صفحات العالم

طهران وموسكو من التفاهم إلى التحالف؟


حبيب فياض

فيما تقترب أزمة إيران النووية من مراحلها الحاسمة والمشرعة على أكثر من احتمال، تدخل الأزمة السورية مرحلة جديدة من الاحتدام الدولي والإقليمي. وبين الأزمتين تشهد العلاقات بين طهران وموسكو مستوى جديداً من التعاون والتنسيق. الأمر بالنسبة للجانبين يتخطى التقارب في وجهات النظر حيال موضوعات مشتركة، ويتصل بحاجات متبادلة يتحدد على ضوئها حجم كل منهما على خريطة إقليمية قيد التشكل.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في طهران. الزيارة، في الحسابات الإيرانية، تأسيسية وترتقي بالعلاقات بين الجانبين من مستوى التفاهم الرتيب إلى حيز التحالف الفعال. وتفيد أوساط إيرانية متابعة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن دور إيران الإقليمي بات، في هذه المرحلة، عنصراً أساسياً في تحقيق موسكو لأهدافها الإقليمية، وأن الزيارة هذه إنما تعكس رغبة جدية من قبل موسكو بإنشاء شراكة فعلية مع طهران لمواجهة الغرب الأطلسي في المنطقة.

هذا النحو من تعزيز العلاقات بين الجانبين، سينعكس بشكل واضح على مفاوضات موسكو المرتقبة حول ملف إيران النووي. انتقال موسكو في جولة التفاوض المقبلة، على ما تشير التقديرات، من حيز الوسط باتجاه الانحياز إلى جانب طهران، سيشجع هذه الأخيرة على التشدد وامتناعها عن تقديم تنازلات. الانحياز هذا يفرضه اعتباران أساسيان في الحسابات الروسية. أولاً، لا مصلحة للروس بطي هذا الملف وإنهائه سلمياً ما دام يتيح لهم العودة إلى الساحة الدولية كقطب دولي فاعل. ثانياً، ليس من مصلحة موسكو إعطاء الغرب امتياز تجاوز المعضلة الإيرانية في وقت تتسع فيه هوّة الاختلاف الروسي – الغربي على غير صعيد وملف.

إلى ما تقدم، سيشكل إعلان طهران عن نيتها صناعة غواصة تعمل بالطاقة النووية عاملاً إضافياً في ترجيح فشل مفاوضات موسكو. الغرب سيعتبر الأمر استخداماً نووياً في مجالات عسكرية. فيما ستعتبر إيران أنه مجرد استخدام للطاقة النووية السلمية في مجالات عسكرية تقليدية.

غيران الملف السوري ما زال يشغل موقع الأولوية، في الحسابات الاستراتيجية الروسية والإيرانية. الجانبان أكدا من طهران رفض التعامل مع الأزمة السورية على الطريقة اليمنية أو الليبية. مصادر مطلعة أفادت أن لدى كل منهما مخاوف جدية من عمل عسكري مفاجئ يستهدف سوريا ويضعهما أمام أمر واقع مختلف وموازين قوى جديدة. المصادر نفسها أفادت أيضاً عن توافقهما على خطة مشتركة في حال تعرض دمشق لأي تدخل عسكري من قبل الأطلسي أو غيره. التصعيد الغربي في التعامل مع هذه الأزمة يدفع الطرفين نحو التنسيق الفعلي والتشدد في الوقوف إلى جانب النظام السوري. ويبدو أن إصرار موسكو على إشراك طهران في المؤتمر الدولي المقترح من قبلها لحل الأزمة السورية إنما هو خطوة نحو تشكيل جبهة دولية داعمة لسوريا مقابل الجبهة الغربية المعادية لها. الخطوة تهدف أيضاً إلى خلق مخارج سلمية لهذه الأزمة بديلا من الخيارات التصعيدية المعتمدة من قبل خصوم دمشق.

من المتوقع أيضا أن ينعكس التقارب بين موسكو وطهران مزيداً من الفتور على العلاقات بين الأخيرة وأنقرة. التقارب هذا بات ضرورة لطرفيه رداً على ما يستهدفهما من تحالف بين تركيا والغرب. منظومة الرادار الأطلسية على الأراضي التركية أثارت حفيظة كل من الجانبين الإيراني والروسي. وأيضاً كل منهما يعتبر أن الدور التركي في آسيا الوسطى بمثابة تسلل إلى حديقتهما الخلفية، هذا فضلا عن رفضهما الكامل للدور الذي تلعبه أنقرة في الأزمة السورية.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى