“ظفَر التعفّن” و ”التفتّت الظافر”: استطرادات وإضافات/ علي العائد
استخدم حازم صاغيّة في مقالته «… عن انهيارنا العظيم المتمادي» مصدر «ظَفْر» مرتين، بصيغتين سلبيتين (ظفَر التعفّن… والتفتّت الظافر)، لكن استخدام صيغة الفاعل في المرة الثانية أعطى دلالة المفعول، على طريقة الحطيئة في قصيدته الشهيرة في هجاء «الزبرقان بن بدر». والقصة معروفة، أو متاحة لمن أراد التقصّي عند العم غوغل.
غير هذه الملحوظة، التي استخدمها صاغيّة مرتين، في تنقله بين كلمات مخزونه اللغوي، مصادفة ربما، أتفق مع معظم ما ذهب إليه في مقالته، وإن كان العتب غير مرفوع عنه في محاولته العقلانية: فالثورة اعتزت بأقلام لبنانيين وعرب أيدوها منذ 2011، وفي زمن التشاؤم الذي نعيشه الآن، كـ»سوريين»، نحن في أمس الحاجة الى تفاؤل الإرادة، حتى لو كان العقل متشائماً.
يقول صاغيّة، بحرفية، أو بما معناه: العالم ليس شفوقاً ولا معيلاً… والاستشهاد بالثورات الأوروبية، والفرنسية بخاصة، لا يضيء النفق الذي دخلت فيه الثورات العربية.
هذا كلام حق منقوص، بسبب شغف صاغيّة، المحق، بالاختصار. فإشارته إلى «ظفَر التعفّن» و»التفتّت الظافر» جعلته يتجنب ذكر ثورات الربيع العربي بالاسم، والسورية منها بخاصة، بل ذكر ليبيا بهذه الصيغة «الأحوال الليبيّة»، وليس الثورة الليبية، وأعطى للثورة المضادة المقام العالي في الفوضى المحيطة بجوهر الثورات، على رغم أن سورية لم تدخل بعد في مرحلة المدعوة «مضادة»، كما هي حال مصر، وليبيا.
تجنّب صاغيّة بذلك وضع نفسه في موقع المتهم المطالب بالإجابة عن السؤال: أي ثورة مقصودة بالتعفن، وأيها مقصودة بالتفتت، وأيها انتصرت، وأيها في حالة الغيبة قبل الظهور في آخر الزمان!
يقول في مكان قريب في مقالته، إن «انتصار الثورة المضادّة سبب كافٍ لأن يفتح الباب على الخراب، لكنّه وحده أقلّ كثيراً من أن يفسّر مدى الانتشار الذي يشمله هذا الخراب العابر للحدود الوطنيّة…».
فات حازم أن تفاؤل الإرادة، لو توافر، لا يعطي للثورة المضادة مكانة أكبر من الديكتاتوريات التي تدعي الثوراتُ حتى الآن أنها قامت ضدها، فـ»المضادة» أقل رسوخاً من الديكتاتورية، وجذوة الثورة التي كانت تحت الرماد، وتوهجت، خسرت حتى الآن جولة، أو جولات، من دون أن تنتهي الحرب مع الديكتاتورية، حتى في مصر.
المؤكد أن الثورات تأخرت كثيراً فتضاعفت الفاتورة المتوجب دفعها آلاف المرات، بينما ضرب الفقر، والجهل، والخوف، هذه الشعوب، آلاف المرات، من دون أن تسقط بالضربة القاضية. وفي رياضة الملاكمة، يخسر اللاعب المباراة حتى إذا تلقى «ضربة قاضية»، لكن في إمكانه رفع التحدي مرة أخرى، ليربح ويعيد اعتباره، أو يخسر مرة أخرى.
هذا تأكيد لكلام حازم بالنص: «… وبات علينا بضربة واحدة أن ندفع الفواتير المتراكمة جميعاً، فيما نحن لا نملك شروى نقير».
لكن «شروى نقير» هو ما يبحث عنه من ثاروا على الديكتاتور. ولعلك تتفق معي أن الثورات التي رفعت مطالب حقوقية مادية تخفي في طياتها شعارات لم يُفكّر فيها بوضوح، فالخبز في جوهره مطلب سياسي، ومن دون الانتصار على الفقر، والجهل، والتسلط، وسوء التعليم، وتراجع الصحة، وفساد القضاء، تحكم الديكتاتور بسياسات البلاد، وثرواتها، ومستقبل أبنائها. وكما تمكن الديكتاتور خلال عشرات السنوات من تثبيت مفردات فساده، وتعميمها على النفوس، لا بد للثورة من زمن كي تتمكن من تنظيف العقول من وساخات حكم الأبد.
نعم! نحن في حاجة الى نقد الذات، وأخص بذلك الثورة السورية التي بلغت استقطاباتها ما يكفي لإشعال حرب عالمية ثالثة لو «أراد» المعنيون بتعقيد مفردات الحل في سورية ذلك.
وبالنظر إلى حال الثورات، لعل أسوأ أحوالها ما يحدث الآن في مصر، وأقلها سوءاً ما يحدث في سورية، إذا استثنينا بحر الدم الذي وجد السوريون أنفسهم فيه رغماً عنهم، وبينهما ما يحدث في ليبيا واليمن، وربما تونس.
عودة إلى مثل الحطيئة، في ما يخص السوريين، لو سلَّح «أصدقاء سورية» الجيش السوري الحر كما يجب، أو لو كان للثورة رأس من السوريين يسلِّحها، لسَلَحَت الثورة على النظام، ولما تركت لداعش وأخواته فرصة أن يسْلَحَ على الثورة بمباركة من النظام، وأميركا، وروسيا، وباقي «الأصدقاء».
* كاتب وصحافي سوري
الحياة