ظاهرة الانشقاق ومناف طلاس
غسان المفلح
انشقاق العسكر ظاهرة وطنية بامتياز، ولدت من رحم الثورة السورية، والتي منذ اللحظة الأولى لها في حوران آذار 2011جوبهت بتدخل الجيش السافر والهمجي وبالرصاص الحي بقيادة العصابة الأسدية، ضد المتظاهرين السلميين من أجل حرية الشعب السوري وكرامته..بعد مجازر وشهداء بدأت ظاهرة الانشقاق في الجيش، وتزايدت بسرعة كبيرة مع تزايد حجم القتل والتدمير المنهجي للانسان السوري، وتشكلت ظاهرة الجيش السوري الحر، بقيادة المقدم حسين هرموش، المغيب في السجون الأسدية ولا أحد يعرف مصيره.. لم تستطع المعارضة التقليدية السورية احتضان هذه الظاهرة سياسيا والنسج معها لاعتبارات تتعلق بالأزمة المزمنة لهذه المعارضة، التي كان جل همها في الحقيقة وهي التي تفاجأت بالثورة، أن تجد لها مكانا قياديا لهذه الثورة، وبدأت تنسج خيوطها لاستيعاب المعارضة الجديدة والدم الجديد، الذي افرزته هذه الثورة، واستطاعت وخاصة في الخارج من نقل مرضها إلى هذا الدم الجديد، بسهولة ويسر!
ستكون لنا وقفات مع هذه القضية. وتفاجأت ايضا بأن ظاهرة الانشقاق العسكري باتت خارج قيادتها، وانشغل الكثير من رموزها ومثقفيها بالحديث عن صحة حمل العسكري المنشق لسلاحه، أم يسلم نفسه للنظام، ام ينزل بين المتظاهرين بعد أن يلقي سلاحه، ولكن مع سلاحه لم تفعل هذه المعارضة شيئا، للنسج مع هذه الظاهرة الوطنية بامتياز، وشهدت الثورة سجالات حامية الوطيس حول هذا الموضوع وحول السلمية والعسكرة، وكأن المعارضة وناشطيها هم المتحكمين بما يفرضه الموضوع على أرض الواقع..وهذا ما أدى إلى بروز ظاهرة أخرى، وهي استحداث مراكز إعلامية وناطقين إعلاميين باسم الجيش الحر والمجالس العسكرية في المدن والبلدات السورية، وهؤلاء سواء كانوا عسكريين أم مدنيين، فهم ينطقون سياسة بالمؤدى الأخير، وهذا ماخلق حالة من تشظي التمثيل السياسي للثورة، حاول المجلس الوطني السوري تغطية هذا التشظي بقدرة تمثيلية، إلا انه فشل في استمرار مهمته التمثيلية هذه وتحول إلى جزء من الازمة بفعل عدة عوامل، منها أيضا أزمة المعارضة التقليدية، وحجم الهجوم الذي تعرض له، وحجم الارتجال الذي حكم وجوهه القيادية في المرحلة الأولى ولايزال تقريبا رغم كل المحاولات التي تبذل وبذلت من قبل أكثرية اعضاء المجلس..لكن التمثيلية التوافقية، وسيطرة احساس قوي على رموز المجلس بأن الدم الجديد ينخرط معنا اهلا وسهلا وتحت قيادتنا..بغير ذلك، لامجال..
واستخدم بعض رموز المجلس قضية الجيش الحر بسوق المزيدات الصغير، والذي لاتحتمله دماء شهداءنا..فماكان من العسكر المنشقين إلا ان فقدوا الثقة النسبية بالمجلس، وبالمعارضة السياسية، ونتيجة أيضا أن هذه المعارضة السياسية، لم تشعرهم أنها ابنة هذه الثورة.. وخرج كل من هب ودب في هذه المعارضة ليقلل من رموز الدم الجديد الدينية والسياسية، وبطريقة هستيرية..دون أن يعودوا لمقولة بسيطة” لوكانوا مثلكم لما قامت هذه الثورة” مع احترامي لتضحيات الجميع السابقة واللاحقة..من قام بالثورة ليس مثلكم لا أيديولوجيا ولا سياسيا ولا ثقافيا…تدخل العلمانيون!! وتدخل من هم بالعمق ضد الثورة، بطريقة أنهم تحولوا إلى المهاتاما غاندي، بلمح البصر!! قيادة المجلس الوطني في الواقع، اصحاب الفيتو فيها بالذات كانوا الأسوأ أداء بالمحصلة..وهذا ليس موضوعنا الآن…عندما يكون المرء ضد العسكرة- التي ولدتها ظاهرة الانشقاق عن الجيش كما حدثت نتيجة للأمر الواقع الجرمي الأسدي- وضد التدخل الخارجي دون أن يكون لديه سيناريو آخر، فهم غير قادرين على قيادة الثورة على الارض من جهة، ولاهم قادرين على تمثيلها كما يجب في الخارج من جهة أخرى!! ونتيجة للجو الدولي الموبوء حتما، استطاع تيار الانتي تدخل والانتي عسكرة، كمحصلة رئيسية سواء داخل المجلس أم خارجه، أن يمزق القدرة التمثيلية للثورة شر تمزيق..لهذا نستطيع القول وبلا مجاملة لأحد، معارضة القاهرة الآن لاتمثل لا الجيش الحر ولا الثوار على الارض، الذين يذهبون للشهادة سواء في تظاهراتهم السلمية أو في انخراطهم بالجيش الحر..
