صناعة الإبداع/ شدري معمر علي
لقد أجرى البروفيسور «هاو» وفريقه دراسة على المبدعين فاستنتج: «أن المواهب تحددها التدريبات وليست القدرات الذاتية «وهذه الدراسة أثبتت الأيام صحتها، فعلم التنمية البشرية الذي يدرس ظاهرة الإبداع وكيفية اكتشاف الطاقة الكامنة يقرر أن كل إنسان يستطيع أن يكون مبدعا .
فكل ما قرأناه قديما- أن المبدع الحقيقي هو من يملك الملكة والموهبة-تجاوزه الزمن، فالإبداع يبدأ بالرغبة في الشيء ثم الدربة أوالممارسة أو التدريب فكم من كاتب لم يفكر يوما في الكتابة وفجأة يجد نفسه يخوض غمارها وهو البعيد عن مجالات الأدب.
فهذا الروائي الكبير عبد الرحمن منيف درس البترول وتحصل على شهادة الدكتوراه وأول رواية كتبها كان قد تجاوز الأربعين أي قبل الأربعين لم يكن يتصور أحد أن عبد الرحمن منيف سيكون روائيا كبيرا، وهذه الكاتبة الإنجليزية جيكي رولينغ من كان يسمع بها معلمة لغة فرنسية مطلقة من زوج باكستاني تعيش في حي فقير مع ابنتها لم يسبق لها الكتابة فإذا بها تطل على العالم بعد الثلاثين بقصة «هاري بوتر» فتبيع منها أكثر من 60 مليون كتاب وتصير أغنى امرأة بعد الملكة إليزابيت ولا نغفل أيضا الروائي «باولو كوهيلو» كان في مجال الغناء ثم تحول إلى الإبداع الروائي فباع من كتبه الملايين ، فلا نتعجب عندما نجد في أمريكا معهدا لتكوين المبدعين ،
يتعلم فيها الكاتب المبتدئ تقنيات الكتابة وفنياتها .
*الإبداع والخيال :
فعلى المبدع مهما كان أن يملك القدرة على التخيل حتى إلى الوحشية ،
يقول لويس برانزر :
(1) « الافتقار إلى الخيال يؤدي إلى الوحشية «
أما كريستوفر فرادي فيقول عن الخيال هذه المقولة الرائعة :
« حاسة الخيال الحاسة السادسة، هي أول الحواس التي يجدر بنا الحذر من إهمالها لئلا تصدأ، أعني بهذا: العين المفتوحة التي تقودنا إلى رؤية الحقيقة بإشراق وتألق أكثر وإلى الإدراك المطلق الذي لا يعرف حدودا وعلى فهم أنفسنا بشكل أعمق لنكون حس مرهف ويقظة تامة لكل القوى والمسؤوليات المعطاة لنا»، لهذا أنا أشاطر القاص سعيد بوطاجين عندما يتهم الأدب الجزائري بالرداءة ، فهو أدب يكرر الواقع أويستنسخه ، أدب سلبي يسير في العتمة، إذا طبقنا عليه معايير الإبداع العالمية لا يمكنه أن يصمد .
فقد استقر العلماء والفلاسفة على أن هناك معيارين يمكن على أساسهما اعتبار العمل إبداعيا أم لا وهما :
1 ـ الجدة والأصالة: «فالإبداع في خلاصته لابد أن يكون فكرة جديدة تقدم
شيئا غير مألوف ويبتعد عن التكرار «
2 ـ القيمة والملاءمة :
بمعنى أن يكون العمل قيما ومفيدا للشخص المبدع والمجتمع الذي يعيش فيه .
من خلال هذين المعيارين العالميين نتساءل هل الرواية الجزائرية فيها جدة وأصالة، فالروائيون الجزائريون متاثرون بمدارس الغرب، لماذا لا يخلق الروائي طريقة سرد جديدة من خلال قراءته المتبصرة للتراث؟
بدل اجترار نظريات الغير التي جاءت تعكس بيئتها رغم أن تاريخنا السردي يمتد إلى قرون «قصص القرآن الكريم، كليلة ودمنة، ألف ليلة وليلة».
والسؤال الثاني: هل الرواية الجزائرية فيها ملاءمة للبيئة؟
إني متيقن أن سبب عزوف الجزائري عن قراءة الروايات الجزائرية هي أنها روايات لم تكتب له فاللغة الجافة القاحلة والاستغراق في الجنس وتجاوز ما هو مقدس باسم حرية الإبداع التي لا حدود لها .
كل هذا يجعل القارئ المتشبع بتاريخه وموروثه الثقافي والحضاري ينفر من هذه الكتابات .
فقد استحق الكاتب البرازيلي «جورجي أمادو» أن يكون أديب الشعب لأن رواياته تنطلق من معاناة شعبه وتاريخه وثقافته وكذلك الكاتب العالمي «غارسيا ماركيز» جعل من أساطير أمريكا اللاتينية وبالخصوص كولومبيا مصدرا للإلهام فكانت الواقعية السحرية التي سحرت الغرب .
وختاما أرجو من كتابنا أن لا يستسهلوا عملية الإبداع فيجرون وراء كل نظرية أدبية باسم الحداثة الموهومة وفي نهاية المطاف لن يحصلوا لا على العالمية ولا حتى على المحلية .
هوامش
( 1) مهارات التفوق والإبداع للدكتور حسن حمدي ص 31
(2) نفس المرجع ص 23
الكاتب والباحث في التنمية البشرية :
*الجزائر
القدس العربي