“طوق العمامة” يطوّق المنطقة الاقليمية بالصراعات المذهبية
وضاح شرارة: حكم الملالي يضطهد السنّة والأكراد
جوزف باسيل
“طوق العمامة” يطوق المنطقة الاقليمية كلها بالصراعات المذهبية والاتنية، ويفرض حروبه الصغيرة تحت شعارات تاريخية كبيرة، ويمارس الاضطهاد على السنة كمذهب مغاير لمذهب الدولة بشكل مستمر، وعلى القوميات المختلفة التي وقعت تحت حكم الولايات الفارسية “الصافية” المحظية في السلطة الايرانية… حتى القتل. كتاب “طوق العمامة” لوضاح شرارة يورد ارقاماً واحصاءات عن توسع التفرقة بين الملالي والشعب، وبين الشيعة وبقية المذاهب، وبين الفرس وبقية الاقوام، انها سلطة تحكم قبضتها بالقمع والاضطهاد.
ما هو الواقع السياسي المذهبي والقومي
في ايران؟
إن السلطة ذات القومية الفارسية والمذهب الجعفري الاثني عشري، حكما تمارس الاضطهاد على بقية القوميات والمذاهب التي تتشكل منها الديموغرافيا الايرانية. ويظهر التظلم القومي اشد من المذهبي. لذلك تعمد القوميات والمذاهب المغايرة لقومية السلطة ومذهبها الى المواجهة ولا تستكين، بل تناضل من أجل حقوقها. وتلجأ القوميات الى اعيادها الوطنية ذريعة لطروحات يعتبرها النظام مناهضة له.
والاحوازيون هم طليعة الكتل القومية التي تدافع عن وجودها في وجه محاولة تغيير ديموغرافيا منطقتهم، اذ تعمد السلطة الى عمليات نقلهم الى اماكن اخرى لتشتيتهم ككتلة قومية، واجراء نقل معاكس الى مناطقهم، وفي كل سنة يحتفلون بـ”يوم الغضب” ويجددون تعاهدهم على مقاومة تذويبهم في هوية وطنية او قومية وثقافية واحدة تنكر على اقوام ايران هوياتهم الخاصة.
يحاول الايرانيون ان يثبتوا انهم ليسوا رعية من القصَّر “لينتصب ولي ملهم وصياً عليهم وقائداً يدّعي مناجاة إمام الزمان، ومكاشفته على حدة من الشعب الايراني ومن هيئات دولته”.
يروي شرارة الحراك اليومي للمعارضة الايرانية السلمية والمسلحة، وارتكابات السلطة الايرانية في ردها على المعارضتين. ما يوحي ان التناقض الكبير بين الاتنيات والمذاهب تجاوز المسألة السلمية الى حالات امنية وارهابية تتدخل فيها دول المنطقة المجاورة كباكستان وافغانستان وحتى العراق.
إن “الربيع الايراني” واجهه الحرس الثوري بالقمع بناء على تهم جاهزة بالعمالة والخيانة، ويقول شرارة ان “الحكم الذي يقتل متظاهريه وناخبيه ويعاقبهم بسرقة اصواتهم وكم الافواه وحظر الإعلام والكذب، عقاباً على اقتراعهم لجناح آخر من الحكم، هذا الحكم يسعى في الاستيلاء على معنى فلسطين المفترض ويتوسل باستيلائه الاول على استيلاء ثان على السياسات الوطنية والاقليمية العربية”.
وهو يغوص كثيراً في معتقدات وخرافات من اخبار واقوال مثيرة احياناً ومملة اخرى. ويعرض اذرعة ايران في المنطقة، خصوصا “حزب الله” في لبنان، ويتوقف عند حرب تموز، ومن نتائجها “تولي القوى الاهلية الشيعية المسلحة، غداة الجلاء السوري العسكري، دوام ازدواج الدولة وما ينجم عنه من تعليق السلطات والهيئات وإبطال مفاعيل قراراتها ومفاعيل سياستها الجديدة والمستقلة، وأداة الازدواج ودوامه هي “المقاومة” الوطنية والفلسطينية والعربية والاسلامية، تباعاً ومعاً”.
