صبحي حديديصفحات الرأي

عباقرة 2014: الحقائق والأضاليل/ صبحي حديدي

 

 

 

جرياً على ما صار تقليداً دائماً في اختتام السنة، أعلن الموقع الإلكتروني لشهرية Foreign Policy الأمريكية لائحة الأسماء الأفضل في فئة «المفكر الكوني»؛ حيث شاء التحرير توزيعهم، هذه المرّة، على عشرة تصنيفات: المحرّضون، المتحدّون، المبتكرون، المسجِّلون، الفنانون، صنّاع القرار، الطبيعيون، المدافعون، المعالِجون، والأساطين. أعدادهم، حسب الأصول الجغرافية، تسير هكذا: 28 من أمريكا الشمالية، 7 من الجنوبية، 13 من أفريقيا، 31 من أوروبا، 37 من آسيا. وأمّا من حيث الجنس، فهم 80 رجلاً و51 امرأة؛ وأعمارهم تبدأ من 16 سنة (الفلسطينية الغزّية فرح بكر)، وتنتهي عند 89.

العرب، غنيّ عن القول، يتصدّرون اللائحة الأولى، من «الخليفة» الهمام أبي بكر البغدادي، زعيم «داعش»؛ إلى حجاج العجمي، الداعية الكويتي والمموّل المزعوم للتنظيم؛ ومواطنه عبد الرحمن خلف العنزي، المموّل المزعوم لـ «جبهة النصرة» وتنظيمات القاعدة عموماً. أمّا زملاؤهم في الفئة، فهم فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي؛ ومواطنه ألكساندر دوجين، منظّر التوسع الإمبريالي الروسي؛ والنيجيري أبو بكر شيكو، زعيم «بوكو حرام»؛ والأوكراني ألكساندر بوروداي، صاحب فكرة الجمهورية المنشقة؛ والداعشي «الجهادي جون»، ذبّاح البشر في الفيديوهات الشهيرة.

هذا لا يعني غياب العرب عن لوائح أخرى، أكثر تشريفاً إذا جاز التعبير؛ ليس في فئة صنّاع القرار بالطبع، التي يتصدرها الرئيس الهندي ماريندرا مودي، تليه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، والرئيس الإيراني حسن روحاني في المرتبة الرابعة، من أصل عشرة. هنالك حسين العباسي، الأمين العام للاتحاد التونسي العام للشغل، الذي صُنّف في المرتبة الأخيرة ضمن 15 شخصية في فئة التحدّي، لأنه حوّل النقابات إلى أداة ضغط وتوحيد وحوار بين أحزاب تونس وقواها. وهنالك، في المرتبة الثانية ضمن فئة المدافعين (مناصفة، هذه المرّة!) السوري رامي عبد الرحمن، مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»؛ وحجاي إلعاد، المدير العام لـ «بتسيليم»، مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.

وضمن فئة المسجّلين، هنالك الصبية الغزّية فرح بكر التي اشتهرت، خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزّة، بتغريداتها الوجيزة والبليغة والتوثيقية على «تويتر». وفي فئة الفنانين يجد المرء ميمنة فرحات، مديرة «غاليري أيام»، دبي وبيروت ولندن، ومهند عرابي، الفنان التشكيلي السوري؛ لأنهما تعاونا في تنظيم معرض مميز نقل تمثيل الفنانين السوريين لعذابات بلدهم. وأمّا في فئة أساطين المال والأعمال، فلدينا ـ والحمد لله! ـ الأميرة ريما بنت الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود؛ التي، حسب الموقع، «تُعدّ نموذجاً مشجعاً لتشغيل المرأة في السعودية».

وأياً كانت الطعون حول هذه الخيارات، وهي كثيرة ومشروعة في تسعة أعشارها؛ فإنّ التحرير أسقط هذه المرّة مقاربة كلاسيكية هيمنت على لوائح الماضي، أي الترتيب وفق أعداد متدرجة، من حيث الأهمّ، فالأقلّ أهمية، مما ظلّ يفسح المجال أمام فضائح كبرى. على سبيل المثال، في سنة 2009، جاءت الهولندية الصومالية الأصل أعيان حرسي علي في المرتبة 48 (أي قبل أمثال هنري كيسنجر، 55؛ القاضي الإسباني بالتازار غارثون، 57؛ الاقتصادي الكبير أمارتيا سين، 58؛ 63؛ فرنسيس فوكوياما، 65؛ رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، 74؛ الاقتصادي الفرنسي جاك أتالي، 86؛ البريطانية الباحثة في الأديان المقارنة كارين أرمسترونغ، 87…)! السبب يبدأ من ابتذال أوّل، هو «نقدها الاستفزازي للإسلام، دين يفاعتها»؛ ثمّ يهبط إلى ابتذال أدنى، أو أسفل في الواقع، حين يُطالَب القارئ بالنظر إلى حرسي علي في صورة «نيتشه الإسلام»… نعم، ليس أقلّ من صفة الفيلسوف الألماني العظيم!

فضيحة أخرى هي مجيء الفرنسي برنار ـ هنري ليفي في المرتبة 31، بسبب «تقديم نقد جبار لكيفية فشل اليسار في أوروبا العجوز»؛ ولأنه «فيلسوف بامتياز»، و «هو ببساطة المثقف العمومي الأعلى كعباً في فرنسا»، وهذه أكذوبة صريحة فاضحة بالطبع، لا يتجاسر ليفي نفسه على ادعائها. كذلك أطرى التحرير اعتراض ليفي (اليهودي، المتعصّب للدولة العبرية حتى النخاع، كما يتوجب القول) على تودّد أوباما للفلسطينيين، وأفكاره حول تنازل اليسار الأوروبي عن مبدأ العدالة، لصالح الهجوم الصبياني على الرأسمالية وأمريكا وإسرائيل واليهود، ممّا انتهى بهم إلى أحضان صدّام حسين!

وإذْ لا تخفى ـ وفي الأصل: لا يمكن أن تغيب ـ اعتبارات التحيز المسبقة، والتنميطات الاستشراقية الجاهزة، والأجندات الخفية المختلفة، عن طقوس التصنيف السنوية هذه؛ فإنّ الفوارق بين حقائقها وأضاليلها ليست واهية مفضوحة، فحسب؛ بل تتيح فضيلة إبصار ثمينة: فتح الأعين… على اتساعها!

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى