عارف دليلة لـ«الشرق الأوسط»: لن نشارك في الحوار إلا بعد إطلاق الحريات
المفكر السوري قال إن المحتجين لا يطالبون بـ«تنازلات» وإنما بـ«حقوق»
هيثم التابعي
يعتقد عارف دليلة، المفكر الاقتصادي والسياسي السوري الذي شغل منصب عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، أن حل الأزمة في سوريا سيكون سياسيا في الأساس، محذرا من حل يغلفه الطابع الأمني، وقال دليلة إن الحل يأتي فقط عند التوقف عن استخدام العنف.
دليلة الذي دفع 7 سنوات من عمره في المعتقل منذ اعتقاله عام 2001 بعد أسبوع من إلقائه محاضرة في منتدى الأتاسي بدمشق تحت عنوان «الاقتصاد السوري: مشكلات وحلول»، قبل أن يفرج عنه عام 2008 بسبب حالته الصحية، أوضح لـ«الشرق الأوسط» في القاهرة أن الاقتصاد السوري يخسر الكثير ولكنه في وضع مستقر إلى حد كبير، ولكنه يرى أن الاقتصاد السوري لن يمكنه أن يتحمل أكثر من ذلك بأي حال من الأحوال.
ويرفض دليلة المشاركة في الحوار مع السلطة إلا بعد الاعتراف الكامل بالمعارضة، كما قال إن الشكل والمضمون محددان مسبقا من وجهة نظره، متمنيا أن يكون الحوار مع السلطة في دمشق في الهواء الطلق وتحت النور خارج القاعات المغلقة.. وإلى نص الحوار.
* بعد ما يزيد على 100 يوم على الاحتجاجات في سوريا، هل وصلت الأوضاع إلى نقطة اللاعودة؟
– الأحداث بدأت بمأزق ولا يزال المأزق كما هو. والمأزق يزداد عمقا ولا يوجد أي أمل في الانفراجة، لأن الوضع السياسي يفتقد للإجراءات الملموسة على الأرض.. والفجوة بين مطالب المحتجين ورد فعل النظام تزداد يوما عن الآخر، والأكثر صعوبة الآن هو جسر تلك الفجوة بالشكل الذي يرضي كل الأطراف.
* وكيف يأتي الحل من وجهة نظرك؟
– الحل سيكون سياسيا في الأساس، العنف والتخوين لن يجديا نفعا في مثل تلك الأزمات، وليس من مصلحة أحد أن تنتهي الاحتجاجات بهزيمة أي طرف، الأهم أن تنتصر سوريا في النهاية.
* في رأيك، أي تنازلات من النظام السوري يمكنها أن تهدئ من وتيرة الاحتجاجات؟
– الحديث ليس عن تنازلات ولكن عن حقوق، فمثلا الحديث عن الدستور يشغل الجميع حتى السلطة نفسها، فالسلطة تريد تعديله والمعارضة تريد إصدار دستور جديد، وكل ذلك يتطلب عملية انتقال وعملية تغيير كبيرة، للخروج من الأزمة.
* وإلى أي مدى فقد بشار الأسد شرعيته؟
– الأهم الآن هو الخروج من الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، والعودة مرة أخرى للأوضاع الطبيعية لترتيب البيت السوري بالشكل الذي يرضي الجميع.
* وكيف يمكن العودة للظروف الطبيعية في رأيك؟
– عبر نقطتين.. أولا التوقف عن استخدام العنف، فالدم لن يأتي إلا بالدم. ثانيا عبر الإعلام، فعلى الجميع أن يلتزموا بضرورة العمل السياسي انطلاقا من الاعتراف بالآخر كند ومساو في الحقوق والواجبات.
* لماذا تدخل الإعلام كطرف رئيسي في الأزمة؟
– ببساطة لأن السلطة تحتكر وسائل الإعلام وتستخدمها في تشويه وتقزيم الآخر، والغريب أنهم لم يكفهم نصف قرن من التهميش والزج بمعتقلي الرأي في السجون، ويمنعون الآن وصول الحقائق إلى العالم الخارجي. وعلى الإعلام الوقوف بجانب كل الآراء بشكل ديمقراطي، وتنظيم الحوار بشكل متساو.
* النظام يقول إنه لا يصدر أوامر بإطلاق نار، ورغم ذلك يطلق الجيش النار ويظل الشبيحة ينشرون الرعب بين الأهالي.. في رأيك هل أصبحت الأجهزة الأمنية خارج سيطرة الأسد؟
– في كلمتين لا أكثر، لا يعقل أن تعمل الأجهزة الأمنية وفقا لأهوائها ولا يعقل أبدا أنها خارج سيطرة السلطة، فالجيش نظامي في الأساس ويعمل وفقا للأوامر التي تصدر له من قياداته العليا.
* تعددت الحوارات والمؤتمرات، هل ترى أن هناك جدوى من الحوار مع النظام؟
– الحوار غير صحي، ونحن غير مستعدين للحوار إلا بعد الاعتراف الكامل بالمعارضة وإطلاق الحريات الكاملة.
* وما هي الأسس التي يمكن أن يرتكز عليها حوار بناء مع السلطة؟
– أن يكون جميع المشاركين على قدم المساواة، ويتمتعون باعتراف كامل بشخصياتهم وحقوق المواطنة الخاصة بهم، وهذا الاعتراف لا يزال شكليا ولا يؤدي للوصول إلى نتائج ملموسة في حوار جدي يؤدي للتغيير.