الدافع للشهادة بمعزل عن خلفياته جميعها وتنوعها، والجيش الحر كظاهرة سواء كانت موحدة أم لا حتى اللحظة، هي من استطاعت امام هذه الحجم من البربرية الأسدية والتوحش القسوة والقتل والمجازر واستخدام كافة انواع الأسلحة وتواطؤ حقير من المجتمع دولي..أن تجعل الثورة تستمر وأن يقف العالم عاريا أمام عاره الكريه والحاقد هذا، ولتقف البشرية أمام أسطورة شعب الجميع يحاول دفنها تقريبا، ويحاول التقليل منها لكي لاتنضم لتراث البشرية من أجل الحرية والكرامة…دون أن ننسى شعوبا وحكومات وقفت معنا، في ظل هذه الاجواء لم تثر قضية الانشقاقات نقاشا من زاوية قبول هذا المنشق أو ذاك إلا بعدما انشق العميد مناف طلاس، وهو في تركيبة النظام العسكرية لم يكن سوى قائد لواء في الحرس الجمهوري لايمون على لواءه، ولو كان يقوده فعليا لانشق معه!!!
وفي الهرمية السياسية لم يكن له أي حضور من أي نوع كان..والده كان رمزا للقيادي الفاسد والذي أيضا لايمون على مرؤوسيه من ضباط وخلافه، والجميع في سورية يعرف ذلك، بغض النظر عن تبجحاته، ومحاولة بعض ناشطي المعارضة الحديث عن أنه كان يقوم بكذا وكذا من افعال قيادية حقيقية في تركيبة النظام، ولكي يثبتوا أن النظام الأسدي ليس طائفيا!!! بمعزل عن الحقيقة، وهذه أمور تكشفت وستتكشف كلما تقدمت الثورة نحو النصر..وتبعه الآن العميد محمد مفلح ابن قرية محجة في حوران، والذي كان رئيسا لفرع الاستخبارات العسكرية في حماة ثم في حلب، واتضح أيضا أنه لم يستطع أن يقود عناصره وضباطه للانشقاق!!! وهما أهم ضابطين من حيث قربهما من النظام وولاءهما ينشقان حتى اللحظة..مناف طلاس ومحمد مفلح..لم اجد أي نقاش اعتراضي أو خلافه عن انشقاق أي ضابط آخر سوى هنا..خرج الأستاذ ميشيل كيلو ليقول” أن مناف طلاس يصلح لقيادة مرحلة انتقالية تتمثل في مجلس عسكري” وقامت الدنيا ولم تقعد..واعتقد أن كثير من المحتجين على كلام الأستاذ ميشيل هم ممن يعتقدون أن القيادة لهم..وبدأت الوكالات الاعلامية بتسريبات عن وجود مفاوضات حول هذا الموضوع، يتم بموجبها تنحي آل الأسد.
إذا صح هذا الكلام، وضمن ضمانات دولية عاجلة ولاتتعدى الشهرين فقط،وبقرار من مجلس الأمن يوافق عليه الروس وزالصينيين لما لا؟ مجلس عسكري مؤقت مع ضباط الجيش الحر وضباط من الجيش الأسدي..إذا كان لمناف طلاس هذه المقدرة وهذه الحظوة لدى المجتمع الدولي، ووفقا لنسق دولي أعتقد على المعارضة عموما التفكير بهذا الأمر قبل إعطاء أي موقف..أما بغير ذلك ودون وجود مؤشرات على ذلك يصبح كلام الأستاذ ميشيل نافلا ولا قيمة له سياسيا..مجرد بالون، وأنا أزعم أنه لاجود لمثل هذه المؤشرات..وإن كانت بعض الدول تحاول تغذية بعض الوهم عن هذا الأمر لدى بعض المعارضين،لاسباب تخص هذه الدول نفسها..لهذا مرحبا بمناف طلاس ومحمد المفلح وأي ضابط ينشق..منخرط في صفوف الثورة وفق ابجدياتها ونواميسها، أو حتى متقاعدا عن كل شيئ..وموضوع أن يقود أو لايقود، هذا أمر يحتاج منه شخصيا لوضع مبرراته لماذا يريد أن يقود؟ ما الذي يستطيع أن يقدمه بقيادته هذه للثورة؟ ولو أنني أميل لتشكيل مجلس عسكري من قيادات الجيش الحر على الارض وهم من لهم الصلاحية بضم اي ضابط منشق من الموجودين في الخارج..متوافق مع المجلس الوطني السوري بعد اصلاحه!!
المطلوب تشجيع ظاهرة الانشقاق على الارض، واتركوا الآن المعارك الجانبية…الثورة السورية متفوقة اخلاقيا وحصانة للجميع…مرة اخرى مرحبا بمن ينشق…
ايلاف