صفحات سورية

صيف سورية الملتهب


فرمز حسين

شتاء سورية الدامي الطويل، ربيعها المحذوف من التقويم، صيفها الملتهب الخانق وخريفها الكئيب الذي نتمنى أن لا يعود إذا كان مشابها للخريف المنصرم.

 سورية وهذا العالم المسعور من حولها، امتحان سقط فيها الكثيرون حتى الآن.

الغرب خان الروس وفق حساباتهم فيما يتعلق بالتدخل العسكري في ليبيا وخاض حربا منظمة أدت إلى الإطاحة بحكم القذافي استنادا إلى قرار أممي وافقت عليه روسيّا في مجلس الأمن، اتخذ كمشروع لمساعدة المدنيين ومنع قوات القذافي من الفتك بهم.

الآن أمام حكام روسيّا الفرصة الوحيدة لإعادة الثقة بأنفسهم ذلك من خلال التشبث ببقاء النظام السوري الحليف التقليدي،المستورد الكبير للسلاح الروسي والحاضن للقاعدة البحرية الروسية الوحيدة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كل هذا فان روسيّا التي كانت يوما ما إحدى أقطاب القرار العالمي في نظام كان بوتين نفسه ضابطا في استخباراتها، مازالت تعاني من أزمة سيكولوجية العظمة. الدواعي النفسية التي تغذي الغرور الذي يعاني منه بوتين بممارسة السلوكية السياسية التي نراها في الشأن السوري تزداد من خلال عوامل عديدة منها تصوره بأن ذلك سوف يعزز شعبيته عند الجمهور الروسي من خلال ملامسة مشاعرهم القومية بقدرة روسيا على تحدي أمريكا، كذلك أوجه الشبه الكبيرة بين ما فعله هو في الشيشان وما يفعله الأسد بشعبه، علينا أن لا ننسى أيضا تشتت المعارضة وضعفها والخشية من سيطرة تيارات إسلامية متطرفة على مقاليد الأمور في سورية فيما إذا سقط النظام، من جهة أخرى هناك هشاشة الموقف الغربي نفسه خاصة الأمريكي،الضبابية، انعدام الوضوح في الرؤية المستقبلية والافتقار للخطوط العريضة لملامح سوريا ما بعد الأسد. كل العوامل الأنفة الذكر تجعل بوتين وصحبه متمسكين بموقفهم من الأزمة السورية.

الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة أوباما لن تقدم على أية خطوة قد تكون غير محمودة العواقب والأمر حسب رأيي ليس كما يعزيها الكثيرون إلى الانتخابات الأمريكية القادمة بل هو التوجه السياسي العام لإدارته منذ تولي أوباما الحكم فهو يبذل المستحيل في سبيل تجنب المواجهة بأي ثمن حرصا على الأمن القومي الأمريكي حسب تصوره.

 الموقف الروسي كان ومازال ثابتا حيال الأزمة السورية ولم يتغير قيد أنملة في الوقت الذي أمريكا لها موقف مغاير كليا لكنها لم تقدم على خطوة جريئة تتناسب وحجمها كدولة عظمى.

يقول بو انغي أندرسون معلق السياسة الخارجية في التلفزيون السويدي الرسمي في الموقع الالكتروني للتلفزيون المذكور: بأن بوتين و أوباما لديهما رؤى مختلفة كليا عن بعضهما البعض فيما يتعلق بإيجاد حل للأزمة السورية وخلف الكلمات الجميلة في تصاريحهما معا بأن هناك قواسم مشتركة كثيرة أثناء اجتماعهم مؤخرا في لقاء مجموعة العشرين خواء كبير. بوتين وأوباما ليست لديهما أية رؤية مشتركة. قولهما بأن العنف يجب أن يتوقف وبأن الشعب السوري من حقه اختيار من يحكمه ليس سوى كلام أجوف لا يعني من الناحية العملية شيئا البتة.

 هناك أنظمة تحصد النقاط الايجابية من خلال استمرار عجلة العنف السورية في الدوران، روسيّا تستعيد زهوها العالمي، إيران تكتسب ثقلا ملحوظا في توازناتها الدولية وزخما في متابعة تطوير برنامجها النووي من خلال انهماك العالم بالشأن السوري، إسرائيل تستفيد في كل الأحوال من خلال الآثار السلبية التي ستخلّفها الاضطرابات الدامية على سورية.

 هاهو شعبنا البطل يروي وينعش من دماءه الذكية أنظمة ودول. لكن الحقيقة تبقى منقوصة إذا ألقينا باللائمة كلها على العالم الخارجي وسياسته حيال ما يحدث في الوطن بل علينا المصارحة بأن المعارضة السورية بمختلف أطيافها لا تبذل جهدا حقيقيا يذكر في سبيل توحيد قواها ودحض ادعاءات المجتمع الدولي بأنه لا يمكن الاعتماد عليها كبديل لنظام الأسد. سلوكية القيادات المعارضة الفجة تشكل بحد ذاتها مساهمة في استمرار النزيف الدموي الذي يعانيه شعبنا.

 بوتين يتعجرف، أوباما يتخاذل، بقية العالم يتفرج، بينما الأسد يغير الحكومة تلو الأخرى ويحدث وزارة للمصالحة الوطنية في الوقت الذي تستمر قواته في دك المدن والبلدات الثائرة بالمدافع وترتكب المجازر المروعة بحق شعبنا السوري العظيم الذي يسطر ملحمة بطولية نادرة تشكل منعطفا تاريخيا، عاجلا أم آجلا سوف تحطم السد المصطنع ومن يسندها بسيل دماءهم الذكية الذي سيطيح ليس بالنظام البعثي فحسب بل بأنظمة عديدة.

 مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى