طوبى للواضحين/ رشا عمران
“طالما عراق الحسين وعلي بخير فسورية ستبقى بخير”. وردت هذه الجملة تعليقاً على منشور في “فيسبوك” لمثقف عراقي، يمتدح فيه “الجيش العربي السوري الذي يحارب الإرهاب منذ خمس سنوات”. لا بأس، يمكن تفسير منشور المثقف موقفاً سياسياً تختلف أو تتفق معه، فهو لم تتلطخ يداه بالدم السوري، وهو مقيم في أوروبا منذ سنوات، وربما لا يعرف ما يحدث في سورية. كان يمكن التفسير هكذا، لو أنه لم يحذف التعليقات المخالفة لرأيه، والتي يشرح أصحابها حقيقة الموقف في سورية. كان يمكن التبرير له أيضاً، لو أنه لم يترك تعليقاً فاضح الطائفية، كالتعليق السابق، ولو أنه لم يضع علامة الإعجاب على تعليق آخر يحيي (سورية الأسد).
يطرح مثقف مصري كبير السؤال التالي: ماذا يحدث في سورية؟ لم نعد نفهم ما يحدث، تحاول أن تبدأ معه منذ البداية، فتقول: بدأت الثورة سلمية وشعبية، تطالب بأبسط حقوق البشر كما حدث في مصر وتو..! يقاطعك مباشرة: “بس ما تقولش ثورة، في سورية ما حصلتش ثورة زي اللي حصلت في مصر”. تبتلع غضبك وتسأله بهدوء: ما الفرق؟ يجيبك: سورية بلد فيه طوائف عديدة، وفي بلد مركب طائفياً وعرقياً كسورية أية حركة احتجاجية هي حرب أهلية، مصر أمة متجانسة، وحراكها حراك ثوري. لهذا انتصرت الثورة. تسأله عن ملامح انتصار الثورة في مصر، فيجيبك مباشرة: أسقطنا النظام في أقل من عشرين يوماً، هكذا تكون الثورات الشعبية، في سورية لم يتحرك الشعب، من تحرك هم مجموعات إرهابية تكفيرية. تحدثه عن مئات وآلاف الشباب المدنيين الجامعيين والأكاديميين الذين تعرفهم، والذين تم اعتقالهم والتنكيل بهم، يقاطعك: “دول شوية عيال مغرر بيهم، عندكم الإرهاب هو اللي اتحرك”. تصمت وتنظر إلى نفسك، وتتذكر مئات الآلاف من السوريين (الإرهابيين) الذين تعرفهم جيداً، والذين كانوا يملأون ساحات دمشق والمدن السورية الأخرى، غناء ورقصاً وفرحاً واحتفالاً بالحياة.
يشتمك مثقف فلسطيني “صديق” ما زال يعيش على نوستالجيا منظمة التحرير، وعلى واقع حزبٍ طائفيٍّ احتكر اسم المقاومة، وتحول إلى أداة قتل للسوريين الثائرين، لأنك تحيي الانتفاضة الفلسطينية الجديدة، وتقول إن مصير فلسطين وسورية واحد، وأنه ما لم تتغير المنظومة الاستبدادية العربية، أولاً، في الدول المحيطة بفلسطين، لتشمل كل المنظومة العربية الفاسدة والعميلة، لن يتحقق الانتصار المأمول للفلسطينيين، أو لأي شعب عربي آخر. يشتمك صديقك الفلسطيني المثقف، ويتهمك بالخيانة والعمالة للغرب والاستعمار والبترودولار، وبالمزاودة على القضية الفلسطينية التي لا تشبه أية قضية أخرى، ولا تقارن بما يحدث بسورية، ولا بثورتها التي أنجبت خونة، واستجلبت الإرهابيين من كل الأرض، والتي يضحّي نظامها بنفسه، من أجل حمايتها من الإرهاب.
تقرأ على “فيسبوك” منشورات لمثقفين توانسة، معروفين بمناصرتهم الأسد، يفاخرون بتونس، الدولة العلمانية التي قضت على الإرهاب في أرضها، وأنت تتذكّر الحكايات عن آلاف التوانسة المنتمين إلى داعش، والذين يفتكون بالسوريين المدنيين في الرقة، وغيرها من المدن السورية التي تحتلها داعش.
ترى صورة لمثقف سوري في دمشق، في قلب مسيرة تحيي (الجيش الروسي العظيم)، وهو يحمل بفخر صورة تجمع بين بوتين والأسد. وتقرأ منشورات لمثقف سوري آخر، يحيي فيها ما يسميه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بوصفه المنتقم للسوريين من نظام الأسد الطائفي. تقرأ منشورات أخرى لمثقف سوري (علماني)، يحيي تنظيمات القاعدة في سورية، ويبارك ما يسميه انتصاراتها.
يمكنك الحديث عن مثقفين لبنانيين ومغاربة وجزائريين وأردنيين، لا يرون في كل ما حصل في سورية سوى الإرهاب.
يمكنك الحديث عن كثير من هذه النماذج المثقفة التي تدعم الاستبداد السياسي والديني والعسكري، تحت أقنعة الثقافة والعلمانية والعروبة والوطنية والمقاومة، بينما تخفي، تحت أقنعتها هذه، فاشية طائفية وقومية وأيديولوجية، لا تختلف بتاتاً عن فاشية الاستبداد بوجوهه كافة، فتقول: طوبى للواضحين، وتصمت.
العربي الجديد