ضائقة سورية
حازم الأمين
التقيت برجل أعمال سوري من مدينة حلب، ممن لا يرغبون بسقوط النظام في سورية. ليس قريباً من الجهاز السياسي او الأمني الحاكم، لكنه ليس خصماً له، لنقل انه سوري من غير المتضررين من النظام. لكن ما لفتني في الرجل هو ضراوة ما يكنه من ضغينة لسياسيين لبنانيين ظهروا على شاشة التلفزيون السوري ليدافعوا عن النظام في بلده، وهو قدم وجهة نظر بهؤلاء تستحق ان تناقش. ففي رأيه ان هؤلاء يتحدثون من خارج اللغة اليومية التي يتبادلها السوريون، ويستعينون بقاموس لا يمت الى الانقسام السوري بعلاقة أو صلة. يقف واحدهم ويدعو الرئيس السوري الى الكف عن ما سماه “سياسة الاحتواء التي يعتمدها مع المندسين” والى انزال الجيش الى ساحة المواجهة معهم. فيما يلوح لبناني آخر باشعال المنطقة من المحيط الى الخليج في حال تعرض النظام في سورية للخطر.
يقول صديقنا رجل الاعمال السوري، ان السياسيين والاعلاميين اللبنانيين ضيوف التلفزيون السوري، لا يفعلون ذلك فقط لأنهم جزء من آلة يستعين بها النظام في محنته، انما أيضاً لأنهم غرباء، فلعنف النظام في سورية مضامين مختلفة عن عنفه في لبنان. هناك في سورية العنف أخرس، وهو يشتغل بموازاة تسويات في الخطاب وفي اللغة وفي العلاقات اليومية. لا يمكن لسوري مهما كانت علاقته بالنظام متينة ان يدعو الاسد الى مضاعفة عنفه في مواجهة المتظاهرين، ولا يمكن له أيضاً ان يهدد المنطقة من المحيط الى الخليج.
شغلتني وجهة نظر رجل الاعمال هذا ليومين متتالين، وقررت ان اختبرها، واكتشفت وجاهتها. فالمحللون السياسيون السوريون وأعضاء مجلس الشعب السوري الذين تستضيفهم الفضائيات، والذين صاروا اليوم نجوماً سلبيين بسبب ركاكة حججهم وهُزال منطقهم، هؤلاء يحرصون دائماً على ختم هذيانهم على الشاشات بميل الى تسوية ما، او الى تمييز بين متظاهر و”مندس”. بعضهم مثلاً يعترف باحتمال خطأ ارتكب، وبعضهم يحاول ان يبتسم. يُخلف هؤلاء بالمواطن السوري رغبة في الضحك والاستخفاف، بينما يخلف اللبنانيون منهم غضباً وغيضاً. المواطن السوري غير المعادي للنظام يشعر ان هؤلاء اللبنانيين يعرضون لغة التخاطب اليومي في بلده الى مخاطر واحتمالات، فيما يكتفي بإبداء عدم الرضا حيال اداء مواطنيه من محللي النظام ومقربيه الذين يظهرون على شاشات التلفزيون. اما الغالبية المحتجة فغيضها أكبر من دون شك. فالتجرؤ على الدعوة الى مزيد من الدماء، هي ذهاب الى ما بعد العنف الممارس عملياً، وسقف العنف اليومي هو ذروة يبلغها النظام كل يوم، اما الدعوة الى مزيد منه، فقد تطلب ما بعد الذروة، وهو ما تعتمده السلطة في اليوم الثاني، فيما يسبقها اليه ويتفوقون عليها به من يدعونها الى القيام به قبل يوم او يومين من حصوله.
عشرات النكت والطُرف تناقلها السوريون عن محللي النظام من مواطنيهم، فيما لم نسمع طرفة واحدة عن مفوهي نظامهم من اللبنانيين، ذاك ان كلام هؤلاء هو من ذلك النوع الذي يشطب الحناجر عندما تعيده على شكل طرفة.