* تم عقد مؤتمرين للحوار ضما أطيافا من المعارضة في دمشق، كيف ترى ذلك؟
– من وجهة نظري لا أعترض على المشاركين أو أقوالهم أو البيانات الختامية، ولكن المشكلة تكمن في أن هذه الاجتماعات ليس متاحا لها أن تجتمع أو تستخدم الإعلام بحرية، ولا تلتقي بالرأي العام، وتجبر على أن تجتمع في قاعات مغلقة بعيدة عن أعين الجميع، ثم تتعرض لتشويه إعلامي كبير، مع إغفال رأي المشاركين.. فتصل النتائج إلى الرأي العام بشكل غير ناضج وغير موضوعي.
* هل تشارك في الحوار المقرر في 10 يوليو (تموز) الجاري؟
– لن أشارك، لأن الشكل والمضمون محددان مسبقا، دون استشارة أي طرف آخر.. ولذلك فالنتيجة معروفة مسبقا ولا جدوى من اللقاء.
* معظم المدعوين رفضوا المشاركة، هل تكمن المشكلة في غياب ضمانات تتعلق بسلامة المشاركين؟
– المعضلة لا تتعلق إطلاقا بالضمانات، ولكن بكيفية تنظيم آليات الحوار. فالمدعوون تم دعوتهم لتمرير قوانين اتخذتها لجان تابعة للسلطة، وبالتالي لن يجري عليها أي تعديل، ومشاركة المعارضين ستكون شكلية بحتة.
* البعض يقول إن الكل يقفز على تمثيل الشارع السوري، في رأيك من يمثل الشارع السوري؟
– الشعب السوري محروم أصلا منذ عقود من اختيار ممثليه، وهو غير ممثل في أي حوار جار الآن، وهو من يجب أن يختار من يمثله ويمثل مصالحه.
* ويقال إن هناك مشكلة في تنظيم المعارضة السورية، وإنها لم تقدم بديلا قويا عكس ليبيا؟
– المعارضة موجودة، ولكن المشكلة في أن تبدأ جميع الأطراف، والسلطة ذاتها، في الاعتراف ببعضهم البعض، وإتاحة الفرصة كي يمثلوا أنفسهم كما هم وليس كما يراد لهم أن يكونوا.
ولكنني أرى أنه لا يمكن طرح المشكلة على هذا المنهاج، لأن الموجودين في السلطة غير جديرين بها، بدليل ما وصلنا إليه الآن.
والمشكلة ليست في تقديم البديل، ولكن أن يكون البديل بالكفاءة وعلى قدر المسؤولية التي تخرج سوريا من أزمتها الحالية.
* إلى أي مدى تؤثر الأزمة على الوضع الاقتصادي؟
– لا يمكن لعاقل أن ينفي أن للأزمة آثارا اقتصادية، وهو أمر متوقع.. ولكن الوضع الاقتصادي حتى الآن متماسك إلى حد كبير.
بطبيعة الحال هناك خسائر كبيرة في مجال الصادرات والعائدات الخارجية وفي القطاعات الإنتاجية، كما تراجعت القوى الشرائية بشكل كبير. ولكن حتى الآن يبدو الوضع الاقتصادي السوري، وبحياد تام، بعيدا عن الانهيار.. ولكنه لن يتحمل أكثر من ذلك، لأنه بمرور الوقت يصبح تعويض ما فات صعبا جدا.
* هناك انهيار في سعر الليرة، تبعه اقتطاع كبير من الرواتب لدعمها، فهل يمكن أن يطيح ذلك بنظام بشار الأسد؟
– في تحليلي الشخصي، الأمر كله يتوقف على مسيرة وتطور الأحداث نفسها، وهو شيء لا يمكن التنبؤ به الآن.
* لماذا يوجد تباين في الموقف العربي في التعامل مع الأزمتين الليبية والسورية؟
– هذا يرجع إلى اختلاف السياسات والعلاقات الدولية واختلاف طبيعة الأزمتين.. ربما هناك تأييد لطرف أو لآخر في الأزمة السورية، وربما يكون تأييدا سريا حتى اللحظة.
* ما رأيك في العقوبات الاقتصادية الموقعة من طرف الاتحاد الأوروبي على دمشق؟
– أراها عقوبات للضغط السياسي فقط، ولن يكون تأثيرها بالحجم الذي يقسم ظهر النظام.
* هل تخشى من تحول سوريا إلى ليبيا؟
– هو احتمال بعيد، ولكن هناك من يعمل على تدويل الأزمة لقطع الطريق على أي حل سلمي.
* بماذا تفسر عدم وجود تدخل إنساني دولي حتى اللحظة؟
– في رأيي إن العوامل الخارجية لن تلعب أي دور في الأوضاع الداخلية إلا من خلال دعم مطالب التغيير الديمقراطي بطريقة سلمية، ولا يوجد سوري يريدها أن تلعب أي دور محوري في الاختلاف القائم.. ونحن لا نتمنى أن يصل الوضع إلى ما وصل إليه الوضع الليبي، بأن يكون هناك انقسام وحرب أهلية.
* وكيف الخروج من الأزمة؟
– بأن يعود الجميع إلى العقل والوطنية، ويتوقف عن استخدام العنف في مواجهة الآخر، وأن نتجنب استخدام اللغة التخوينية، ويتم التحاور دون قمع ودون تقييد في جميع المطالب.
* ما الرسالة التي تود توجيهها للشعب السوري والرئيس بشار الأسد؟
– لا أريد توجيه أي كلمة لأحد، فالجميع يعلمون جيدا ماذا يعملون، وفي أي اتجاه يمكنهم السير.
الشرق الأوسط