكليزية، والمهمة هذه أصعب، ذاك أن مهمة محمد الصحاف العراقي كانت مخاطبة العرب، لا بل مخاطبة لاوعيهم وغرائزهم، والاقتراب الهذياني من مشاعرهم الانهيارية. المهمة في حال شعبان مستحيلة. الرأي العام الغربي لا يميل الى الموافقة على الضربة، لكن مؤتمرين صحافيين لبثينة شعبان يشبهان مقابلتها الأخيرة مع “سكاي نيوز” سيكونان كفيلين بإحداث انقلاب في الرأي العام الغربي، ومن المرجح أن يقود فلاديمير بوتين نفسه الحملة على النظام في سورية اذا ما واصلت السيدة المستشارة تصريحاتها حول نقل الأطفال من اللاذقية وقتلهم في الغوطة.
اذا ما تخيلت نفسي في لجنة تحكيم لاختيار صحاف سورية، أستبعد المرشحين الثلاثة. ثمة بعد كاريكاتوري للموقع حفره محمد الصحاف وهو لا يتوافر فيهم. هو البعد الذي أتاح لرأي عام واسع انتقالاً رشيقاً من الإصغاء والإعجاب بمحمد الصحاف الى تحويله نكتة على كل لسان. ولعل ذلك هو ما أنقذ الرجل بعد سقوط بغداد. فقد كان غير حقيقي الى حد يصعب معه محاكمته. وقتله كان سيجعل من القتل فعلاً غير حقيقي.
شخصياً، أرشح شريف شحادة للمنصب، وأعتقد أنه مرشح حقيقي.
موقع لبنان ناو