صراع الارادتين
ساطع نور الدين
بدأ السيناريو الليبي في سوريا. لن يطول الوقت حتى يصبح التدخل العسكري العربي والدولي أمراً واقعاً. المسافة التي قطعها العرب في هذا الاتجاه الاسبوع الماضي تتخطى كل التوقعات، وتقفز فوق الكثير من الاعتبارات، لتعلن أن سوريا أزمة داخلية عربية.. تستدعي طلب العون الخارجي.
التطور الأخير في الموقف العربي كان في جوهره سعودياً. انتقلت الرياض الى مرحلة الهجوم على النظام السوري، بعدما قطعت الأمل نهائياً من إمكان إصلاحه. الاسبوع الماضي، قال الملك السعودي عبد الله بضع كلمات في الفيتو الروسي والصيني على مشروع القرار العربي في مجلس الأمن الدولي، ما كان يمكن أن تصدر إلا في ذروة الحرب الباردة مع الشيوعية. وهي لا تنم فقط عن الاستياء من الموقف «غير المحمود « للدولتين الكبريين، بقدر ما تعبر عن قرار سعودي بالردّ والمواجهة معهما.
بعد ذلك تولى وزير خارجيتها الامير سعود الفيصل الإعلان في مستهل الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة عن انتهاء الفرص التي أعطيت للنظام السوري والحلول الجزئية التي وضعت على مدى الشهور الـ11 الماضية، والشروع في حملة تهدف الى إسقاطه مهما كلف الأمر في السياسة والمال والأمن.. ومهما تطلب من صدام مع الروس والصينيين في الامم المتحدة، ثم في المؤسسات الدولية البديلة.
كان هذا التحول السعودي بمثابة تطوير للموقف القطري الذي صاغ خطة عربية في الاجتماع الوزاري الشهر الماضي، والذي استوحى المبادرة الخليجية من اجل اليمن، بأمل التوصل الى تنحية الرئيس السوري بشار الاسد وتسليم السلطة الى نائبه الاول فاروق الشرع.. وهو ما أسقطه الفيتو الروسي والصيني، وأفسح المجال لهذا التصعيد الأمني من جانب النظام السوري والتصعيد السياسي من جانب بقية العرب.
قبل التدخل العسكري العربي والدولي الذي صار خياراً حتمياً، ثمة حاجة الى المزيد من العمليات الاستكشافية، التي تسبق أي حرب، وأهمها تبين المدى الذي يمكن أن تبلغه موسكو في دفاعها عن النظام السوري. فالإعلان عن ان الخبراء الروس عادوا الى سوريا ومعهم الأسلحة والذخائر ومشروع إنشاء محطة مراقبة لمنظومة الدرع الصاروخي الأميركي الموجودة في تركيا، لا يوحي بأن الكرملين يخوض فقط حملة إعادة انتخاب فلاديمير بوتين رئيساً بعد ثلاثة أسابيع، بل ينبئ بأنه يخطط للبقاء في سوريا لثلاثة عقود مقبلة.
مثل هذا التحدي الروسي لا يلغي الحرب بل لعله يقرّب موعد نشوبها. ففي واشنطن ارتفعت مؤخراً الأصوات المنادية بالتدخل المباشر في سوريا، لتفادي اللامبالاة الأميركية التي أهدت ليبيا ما بعد القذافي الى الأوروبيين، ولقطع الطريق على أي حلم امبراطوري روسي قديم في المشرق العربي، الذي لا يحتمل التهاون الأميركي مثل شمال افريقيا، ولا يسمح بالتروي مثل الخليج العربي.
الإرادة العربية التي جرى التعبير عنها في اجتماع القاهرة أمس، دخلت الآن في مواجهة علنية مع الإرادة الروسية، بدفع اميركي وغربي لا شك فيه. الحرب لم تعد تتطلب أكثر من الفيتو الثالث في مجلس الأمن.. إلا اذا جاء من دمشق خبر ينفي الحاجة المتزايدة الى خوضها.
السفير