عام على الثورة الصعبة: سوريا الى أين؟
غسان العزي
عام كامل مضى على الثورة السورية، بشهدائها العشرة آلاف وأضعافهم من الجرحى والمعاقين والمعتقلين والمهجّرين، من دون أن يتبدى في الأفق ضوء يبشر بنهاية للكابوس الذي يهدد بالتمدد ليرسم بالدم والنار خارطة جديدة لهذا الشرق المعذّب .
ميزان القوى لم يعرف تغيّراً ملحوظاً منذ أن بدأت الاحتجاجات في درعا في 15 مارس/آذار 2011 مطالبة بشيء من الحرية والعدالة . فالنظام لايزال يمتلك الكثير من مكامن القوة والتماسك والمعارضة لا تزال بعيدة عن التوحد في جبهة واحدة تمتلك قدراً كافياً من المصداقية كبديل عن النظام في حال انهياره . والحركة الشعبية لا تقدم مؤشرات حقيقية عن تهافتها رغم الخسائر البشرية الجسيمة التي تحل بها . والحلول الإقليمية والدولية تتساقط الواحدة تلو الأخرى .فالجامعة العربية سحبت مراقبيها في يناير/كانون الثاني بعد أن ثبت عجزهم عن إحداث أي فرق في مجرى الأحداث، ومجلس الأمن عاجز عن استصدار أي قرار وسط اتهامات متبادلة بين أعضائه الدائمين . والحراك الدبلوماسي الأخير المتمثل بمهمة كوفي أنان كمبعوث للأمم المتحدة والجامعة العربية معاً لا يبدو أنه سيفضي الى تسوية سياسية بين النظام المدعوم من إيران والصين وروسيا الذي يرفض أي حل يتضمن رحيل الرئيس الأسد، والمعارضة، المدعومة من دول عربية وغربية مؤثرة، ترفض مجرد الحوار مع هذا الأخير .
أما التدخل العسكري الخارجي فيبقى مستبعداً،في ظل الفيتو الروسي-الصيني، لأسباب كثيرة منها الفروقات الكبيرة من الناحية الجيوبوليتيكية والجيواستراتيجية بين الحالتين الليبية التي لم تكن متشابكة مع جيرانها أو مؤثرة فيهم والسورية التي يختلط وضعها الطائفي والسياسي والعسكري مع جيرانها، ناهيك عن أسباب عسكرية صرف وأخرى سياسية تخضع لحسابات انتخابية داخلية في دول غربية على أبواب انتخابات رئاسية، من دون أن ننسى الارتدادات الإقليمية العصية على التوقع في وقت تعيش فيه المنطقة توتراً شديداً على خلفية تهديدات “إسرائيلية” بتسديد ضربة عسكرية لإيران .
هناك من يعتقد أن “إسرائيل” لا ترغب برحيل نظام ،رغم العداء العلني، يوفر لها الأمن على الحدود في الجولان المحتل، وذلك لمصلحة المجهول أي الفوضى أو نظام إسلامي يناصبها عداءً دينياً وإيديولوجياً، وإما نظام قد يعمد الى تحريك ملف الجولان النائم منذ عقود . وبذلك فإن الحرب “الإسرائيلية” على ايران قد تخطف الأنظار عن الحراك الشعبي السوري ما يوفر فرصة للنظام لإخماده بأكثر الطرق عنفاً، كما فعل فلاديمير بوتين بغروزني الشيشانية تحت دخان الحرب الأمريكية على الإرهاب غداة تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001 .
ويبدو أن دولاً إقليمية باتت مقتنعة بتسليح المعارضة والجيش السوري الحر . لكن هذا الحل قد يكون مقدمة لحرب أهلية نعرف كيف تبدأ ونجهل أين تنتهي . فالمعارضة، مهما تسلحت، لن يكون بمقدورها تغيير ميزان القوى الى درجة قلب النظام بالقوة . والنتيجة فوضى مسلحة على الطريقة اللبنانية التي دامت خمسة عشر عاماً مع مخاطر انتشار العنف الطائفي في كل المنطقة ونمو جماعات إرهابية خارج السيطرة، وهذا ما يخشاه الجميع ولا يريده أحد ما خلا الدولة العبرية .
في هذه اللحظة فإن روسيا هي التي تملك ورقة الحل في سوريا، حيث تدافع عن مصالحها وليس عن النظام السوري كما صرّح مسؤولون روس رفيعو المستوى . لكن واشنطن لا تريد أن تدخل في مفاوضات حقيقية مع موسكو تنتهي بتظهير مشروع أممي ينهي المأساة السورية . ولذلك حسابات عديدة وأسباب أهمها على ما يبدو الافتقار الى جهة سورية قادرة على الحلول محل النظام الحالي، وتقديم ضمانات حول المستقبل والسياسة الخارجية للنظام الجديد . فالمجلس الوطني، رغم استحواذه على اعتراف دول عديدة بشرعية تمثيله للشعب السوري، يفتقر الى المقومات التي تجعل منه جسماً واحداً متماسكاً ذا جذور صلبة في الواقع السوري .
هل يأتي الحل من انقلاب عسكري مفاجئ أو ثورة من داخل النظام نفسه؟ هذا الاحتمال ضعيف حتى اللحظة إذ يبدو قلب النظام شديد التماسك، فبعد عام كامل على الثورة لم يحدث انشقاق مؤثر في جسمه السياسي أو الدبلوماسي أو العسكري أو الأمني . تبقى العقوبات الدولية، لكنها هي الأخرى ضعيفة المفاعيل المباشرة ولا تؤتي أكلها إلا بعد أزمان طويلة تصيب خلالها الفقراء قبل الأغنياء والضعفاء قبل الأقوياء والطبقات الشعبية قبل أرباب النظام .
كل الاحتمالات تنبئ باستمرار الأزمة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فالنظام يخطئ خطأ جسيماً بتمسكه بالحل الأمني . والمعارضة إذا بقيت على حالها من التشرذم تمد النظام بأهم أسباب الحياة . على الأرجح فإن الحل سيأتي من مبادرة دولية عمادها روسيا البوتينية، فما يجري في سوريا بات صراعاً دولياً تخطى النظام والمعارضة في آن . وفي ظل عجزهما المتبادل فإن الدخان الأسود سيظل يغطي المدن السورية الثائرة في انتظار أن يخرج دخان أبيض من اتفاق أمريكي-روسي على تقاسم المصالح في المنطقة .
الخليج