عبء أن تكون بورمياً/ كو كو ثيت
[من أجمل كلمات هذا الشاعر البورمي، أو المينماري، إذا أخذنا بالتسمية الأصلية لهذا البلد، قوله عن نفسه إنه “شاعر بالاختيار وبورمي بالمصادفة”. ولد في يانجون، رانجون سابقاً، في العام 1972، وفي العام 1995، خلال دراسته للهندسة في معهد يانجون التقاني، بدأ يحرر وينشر مجلة جامعية حملت اسم “ذهب عتيق”، وفي أعقاب موت هذه المجلة، أصدر كتاباً للأطفال باللغة البورمية.
أُعتقل وسُجن بسبب انخراطه في الإنتفاضة الطلابية في العام 1996، وبعد إطلاق سراحه غادر معهد يانجون وبورما في وقت واحد، إلى سنغافورة ثم بانكوك حيث قضى ثلاث سنوات. وفي العام 2000 غادر إلى فنلندا، ودرس في جامعة هلسنكي مادة “الأزمة والسلام” قبل أن ينتقل إلى فيينا ويلتحق بجامعتها، ومن بعدها انتقل إلى بلجيكا.
حرر ثيت قسم اللغة البورمية في موقع “الشعر العالمي” في بلجيكا، كما شارك في تحرير مختارات من الشعر البورمي المعاصر ضمت 15 شاعراً معاصراً، صدرت قبل سنوات قليلة باللغة الانجليزية تحت عنوان “ستصيح العظام”. وبعد أن عاش لسنوات في بلدان مختلفة بمثابة منفيّ، عاد هذا العام إلى وطنه.
يكتب كو كو ثيت (Ko Ko Thett) بالبورمية والإنجليزية وبالأخيرة كتب مجموعته “عبء أن تكون بورمياً” التي اخترنا منها هذه القصائد الثلاث].
بعد “أكذوبة الفن”
أكرهُ الجدران التي لها عيون
أكره العيون التي لها جدران
أكره بحاراً من دون بحر أسماك عميق
أكره بحر أسماك عميق من دون بحار
أكره إرادة حرّة من دون برمجة
أكره برمجة من دون إرادة حرة
أكره عقلية تحاصرها حتمية تاريخية
أكره حصاراً عقلياً بحتمية ما قبل التاريخ
أكره طريقاً روحياً من دون فكر
أكره فكراً من دون طريق روحي
أكره حياة من أجل التكاثر
أكره تكاثراً من أجل الحياة
أكره صناعة من أجل الإنتاج
أكره إنتاجاً من أجل صناعة
أكره الإحسان من أجل الشهرة
أكره الشهرة من أجل الإحسان
أكره فناً من أجل أناس وحياة تحدّ من الفن
أكره أناساً من أجل فن وفناً يحدّ من الحياة
أكره حقوقاً حصرية بالتبادل
أكره تبادلاً بحقوق حصرية
أكره الغراب الأعصم أحمر المنقار الذي لا يمتدح إلا الغراب
أكره الغراب الذي لا يمتدح إلا الغراب الأعصم أحمر المنقار
أكره لغة بوصفها سلاح الضعيف
أكره سلاحاً بوصفه لغة القوي
أكره ترجمات منقولة حرفياً
أكره ما ينقل حرفياً من ترجمات
أكره الكراهيات التي لا تغادر
أكره الغراميات التي تبقى
أكره أن أقسّم دراهماً
أكره دراهماً تقسّم
أكره شبقاً من دون لمساتٍ بالفم
أكره لمسات بالفم من دون شبق
أكره تناول حبوب قبل النوم
أكره قبل النوم تناولَ حبوب
أكره فوضى في مُختلى
أكره مُختلى في فوضى
أكره صدقاً
كل ما هو لك.
مرأى ثعلب
في منتصف الليل ثعلبة على طريق ضاحية
يتسحّب ذيلهُا الأنيق المكسو بالفراء مثل مذنّب
رأسها المدبّبُ محنيٌّ
نحو الأرض مثل مذنّب
إلماحتها الحذرة آسرة مثل إلماحة مذنّب
هنالك ما هو أكثر لكلينا من لقاء عينين.
هالووين
أنتَ تنزّ صديداً، ومع الذباب طنيناً
لعطر ما بعد الحلاقة رائحة موت خريفي
أنت ضحيت بساقيك من أجل أرضك
ترحلّت إلى كل مكان
نفختَ بالساكسفون في فرقة عازفين منفردين
لعبتَ هوكي الخيالة في مقاطعة سوسكس
أنت عقدت الأنشوطة أفضلَ من خبيرٍ بعقدها
أنت تعرف كيف تحمل زجاجة دمك
أنت تمضغ وفمك مغلق
أنت تهضم كل شيء بجودة عالية
أنتَ مخلص لزوجكَ
أنت تحبّ أن تكون مع الأطفال
أنت تعرف كل الأوهام المهمة
أنت لطيف مع أسرتك
أنت تتدرب مثل فأر من مواليد مختبر
أنت تتكلم بلهجة سليمة
أنت تعمل محامياً متطوعاً، أنت تدفع ضرائب
أنت تعرف كيف تقذف سهماً
أنت تفهم حتى لغتي، لغة الشيطان*
من المفجع رؤيتك، ياسيــ … ؟
آه، نعم مرّرَ لي خادمك بطاقة دعوتك
هل تمتّ بصلة لبطل الحرب ذاك، ذاك الجنرال عالي الرتبة
طبعاً، طبعاً، اسمك يذكّر بالجنرال
كليمنت فون كافكا- دوم
عافية، شجاعة، عناوين على صدر الصفحات الأولى
ها أنت أشبه بجثة دافئة
شفاهك تتحدث بنعومة، ومصافحاتك مصقولة
مضياف جداً وإدمانك على الكحول فخم للغاية
دعني الآن أنزع بذوركَ لأن عينيك الخضراوين بلون اليشب
ممتلئتين بالحياة، وإنسانيتين.
* يستخدم الشاعر هنا تسمية كلمة “بيركيلي” (Perkele) ذات الأصل الهندو/أوروبي، وهو اسم إله فنلندي وثني، ومع دخول المسيحية إلى فنلندا شيطنت هذا الاله فأصبح اسمه يعني “الشيطان”.
** ترجمة وتقديم محمد الأسعد
العربي الجديد