صفحات سوريةمصطفى اسماعيل

طرفة سورية : النظام هو الخصم والحكم


مصطفى اسماعيل

لم يتأخر رد النظام على الحراك الأخير للمجتمع الدولي, فأتبع مجزرة الحولة بمجزرة أخرى من الطينة نفسها والعيار الثقيل نفسه والهول نفسه, تاركاً للمجتمع الدولي مطلق الحرية في إصدار بيانات وتصريحات شديدة اللهجة في سيناريو يتكرر منذ بدء الثورة السورية, واشتدت حبكة السيناريو في الآونة الأخيرة بتحدٍ صارخ وسافر وواضح للنداءات الصادرة عن المجتمع الدولي المغلوب على أمره والمذهول أمام المشهد السوري الدامي والمفتوح على احتمالات كارثية.

مجزرة القبير أيضاً, كما المجازر السابقة عليها, أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك دوران المجتمع الدولي في حلقة مفرغة من العجز الشاهق أمام النظام الأمني العسكريتاري, غير الآبه بالمنظومة القانونية الدولية, والمنصرف كلية إلى ترتيب البؤر السورية الساخنة للثورة وفاقاً لحلوله الأمنية والعسكرية المغالية, مستفيداً في ذلك من تخبط المجتمع الدولي وعدم توافقه إلى الآن على حل سياسي للأزمة في سوريا.

وزيادة في السخرية من المجتمع الدولي والرأي العام العالمي, فإن النظام السوري هو أول من يندد بالمجازر التي يرتكبها ويتهم بها جماعات مسلحة أصولية سلفية, في محاولة منه لاستدرار العواطف والتضامن وتسويق نفسه بمثابته ضحية للإرهاب, رغم أنه ولعقود كان النوية الخصب لتفريخ وتصدير المجموعات الإرهابية.

بعد كل مجزرة يمعن نظام الأسد في رفع وتيرة سخريته من المشاعر الجمعية السورية والعالمية ومن المجتمع الدولي, من خلال لجوءه إلى تشكيل لجان تحقيق في الجرائم المرتكبة, وتكون نتائج التحقيق معروفة مسبقاً, ولهذا ربما لا ينتظرها أحد ولا يعول عليها أحد, نظراً لمعرفتنا الجيدة بأقانيم هذا النظام وممارساته طيلة عقود, وأيضاً لأن كل مؤسسات البلاد المدعوكة بإحكام خاضعة بالمطلق للسلطة التنفيذية التي تديرها الأجهزة الأمنية المتغولة للنظام, فلا قضاء مستقل في سوريا, ولم يحترم هذا النظام عقول السوريين يوماً, ولم يقدم للسوريين يوماً جرعة أمل في أن يكون شفافاً ونزيهاً وإن لمرة واحدة.

النظام يعلم أنه مفلس على جميع الجبهات, وأن رواياته غير قابلة للتصديق ومثيرة للضحك والقرف والاشمئزاز, لكنه تدرب طيلة عقود على تدبيج ما يهمه, وإطلاق العنان لسيناريوهاته السمجة الإيهامية, أليس من قبيل الطرفة والنكتة تشكيله لجنة تحقيق في مجزرة الحولة متخذاً في القضية التي أحدثت تحولاً في الأزمة السورية صفة الخصم والحكم ؟!.

إذا كان النظام بريئاً إلى هذه الدرجة كما يروج متباكياً على الضحايا, وإذا كان النظام مرتدياً قفازات حريرية بيضاء خلال الأزمة العاصفة المهولة منذ 15 شهراً, لماذا يمنع المراقبين الدوليين من الوصول إلى أماكن ارتكاب تلكم المجازر والجرائم ومعرقلاً لهم, ألا يحتاج إلى صكوك براءة وتطهر من الاقترافات الدموية, ولماذا لا يسمح للصحافة والإعلام الحر بالدخول إلى المناطق السورية الملتهبة ؟.

تقودنا السياقات الدموية الراهنة إلى التذكر بألمٍ تحقيقات النظام الأحادية المبرمجة التهريجية في اختطافه وقتله للعلامة الكردي الشيخ محمد معشوق الخزنوي, وإلى انعدام التحقيقات في أحداث 12 مارس/ آذار الدامية في المناطق الكردية عام 2004 وإلى انعدام التحقيقات في قضايا مقتل العشرات من المجندين الكرد أثناء أدائهم للخدمة العسكرية الإلزامية في ظروف غامضة.

أما وأن النظام قد فقد شرعيته في الداخل والخارج, فإن المطلوب الوحيد منه هو قيامه بإعداد ملفات دفاعه عن النفس في محكمة الجنايات الدولية, وقد تلطخت يداه بدماء الآلاف من السوريين الأبرياء العزل, إضافة إلى الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً والمهجرين.

لحظة الحقيقة قادمة عاجلاً أم آجلاً ومكان النظام الطبيعي هو في سلة مهملات التاريخ وفي قفص الاتهام في إحدى المحاكم السورية أو أمام القضاء الجنائي الدولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى