صورٌ من المآسي السورية: مرضى وجرحى دون علاج
رزان زيتونـة
في مثل الأوضاع الحاليّة للسوريين، يمكن تفهّم أن يتم التعامل مع مآسيهم وفقًا للأولويات. إسعاف مصاب بطلقة قنّاص قبل توفير طرف صناعي لمن بترت قدمه بقذيفة؛ إجراء ولادة قيصريّة قبل علاج مريض من مرض مزمن. لكن إعطاء الأولوية للحالات الإسعافية والمستعجلة لا يعني تجاهل بقية الضحايا من المصابين والمرضى وتركهم لمعاناتهم أو موتهم البطيء.
ضحايا النظام من مشوّهي الحرب والمصابين بأمراض تحتاج لعناية وتكاليف كبيرة، لا يجدون في أغلب الأحيان من يمد لهم يد العون، على الرغم من أنّ هذا الأمر لا يحتمل التأجيل. فكل شيء ممكن أن ينتظر إلا الجسد حين يعلن عصيانه ويخذل صاحبه. ولا يمكن تفسير تجاهل معاناة من يحتاج إلى كرسي متحرك أو طرف اصطناعي، بحجّة “الأولويّة”.
على سبيل المثال، هناك مخيّم الزعتري في الأردن، حيث لا توجد فيه أيّة جمعيّة أو منظمة طبيّة عدا “جمعيّة العون”، وأخرى مختصة بالصم والبكم بدأت عملها حديثا في المخيم، وحيث تبقى مئات الحالات رهنًا بالجهد الفردي لنشطاء متطوّعين هناك.
ويصف أبو فيصل، وهو أحد أولئك النشطاء، الأوضاع هناك بالإشارة إلى أنّ “أيّ عمل تقوم به أي منظمة أو مجموعة يكون بالتنسيق مع نشطاء ميدانيّين، وبشكل عشوائي وغير منظم، لكن الجهد الأكبر هو نتاج عمل هؤلاء الناشطين، حيث تتم مساعدة مئات الحالات عبر هذه الطريقة”. لكن المأساة أنّ هذا يعني بقاء الحالات الأكثر صعوبة، والأعلى كلفة من دون عناية في أغلب الأحيان. فتكاد تنحصر العناية الطبية بالحالات الإسعافية وحالات الإصابات برصاص وقذائف النظام ممن ينقلون للمخيم بعد إصابتهم. وحتى هؤلاء، لا يجدون من يتابع حالاتهم بعد العمل الإسعافي، خاصة لمن يصابون بإعاقة دائمة.
ويبقى مئات المرضى ممن فرّوا نتيجة انقطاع الطرقات بينهم وبين أطبائهم أو لعدم وجود الأطباء، بلا علاج، خصوصًا تلك الحالات التي تحتاج إلى تكاليف وعناية كبيرتين. كما أنّ هناك نحو عشرين مريضًا بالسرطان في مخيم الزعتري لا يحصلون على علاج عن طريق أية جهة، بالإضافة إلى عشرات الحالات الأخرى من مرضى القلب والكلى الذين يحتاجون إلى عمليّات مستعجلة لا تغطيها أي جهة بشكل حقيقي ومباشر..
ويقول أبو فيصل، إنّ مرضى الأمراض المستعصية يعانون أيضًا من الإهمال الشديد، كالمصابين بداء “الفلاريا” وداء “كرون وانحلال البشرة الفقاعي”، و”التهاب الفقار اللاصق” وغيرها من الحالات النادرة؛ حيث لا تتوفّر لهم حتى العناية التمريضية للتخفيف من معاناتهم.
وحتى بعيدًا من الأمراض الصعبة والمكلّفة، ليس الوضع بأفضل كثيرًا. حيث يندر أن يخرج أحد من المعتقل من غير سلسلة من الأمراض الجلدية والداخلية التي تحتاج للعلاج لأشهر عدّة، يكون تجاهلها في معظم الأحيان خيارًا وحيدًا بالنسبة للمفرج عنه في ظل انعدام مصادر الدخل، وتعذّر الذهاب للمشافي العامة.
المبادرات الصغيرة لم تعد تجدي أو تكفي، ومن العار ترك هؤلاء لموتهم البطيء أو لمعاناة مع المرض يمكن تجنّبها في حال توفر الدعم والتنظيم الكافيين.
“يبقى مئات المرضى ممن فرّوا نتيجة انقطاع الطرقات بينهم وبين أطبائهم أو لعدم وجود الأطباء”
موقع لبنان الآن