صفحات سوريةميشيل كيلو

صح النوم/ ميشيل كيلو

 

 

في المرة الأولى، قال خبراء متخصصون عسكريون سوريون في الأسلحة الكيماوية إن النظام استخدمها في ثلاث عشرة حالة داخل الغوطتين الغربية والشرقية، وقدموا أدلة مادية، بينها عينات وجلود وعظام وشعر من الضحايا، قبل أن يرسلوا جثتين كاملتين إلى تركيا، حيث فحصهما خبراء غربيون من بلدان مختلفة، وتأكدوا من سبب مقتل صاحبتيهما، لكن النتيجة كانت أهزل من أي شيء يمكن توقعه، إذ قال أوباما الذي كان خبراؤه بين الفاحصين، في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض: “يبدو” أن هناك أدلة “ترجح” استعمال أسلحة كيميائية ضد المدنيين، في محيط مدينة دمشق. لقد قرر الرئيس الأميركي أن لا يقتنع باستخدام مكثف للأسلحة الكيميائية حول دمشق، على الرغم مما قدم إليه من أدلة.

في المرة الثانية، قال الخبراء السوريون إن الاسلحة الكيميائية لم تسلم جميعها إلى لجنة الأمم المتحدة، المكلفة بنزعها، وقدموا أسماء الأماكن التي أخفيت فيها، والجهات التي أخفتها، كحزب الله الذي ساعد النظام على حفر أنفاق في الجبال التي تفصل جنوب سورية عن لبنان، لكن أحداً لم يتوقف عند المعلومات الموثقة. في المقابل، لم تبد الأمم المتحدة أية شكوك بالنظام، بل قبلت ما قاله عن تسليمه سلاحه الكيماوي، وكانت قد صدّقت كل ما قاله حول مناطق تصنيع هذا السلاح ومصانعه، وزعمه أنه سلم كل ما لديه. واليوم، تقول المنظمة الدولية إن هناك شكوكاً فيما إذا كان النظام قد سلم فعلاً كل أسلحته الكيميائية، لكن المنظمة أعلنت إنهاء مهمتها نهاية الشهر الحالي! هكذا تكذّب الشرعية الدولية نفسها وتصدق النظام.

والآن، وبمثل هذه المهنية التي تتمتع بها لجانٌ يفترض أنها متخصصة، وذات مسؤوليات دولية، لا يثير الاستغراب أن يكون النظام قد استخفَّ بالأمم المتحدة، واحتفظ بما يعادل عشرين بالمائة من مخزونه الكيميائي، ويكون من واجبنا، كسوريين تستخدم غازات سامة ضدهم يومياً، بشهادة منظمات دولية، مطالبة الأمم المتحدة بالانتقال من الأقوال إلى الأفعال، ونزع أسلحة النظام الذي يقتل مواطنيه بجميع أنواع الأسلحة: من سلاح الحقد الأعمى، إلى الغازات السامة، مروراً بكل ما يخطر ببال من أدوات الإبادة. ومن يراقب كيف يهاجم النظام حي جوبر الدمشقي، ويسويه بالأرض، ويبيد كل حي فيه، لن يتردد في اتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، واعتباره جهة تقوم بإبادة شعب”ها”، فلا مفر من تقديم ملفها إلى محكمة الجنايات الدولية، تلبية لقرار مسؤولة لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة نافي بيلاي التي طلبت ذلك مرات عديدة، من دون أن يستجيب أحد لطلبها، أو يطرحه حتى للنقاش.

واليوم، أريد أن أخبر سادة الشرعية الدولية و”أصدقاء الشعب السوري” في نيويورك أن النظام السوري ترك في مطار الطبقة آلاتٍ لتصنيع أسلحة بيولوجية غنمتها “داعش” التي يدور حديث جدي في أوساطها عن قرب إطلاق “الريح الصفراء”، أي “الطاعون”، فهل تسمع الأمم المتحدة و”الأصدقاء” ما أقوله، ويحققون في صحته، أم سينتظرون الطاعون وجثث ملايين السوريين، ليقولا لنا ما قاله أوباما المتشكك: “يبدو” أن هناك أدلة “ترجح”… إلخ.

كم يشعر السوريون، بالأسف، لأنهم يعيشون في عالمٍ لا ضمير له، يقبل موت الملايين من أبريائهم، ويتعامل مع موتهم، وكأنه يتعامل مع أرقام، وليس مع بشر خلقهم الله: فهم من لحم ودم ويستحقون الحماية.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى