عاشت الثورة السورية
جاك بابل
في 15 آذار عام 2011 تجرأ عشرات الشباب السوريين في وسط مدينة دمشق، حيث تأثروا بالأمل المتصاعد في المنطقة العربية بفعل الثورة التونسية والمصرية، على تنظيم مظاهرة صغيرة تطالب بالحرية للشعب السوري الواقع تحت حكم متعسف منذ أكثر من أربعين سنة. بعد ثلاثة أيام، هبت مدينة درعا بعد القمع الوحشي للأطفال الذين كتبوا شعارات سياسية على جدار في المدينة. وقمعت القوى الأمنية مظاهرة حاشدة بطريقة وحشية وأغرقتها بالدماء. وبعد هذا التاريخ، انتشرت الثورة في كل المدن السورية.
ونظرا إلى الطبيعة الشمولية للأوليغارشية الحاكمة تحت قيادة آل الأسد، فإن الحياة السياسية المستقلة كانت ممنوعة على المجتمع السوري. أجيال من المناضلين، وخاصة من اليسار، جرى قمعهم بقسوة على مدى العقود الماضية، حيث سجنوا، أو قتلوا تحت التعذيب، أو طردوا من البلاد نحو المنفى. العمل النقابي يخضع لسيطرة المنظمات المرتبطة بالأجهزة الأمنية وبحكم الحزب الواحد، حزب البعث، فحظرت كل حركة نقابية مستقلة. هذا الاحتكار للحياة السياسية والنقابية، مقرونا بالقمع الوحشي، سمح للنظام خلال السنوات الماضية تنفيذ سياسة نيوليبرالية الأكثر عدوانية في المنطقة. والأمر الذي أدى إلى إفقار مدقع لفئات واسعة من المجتمع، من العمال، من العاطلين عن العمل، من الفلاحين المحرومين من أراضيهم، الذين يشكلون القوة المحركة للثورة السورية. هذا ما يفسر الطبيعة الاجتماعية للثورة وإرادتها الكفاحية البطولية، كما يفسر سبب رعب البرجوازية المحلية، إضافة إلى قلق الدول العربية الرجعية والحكومات الغربية.
ومارس النظام قمعا لا هوادة فيه ضد المتظاهرين المطالبين بإسقاطه، بالإضافة إلى القصف والحصار وتدمير الأحياء والمدن الثائرة كحمص، فسقط آلاف القتلى، وجرح عشرات الآلاف وغالبا ما تعرض السجناء للتعذيب. وكل مرة قام جيش النظام، أو القوى الأمنية والميليشيات الدموية باجتياح أحد الأحياء، في اليوم التالي تخرج المظاهرات الاحتجاجية في المكان نفسه. النظام، وعلى الرغم من كل الفظائع التي يرتكبها، يفقد مرة بعد مرة قوته أمام الانتفاضة الشعبية. ولحسن الحظ فإن تحريضه الطائفي لم يفلح. وأكبر مدينتين، دمشق وحلب، أصبحتا مركزا للاحتجاجات الطلابية. الثورة السورية وصلت اليوم إلى مركز السلطة.
نعم للتضامن لا للتدخل العسكري
الشعب السوري يواجه لوحده آلة الموت والدمار. وهو يطالب مساعدة دولية ويرفض تدخلا عسكريا أجنبيا على أرضه. النظام يتهم المعارضة بأنها تستدعي هذا التدخل، ولكن إذا حصل هذا التدخل، فإنه سيكون لصالح الديكتاتور، على سبيل المثال، المساعدات العسكرية والاستخبارية والتقنية المقدمة من حكومتي إيران وروسيا بهدف سحق الثورة. وعلاوة على ذلك، اغلبية العقوبات الاقتصادية تصيب الشعب واستعملت من قبل النظام كحجة لممارسة، سياسة تقشفية، التقنين ورفع أسعار المواد الأولية من أجل إضعاف أكثر فأكثر الجماهير الثائرة. بكل الأحوال، لا يمكننا الوثوق بسياسة القوى العالمية والإقليمية التي تدافع عن مصالحها الذاتية.
الإضراب العام والعصيان المدني الذي بوشر في 11 كانون الأول الماضي، بالإضافة إلى استمرار المظاهرات اليومية، تشكل العامل الأساسي لهذه الثورة. المقاومة المسلحة للجنود المنشقين وبعض المدنيين المسلحين هي ردة فعل مفهومة لأنها تقف بوجه الوحشية والانتهاكات البشعة ضد المدنيين، لكنها تبقى محدودة. منذ سنة، وملايين السوريين ينزلون إلى الشوارع للمطالبة بالحرية، المساواة والعدالة الاجتماعية وببلد حر ومستقل.
اليوم، إنهم أكثر إصرارا للتخلص من نظام الأسد، لكنهم بحاجة إلى تضامن دولي من شعوب العالم. الحركة العمالية والديمقراطية، واليسار بقوا مترددين جدا، حتى حجبوا نظرهم عن مشروعية والبطولة العظمى التي تميز هذه الثورة. حان الوقت لبناء تضامن شعبي دولي، ليساهم ببناء مستقبل تقدمي للشعب السوري.
نشر المقال المشترك كافتتاحية لعدد اليوم 15 اذار في جريدة TEAN الناطقة باسم الحزب الجديد المعادي للرآسمالية في فرنسا, المخصص للذكرى السنوية الاولى للثورة السورية. جاك بابل هو احد قادة الحزب المذكور.
ترجمه: وليد ضو