عائلات المقاتلين والمعتقلين في دمشق … لا وثائق ثبوتية للزواج ولا حتى للوفاة/ بسمة يوسف
كفر سوسة – دمشق ـ ‘القدس العربي ‘ على الرغم من الحصار الخانق الذي تعيشه العاصمة السورية دمشق وسط التشديد الأمني المكثف فيها لم يتوان العديد من شبابها عن الإلتحاق في صفوف الجيش الحر متغلبين بذلك على أكبر مخاوفهم، وتاركين وراءهم أسرا تتستر على غيابهم خوفا من بطش النظام بباقي أفراد العائلة، حيث يدعي كثير منهم سفر أبنائهم إلى دول الجوار حفاظا على سلامة أقربائهم، إذ أن النظام يستخدم ورقة الأهل بشكل كبير ضد مقاتلي الحر فيعتقل أحد الأخوة مشترطا تسليم المقاتل نفسه للإفراج عن أخيه، كما يلجأ آخرون الى إخراج مذكرة بحث بحجة أن الشاب مفقود.
كما حدث مع ‘ع.د’ أحد المنشقين عن جيش النظام، الذي أعلم أهله بنية انشقاقه خلال فترة إجازته والتحق بصفوف الجيش الحر ‘عند تخلفي عن العودة في الوقت المحدد الى القطعة العسكرية ..أرسل الضابط المسؤول الى أهلي لمعرفة سبب تخلفي مما دفع والدي الى إنكار معرفتهم بمكاني وادعائه بأنهم فقدوا الإتصال معي ولا يعلمون عني شيئا بعدما ودعتهم مغادرا، وإخراج بطاقة ‘مفقود’، كان هذا هو الحل الأمثل لضمان سلامة إخوتي’، حال عائلته أفضل من حال كثير من العائلات الذين قضى أبناؤهم في المعارك ولا يستطيعون الإفصاح عن خبر وفاتهم.
ففي بداية الثورة تمكن الكثير من دفن شهدائهم في منطقتهم أما الآن فخبر مقتل أحدهم يؤدي إلى اعتقالات تعسفية كما تروي والدة أحد الشهداء التي حرمت من لقاء فلذة كبدها للمرة الأخيرة قبل أن يرقد في مثواه الأخير على أحد تخوم غوطة دمشق بعيدا عن عائلته وحيه، ومما زاد من لوعتها أنهم لا يستطيعون حتى إخراج شهادة وفاة له أو الإعلان عن وفاته بين الناس، مشكلة تؤرق مضجع كثير من أهل الشهداء وخاصة المتزوجين منهم، إذ تسعى عائلة الشهيد ‘أ.ح’ الى استكمال معاملة تثبيت زواجه رسميا بعد أن ترك وراءه زوجة ومولودا تنتظره العائلة بفارغ الصبر.
تحدثنا زوجته قائلة ‘باعتبار أنه التحق بالثوار لم نستطع تثبيت زواجنا في المحكمة الرسمية خوفا على حياته .بل اكتفينا ب ‘كتاب شيخ’ و إعداد أوراق وكالة لمحامي لتثبيته لاحقا، لم يمر على زواجنا سبعة أشهر حتى ارتقى شهيدا’.
وهنا كانت بداية الأحزان حيث أننا إن لم نستطع توثيق زواجنا في المحكمة النظامية في دمشق فلن نستطيع نسب المولود القادم إلى أبيه في السجلات الرسمية ‘ يواسي أهل الشهداء المقاتلين أنفسهم أنهم على علم يقين باستشهاد أبنائهم على خلاف ذوي المعتقلين في سجون النظام الذين يعيشون على انتظار المجهول.
أغلب الشهداء في الفروع الأمنية لا تسلم جثثهم إلى ذويهم بل يكتفي النظام بإرسال حوائجهم الشخصية مرفقة ببطاقاتهم الشخصية إلى أهلهم، وقد يساومهم النظام على جثمان فقديهم مقابل مبالغ مالية طائلة لا طاقة لهم بها.
‘م.م’ أحد المعتقلين في فرع الـ’215′ وبعد ستة أشهر على اعتقاله تم إعلام أهله من قبل مركز شرطة الحي بضرورة القدوم لاستلام حوائجه الشخصية بعد وفاته إثر التعذيب وعندما طالبوا برؤية جثمانه للتأكد من وفاته تم إخبارهم أنه قد تم نقله ودفنه مع رفض ذكر مكان دفنه لتبقى هذه غصة تزداد فوق لوعتهم على فراقه وبالرغم من ذلك تعيش بعض الأمهات على أمل أن يكون ابنها حي يرزق حتى بعد استلام هويته إثر الحالات المتعددة التي بلغ النظام أهل المعتقلين بوفاة أبنائهم وخرجوا بعد أشهر أحياء وإن كانوا منهكين من كثرة التعذيب.
فإحدى العائلات تم استدعاؤهم إلى المشفى العسكري لاستلام جثة ابنهم قبل عام من الآن، وتوقيع ورقة استلام وبعد أن تم دفن الجثمان بسنة كاملة خرج ابنهم من المعتقل حيا وسط ذهول الجميع ليبقى ذلك الجثمان شهيدا مجهول الهوية.
كثيرة هي قصص الشهداء والمعتقلين تختبئ خلف دموع الأمهات ولوعة الآباء واشتياق الصغار مكبلة بسلاسل الحيطة والحذر وسط خوف متزايد من بطش النظام ومعاملته التي لاترحم.
القدس العربي