ضاعت فلسطين..ضاعت سوريا/ حسين عبد الحسين
مع عملية “درع الفرات” ودخول الجيش التركي لفرض منطقة نفوذ تابعة لانقرة في الشمال السوري، أصبحت تركيا آخر القوى التي حجزت لها مساحة على الارض السورية، بعد إيران وروسيا والولايات المتحدة، وحتى ألمانيا، التي تسلّح بعض الفصائل الكردية.
وتكمن المفارقة في ان الغالبية الساحقة من الشعب السوري هي من العرب، سنة وعلويين ومسيحيين ودروز وشيعة واسماعيليين ويهود وغيرهم، وأنه -على الرغم من انخراط ضباط ايرانيين وقوات روسية خاصة وميليشيات شيعية افغانية في الحرب السورية- تبقى الغالبية الساحقة للمتقاتلين السوريين والاجانب من العرب.
لكن على الرغم من ان الحرب تجري على ارض العرب وبأيديهم، الا ان مستقبل سوريا وحربها ليست في ايديهم، ونتائج هذه الحرب ستصب في مصلحة قوى غير عربية في الغالب، وهو ما يجعل من العرب، وخصوصاً السوريين، وقوداً لصراع دولي لن يخرج العرب منه منتصرين كيفما دارت دفة الحرب.
من المسؤول عن هذا الضعف العربي الذي سمح لأمم العالم تحويل ثورة سلمية الى حرب عالمية؟
الاجابة ترتبط بالثقافة الشعبية السائدة في المشرق العربي والعراق، حيث لا يتصور المواطنون انفسهم انهم مواطنون متساوون امام القانون، بل يتصرفون كقبائل لا تمانع بالاستعانة بقوى خارجية للتغلب على خصومها الداخليين، وهذه آفة ليست حديثة، بل قديمة قدم التاريخ، منذ ان استعان فينيقيون بالمصريين ضد الآشوريين فوجدوا انفسهم لاجئين في قبرص.
وسياسة الاستعانة بالغريب للاستقواء على الآخرين اتقنها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي ارهق دول الخليج العربي بابتزازه المتكرر لها في موقفه تجاه الجمهورية الاسلامية في ايران، ففيما تكاتف العرب للوقوف في وجه المد الايراني، وجد الأسد فرصة لاستخدام خوف العرب لابتزازهم، وهو فعل ذلك بمهارة كبيرة أدّت الى اعتراف العالم والعرب بابتلاعه لبنان بأكمله.
لكن يبدو ان الولد بشّار ليس سرّ ابيه، فهو لم يفهم لعبة التأرجح بين القوى العالمية والاقليمية، بل القى بنفسه في احضان ايران ليستعدي العرب، فانتهى به الأمر ان سلّم شماله الغربي للروس، والشمال للاتراك، وشماله الشرقي لاميركا، وباقي البلاد للايرانيين، ولم يبق في ايدي الأسد الا بضعة احياء يحكمها في جوار قصره الرئاسي.
هكذا تحول آل الأسد من لاعبين على المستوى الاقليمي الى ضحايا صراع اشعلوه فابتلعهم. وهكذا تحول العرب، في سوريا بعد لبنان، الى مقاتلين مرتزقة يقاتلون باسم من يسدد مرتباتهم، من دون ان تكون لهم كلمة في بلادهم.
وكما دخل “حزب الله” متردداً الحرب السورية على عكس رغبته، بعدما استدعى مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي امين عام الحزب حسن نصرالله الى طهران وطلب منه التدخل، كذلك صار عرب سوريا، الذين يقاتلون الى جانب الأسد او ضده، يقاتلون ويحجمون على القتال بحسب اوامر قوى خارجية غير عربية، وهذه الاخيرة تصدر اوامرها الى مقاتليها العرب والكرد في سوريا حسب مصالحها، لا حسب مصالحهم.
في الذاكرة العربية انه بعد دخول جيش الانقاذ العربي فلسطين في منتصف مايو/ايار ١٩٤٨ لاستعادتها من الاسرائيليين، رفض مقاتلو الجيش العراقي مراراً الانخراط في المعارك المستعرة، وكانوا يرددون بلهجتهم “ماكو (لاتوجد) اوامر”. رئيس حكومة العراق وقتذاك محمد الصدر، لم ير في فلسطين السنية ما يستدعي تدخلاً شيعياً، وهو كان يخشى أن يؤدي اي تدخل عراقي جدي في حرب فلسطين الى تفضيل الانتداب البريطاني لنوري باشا السعيد بدلاً منه. هكذا ضاعت فلسطين، فيما حكام العراق منغمسون في مناكفاتهم الشخصية، وهكذا ستضيع سوريا على الارجح لأن عربها، وفي طليعتهم الأسد، يفضلّون احراق البلد على ان يتصرفوا بحكمة ووطنية وحرص على مصلحة شعبهم وبلادهم، فيبقون وقود حرب تقتل ناسهم، بأيديهم وعلى ارضهم، وهم لم يعد لهم ناقة ولاجمل في هذه الحرب المستمرة.
المدن