طيور/ أحمد الهيتي
لا بحر أمامي لأغرق كما فعلها اصدقائي. ذكرياتهم هي التي أغرقتني. القوارب التي أخذتهم الى خصوبة المعنى وغزارة اليقين وفاكهة بطعم الله، قد تدعني أفكر ملياً فيهم، وأحبّهم من جديد، أولئك أولاد القحبة أحبّتي. تركوني أجفف دموع الواقع بمناديل تشبه البلاد التي غسلتهم وغرقوا.
المانيا التي فتحت قلبها، وميركل عليها السلام لا تزال دموعها تُغرق يباب الآخرين. والسويد حبيبتي التي لم أرَ بصيرتها ولن افعل. هي هناك شقراء بعمر الفراشة الذهبية تنوح على أصحابي مثل حمام الدار. كندا، آهٍ من هذه الكافرة. كندا قِبلة المسلمين الجدد! ولكن! ما سأقول عن اسبانيا التي غزاها أجدادي ولم يفلحوا ولله الحمد، وإلاّ ماذا كان ليكون طعم العالم من دون البرشا واقدام ميسي! وماذا أقول عن قرطبة التي أوت صديق طفولتي وجرحي، ومدريد العظيمة التي يحرسها كاسياس حامل لواء الشفقة! ما سأقول أيها العالم عن العامرية التي تشبه عامرية بغداد لكنها تختلف عنها بالذبح والسلخ والكواتم المنتشرة مثل عيون البشر؟ أما أنت يا عمر فحتام ستفتح لك البارات هناك أجنّتها لتتكاثر أنتَ وإفلاسك المزمن معها؟
ابن خالتي الطبيب الذي هاجر بعائلته نحو الشمس خوفاً من السيطرات الوهمّية التي حفظت إسمهُ اكثر منه هو! ابن خالي العظيم مؤيد الذي ترك عائلة بأكملها تردد “حسبي الله” ليل نهار، لكنه لم يعد حتى الآن. مؤيد الذي أخذته الغربان ليلاً حيث لا يدري حتى الله، لم يفوّت صلاته لحظة، هاجرت به الأديان الأخرى إلى المزابل ربما.
عليّ، هو الآن في بلاد الفرنجة يتصعلك، فكن نبيهم الجديد يا عليّ، وأكتب ما شئت من جروحك التي حفرتها أزقة بغداد. أكتب لهم يا عليّ. أكتب أكتب واسكر في محراب فيينا الفاتنة.
لا بحر أمامي ولا حدود، لكنني فقدتُ بلادي التي باعت أحبتي بالتقسيط المريح.
النهار