طرائف روسية/ علي العبدالله
كشفت التصريحات والمواقف الروسية حول الاوضاع في سوريا وأوكرانيا وجود عالمين مختلفين ومتقابلين، الاول تعيش فيه سوريا والثاني تعيش فيه اوكرانيا، ففي الاول يحق لموسكو ان تزود النظام الذي قتل اكثر من 200 الف مواطن وجرح اكثر من مليون واعتقل اكثر من ربع مليون، مات منهم المئات تحت التعذيب، وحاصر الاحياء والمدن والبلدات وقطع عنها اسباب الحياة من غذاء ودواء وماء وكهرباء، وشرد اكثر من نصف السكان، وهدم أكثر من 40 في المئة من البيوت في المدن والبلدات والقرى، ولم يتورع عن استخدام كل اصناف الاسلحة الثقيلة والكيماوية والمواد السامة في قصف المدن والبلدات والقرى، من دون تمييز بين مدنيين ومقاتلين، يحق لموسكو تزويده بالأسلحة والخبرات والمستشارين العسكريين والتقنيين، وأن تشل مجلس الامن الدولي باستخدام حق النقض (الفيتو) اربع مرات لتحميه من المحاسبة على هذه الجرائم الموصوفة، هنا كل ضغط على النظام لوقف سفك الدماء يعني تدخلا في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، ينطوي على مخاطر المس بالقانون الدولي وخرق سيادة البلد ووحدة اراضية، وكل سعي لإدخال المساعدات الانسانية الى المناطق المحاصرة والمنكوبة فيه تجاوز لهذه السيادة والشرعية وخرق للقانون الدولي. بينما هناك في العالم الثاني، حيث يقيم مواطنون روس وناطقون بالروسية، فليس من حق الدولة الاوكرانية ان تتحرك لمواجهة حركات انفصالية هددت وحدة البلاد وسيادتها باقتطاع اجزاء من ترابها الوطني وأجرت فيه استفتاء وأعلنت عن نتائجه التي بينت موافقة الاغلبية على الانفصال عن الوطن الأم، والمطالبة بالانضمام الى روسيا، كما ليس من حقها استخدام القوة ضدهم لان في ذلك انتهاكا للقانون الدولي ولاتفاقيات جنيف الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، فالسوريون الذين قتلهم النظام بالصواريخ والدبابات والأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة وغاز الكلور ليسوا مدنيين، انهم ارهابيون، شعب كله ارهابي ولا يستحق الرحمة والشفقة والدعم والعدل والمساواة.
هنا في العالم الثاني ليس من حق كييف ان تستخدم القوة ضد الانفصاليين الذين احتلوا اجزاء من الوطن وأقاموا عليها سلطة امر واقع اعتقلت مواطنين وقتلت آخرين ممن لا يوافقون على الانفصال عن وطنهم الأم، فاستخدام القوة هنا عقاب غير مقبول او مسموح به، بينما استخدام القوة، والإفراط في استخدامها، هناك مبرر لأنه لا يستهدف شعبا طبيعيا، بل شعبا من الارهابيين.
هنا، في العالم الثاني، على السلطة ان تحاور الانفصاليين، وهناك في العالم الأول ليس ثمة حق للشعب السوري، المتمسك بوحدة ارضه وبلده وحدد مطالبه بتغيير النظام الظالم والقامع، بأي مطالب.
هنا في العالم الثاني ليس من حق كييف ان تعترض على قيام موسكو بإدخال مساعدات انسانية الى الاقاليم الشرقية، بينما هناك في العالم الاول ليس من حق سكان سوريا الحصول على المساعدات الانسانية من دون موافقة النظام وتحديده للجهة التي تستحق الحصول عليها.
في العالم الثاني يحق لملايين محدودة لا تتجاوز 15 في المئة من السكان المطالبة بحق تقرير المصير، بما في ذلك حق الانفصال عن الدولة الأم وإقامة دولة خاصة او الانضمام الى روسيا، بينما هناك في العالم الأول لا يحق لأغلبية السكان الخروج على الاستبداد والفساد والمطالبة بالحرية والكرامة وتغيير النظام السياسي الرازح فوق ارواحهم منذ عقود.
لقد تفاجأ كثيرون لإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأييده للانتخابات الرئاسية الاوكرانية والقبول بنتائجها، واستعداده للتعاون مع الفائز فيها، ظنا منهم انه يعكس تبدلا في الموقف الروسي من الوضع في اوكرانيا، بينما واقع الحال انه يسلف حلفاء النظام الاوكراني موقفا ايجابيا كي يقايضه في سوريا بالإقرار بشرعية الانتخابات الرئاسية هناك (قررت موسكو ارسال مراقبين لمراقبة الانتخابات الرئاسية السورية كي تمنحها شهادة النزاهة وتكرس مصداقية وشرعية النظام ورئيسه) والاعتراف بنتائجها والتعاون مع الفائز فيها.
في الاستفتاء على مصير جزيرة القرم وضمها الى روسيا خرقت موسكو ليس القانون الدولي فقط، بل وتعهدا روسياً أمريكياً بريطانياً لأوكرانيا وقع عام 1994 يتضمن حماية استقلالها ووحدة أراضيها مقابل تخليها عن الأسلحة النووية السوفييتية المنصوبة على أراضيها، في حين هي تعلن تمسكها بسيادة الدول والحفاظ على وحدة أراضيها ورفض التدخل في شؤونها الداخلية، غير المهددة اصلا في سوريا، تبريراً لدفاعها عن النظام السوري.
٭ كاتب سوري
القدس العربي