يتتبع الفصلان الاول والثاني سياسات الدولة الملِّية الخمينية في المسألة المذهبية (سنية خالصة) والمسألة القومية (بتعدد القوميات والاتنيات في ايران) وتغلب المسألة المذهبية على القومية حين لا تتحدد المسألتان في واحدة على ما هي الحال في بلوشستان. يتناول الفصل الاول بأقسامه الاربعة بنية دولة ايران المذهبية والعصبية القومية وترسخها في سياق الاعوام العشرة الاخيرة، اما جراء المنازعات والازمات الداخلية واما جواباً عن اطوار اقليمية ودولية اضطلعت بها السياسة الايرانية بدور سياسي او امني راجح او ثانوي.
ويعرض الفصل الثاني في ست فقرات “منازعات الداخل الايراني” اي وقائع الخلافات بين كتل السلطة في اطوار احلافها المتعاقبة والمتغيرة بين 2005 و2012، او بين كتل السلطة وبين جماعات الايرانيين وحركاتهم السياسية الانتخابية والاجتماعية. فالداخل الايراني مسرح يعج بالمنازعات التي خلفتها محاولات جمع مؤسس الدولة الملِّية الإمامية اضداداً تعصى على الجمع، وصوغ خلفائه صيغاً للتوفيق بين المنازع، اثارت مسائل جديدة وعويصة، لعل الصيغة النووية اشدها ظهوراً وجدة.
ولا يحيل تعقب حوادث النظام المراقب الى صورة ساكنة وخادعة، على ما تبدو عليه حالها في الانظمة الاستبدادية الاخرى. فالحوادث او المنعطفات كبيرة او حادة وترتبت عليها تداعيات خطرة، كتلك التي نجمت عن نهاية ولايتي خاتمي وابتداء ولايتي محمود احمدي نجاد.
وبعنوان “آلة الحروب الاهلية – الوطنية” يقتفي الفصلان الثالث والرابع السياسة الايرانية في المسارح الشرق الاوسطية، ووصل بعضها ببعض وسعيها في ادارة المنازعات المتضافرة على المسألة الفلسطينية – الاسرائيلية و”مقاومة” المحور الصهيوني الاميركي، بقيادتها ووكلائها المحليين ومعسكرها الاقليمي وفروعه الوطنية او المحلية.
ويبسط الفصل الخامس “دوائر الحرب والامن” والسادس “اقاليم شرق اوسط ايراني” بعض الغموض في الفصلين السابقين. وتتدرج الفصول الاربعة من العام الايديولوجي الاعتقادي والمشهدي – والمجمل الاستراتيجي واطار المواجهة “المشترك” – الى المسارح الفرعية، الفلسطيني واللبناني والعراقي الخليجي والامتدادات في مصر وشرق افريقيا وتركيا… فإلى افغانستان وباكستان.
وتعالج الفصول الاربعة الحوادث البارزة في سياسة طهران الاقليمية من باب مسألة الدولة المحلية الامامية والخمينية في ايران، بعض وجوه النزاعات الداخلية الاهلية والمذهبية والطائفية في فلسطين والعراق ولبنان وسوريا، وبعض فصول الاعمال الحربية التي انفجرت في 2006 و2008 و2009 والاصطفافات التي رافقتها وتبعتها وبعضها لا يزال قائماً وبعضها انحل وتصدع – هذه كلها رددت اصداء السياسات الايرانية وإرادتها المحمومة بسط نفوذها الثقيل والمباشر على دول “الطوق” و”الحاجز” (الايراني – العربي) الوطنية.
واختص الفصل السابع باليمن والمسرح الحوثي، على حدة. وهو قرينة على جواز استقلال مسرح محلي عن السياسة الايرانية المباشرة قبل التقائه بها وبمصالحها.