ضحايا الدعاية السورية
عبد الرحمن الراشد
منذ بداية الأزمة السورية، لعب الجانب الدعائي دورا مهما للجانبين، لكنه كان أكثر أهمية وفعالية ونجاحا لنظام بشار الأسد. وأزعم أن «البروباغاندا»، رغم فشلها في إيقاف انتفاضة الإنسان السوري، فإنها مدت في عمر النظام زمنا إضافيا طويلا أكثر مما حققته قواته وشبيحته على الأرض.
ومن آخر الأكاذيب ما بث عبر وكالة «رويترز» قبل أيام من حديث منسوب لقائد الجيش الحر رياض الأسعد. الحديث كله ملفق يقول فيه بمقتل ألف من أفراد قواته وهزائمه. ولم تكن تلك الكذبة الأولى؛ حيث يوجد جيش من العاملين للنظام ينتجون الأكاذيب.. لا يكتفون بالتعليق والرد وترويج مواقف النظام في الإعلام، بل يقومون أيضا بتزييف الصور والأخبار وبلغات متعددة برسائل مختلفة. فالدعاية الموجهة للغرب تركز على أن الثوار إرهابيو «قاعدة» وحفنة من المتطرفين الإسلاميين. والدعاية الموجهة للعرب تقول لهم إن ما يحدث ضد نظام الأسد ليس إلا مؤامرة أميركية – فرنسية. والرسائل الموجهة للسوريين أيضا مختلفة؛ للمسيحيين يقال إنهم مستهدفون من إسلاميين، وللسوريين الموالين للثورة يقال لهم إنها مؤامرة على العرب والإسلام وإن إسرائيل خلفها، ويزعم العثور على أسلحة إسرائيلية مع الثوار. وهناك نشاط دعائي موجه للثوار أنفسهم لضرب بعضهم ببعض، أو تقديم معلومات مضللة؛ ففي معركة الحفة، وهي بلدة قريبة من اللاذقية استولى عليها الثوار، وجهت لهم رسائل عبر الإعلام مزعومة على لسان الجيش الحر بالانسحاب تكتيكيا، وبالفعل انسحب المقاتلون منها معتقدين أنها أوامر قيادتهم، كما ذكره مسؤول في الجيش الحر لـ«الشرق الأوسط».
لهذا، لا أستغرب عندما أسمع سياسيين أو إعلاميين في الغرب يتبنون وجهة النظر الرسمية للنظام السوري بناء على الكم الهائل من الأكاذيب التي تصل إليهم، والأكثر غرابة أن الإعلام الروسي الموجه للخارج، يقوم بتدوير المواد الدعائية التي ينتجها إعلام نظام الأسد، ويزيد عليها باجتهاد لا مثيل له.
إنما أستغرب عندما أسمع من يردد دعاية النظام السوري من باحثين ومدونين بيننا، رغم سهولة امتحان الحقيقة بالنسبة لهم. وعندما كتب الأستاذ سلطان القاسمي مدعيا انحيازنا وتزويرنا الفيديوهات والأخبار لجانب الثوار ضد النظام، ظننت أنها من إنتاج دعاية نظام الأسد. لم يرتكب أخطاء فادحة فحسب؛ بل أثبت أن النظام السوري ناجح في تضليل العرب المتعلمين والمتابعين. ما كتبه لا يقبل أن يقال حتى قبل عام عندما كانت الانتفاضة في بدايتها، فالحقائق في المسألة السورية واضحة لنا في المنطقة بغض النظر عن ميولنا وانتماءاتنا.
ما يفعله النظام السوري أكبر من الحقيقة البشعة التي تعرض بكثير، وبدرجة يعجز المرء أحيانا عن تصديقها، رغم وجود كم ضخم من الصور والفيديوهات التي تنشر يوميا من مناطق المعارك المنكوبة.
من حقائق الحدث السوري التي لا يصدقها كثيرون اشتراك إيرانيين وروس إلى جانب قوات النظام في المعارك منذ أكثر من عام، ونحن نعلم عنها مبكرا، لكن القليل من الأدلة يمكننا تقديمه. وحتى عند تقديمها، فإن إعلام النظام نشط في التشكيك فيها وتحويلها من قضية مرتزقة قتلة إلى قضية أناس مظلومين.. كما عالج قصة الحافلة التي خطفها الثوار قبل أيام.. فيها مقاتلون من الحرس الثوري.. فالنظام سارع للادعاء أنهم حجاج، ونحن ندري أن لا أحد يذهب الآن إلى سوريا للسياحة أو زيارة الأماكن الدينية، وجميع الذين ظهروا في الفيديو رجال في أعمار المقاتلين ولا يوجد بينهم نساء أو أطفال.
طبعا سهل على البعض التنظير والنقد عن بعد، واختصار كل ما يحدث في أنها مسألة سياسية بحتة، وتقسيم الجميع وفق محاور وقوالب محددة. في حين أن ما يحدث في سوريا أمر واضح للعيان، تؤيده كميات هائلة من الأدلة من الصدقية بحيث لا يمكن التشكيك فيها، وقد مر سبعة عشر شهرا على الحرب كافية لفحص الحقائق.
إن تبسيط الأمور للقارئ البعيد، بتسطيح ما يجري على أنها نشاطات إعلامية ضمن عداوات سياسية، ومن تدبير أنظمة، لن يلغي الحقائق الكبيرة الماثلة لأهل البلد أنفسهم أولا، وهو الأهم.
ولولا أن النظام السوري سيئ وشرير جدا ما استمر الناس يخاطرون بحياتهم بأنفسهم كل هذا الزمن.. يتظاهرون وهم عزل ويقاتلون دفاعا عن أهاليهم وأحيائهم. هذه ليست أكاذيب ولا أهواء ولا معسكرات سياسية.
وفي المقابل، لولا أن قوات الأسد غير مؤمنة بقضيتها، وتقاتل مرغمة، لكسبت منذ زمن بعيد، فالنظام يملك ترسانة هائلة من الأسلحة، وأكثر من نصف مليون جندي وأمني منخرط في القتال، ومدد لم ينقطع من جانب حلفائه، وهو الآن محاصر في عاصمته.
السرق الأوسط