عبدالقادر عبداللي.. وداعاً
كاتب ومترجم السوري، يعدُّ من النوافذ التي أطلَّ بها القارئ العربي على الأدب التركي، من خلال ترجماته لمختارات من الأدب التركي لكبار كتّابه.
المولد والنشأة
ولد عبد القادر عبد اللي عام 1957 في مدينة إدلب السورية.
الدراسة والتكوين
تخرج في جامعة المعمار سنان بإسطنبول بقسم فنون المسرح والمشهد، ثم حصل على الماجستير في الرسوم المتحركة.
تجربة الترجمة
يعتبرعبد اللي الجسر الثقافي الذي أطل به القارئ العربي على النتاج الثقافي للأدب التركي، فقد بدأ مشواره بترجمة الأعمال الأدبية الساخرة للكاتب التركي عزيز نيسين، وقام المخرج السوري هيثم حقي بتحويل رواية “زوبك” لنيسين إلى مسلسل تلفزيوني بعنوان “الدغري”.
وأغنى المكتبات العربية بنحو 55 كتابا لأعمدة الأدباء الأتراك الحديثين والمعاصرين، كالحائز على جائزة نوبل للآداب 2003 أورهان باموق الذي اعتبره مترجما حصريا لمؤلفاته إلى العربية، وعزيز نيسين وناظم حكمت ويشار كمال وإليف شفق وغيرهم.
ولم يكتفِ عبد اللي بترجمة الكتب فحسب، فلديه كتاب في النقد التشكيلي الساخر بعنوان “فرشاة” وكتاب عن الأمثال المشتركة بين التركية والعربية، حاول من خلاله مدّ مزيد من الجسور بين الشعبين العربي والتركي، بالإضافة للعديد من المقالات السياسية والتحليلات نشرت في العديد من المواقع العربية.
ومن أبرز الكتب التي ترجمها عبد اللي للمكتبة العربية للكاتب التركي أورهان باموق: “أسمي أحمر” و”غرابة في عقلي” و”إسطنبول الذكريات والمدينة” و”البيت الصامت”.
والأعمال الكاملة للكاتب أورهان ولي، وكتاب “سلطان حكم العالم: القانوني، رحلة شيقة في تاريخ الدولة العثمانية” للكاتب طلحة أوغولو.
واتجه عبد اللي في العقد الأخير من عمره لترجمة المسلسلات التركية، ومن أبرز ما نقله باحتراف ودراية بالثقافتين إلى المشاهد العربي، مسلسل “نور” وسلسلة “وادي الذئاب”.
الوفاة
توفي عبد القادر عبد اللي يوم 2 فبراير/شباط 2017 بمدينة أضنة جنوبي تركيا، وذلك بعد صراع مع المرض.
عبدالقادر عبداللي.. وداعاً مَرضُ عبداللي، الذي استمر شهوراً، وتغلغل في جسده، حتى وصل رأسه، لم يمنعه من الكتابة والتفكير
غيّب الموت الصحافي والباحث والمترجم السوري عبدالقادر عبداللي، الخميس، في مدينة أضنة التركية، بعد اصابته بالسرطان. مَرضُ عبداللي، الذي استمر شهوراً، وتغلغل في جسده، حتى وصل رأسه، لم يمنعه من الكتابة والتفكير، كطريقة وحيدة لمواجهة الموت.
عبداللي، من مواليد إدلب في العام 1957، كان متعدد الميول والمواهب، فدرس الفنون الجميلة في تركيا، ثم الإخراج المسرحي في النمسا، والترجمة في القاهرة، وعمل في العديد من مراكز الأبحاث والدراسات.
واسم عبداللي، بات مقترناً باللغة التركية التي عشق وترجم عنها عشرات الأعمال الأدبية والمعرفية. عبداللي أدخل الأدب التركي إلى العربية، وجسّر المسافة بين الحضارتين الشقيقتين، بسلاسة ونضارة. من عزيز نسين إلى أورهان باموق، لم تكن مسيرة ترجمة فقط، بل صداقة المترجم مع الكاتب، وأمانة الترجمة. من “اسمي أحمر” إلى “متحف البراءة” ارتسمت صداقة عبداللي مع باموق، كما ارتسمت علاقة القارىء العربي بأدب الجار الشمالي.
علاقة عبداللي مع الصحافة توقفت بعدما وجد نفسه قبل أكثر من عقد، من دون مقدمات، يقوم بالترجمة في سيارة مع بشار الأسد وعبدالله غل. توقف عبداللي من بعدها عن الكتابة لسنوات، محاذراً، لحساسيته أن يحسب على سلطة ما، وهو الشغوف بنقدها.
معرفة عبداللي بالتركية، أعمق مما يعرفه الأتراك أنفسهم اليوم، فقد أجاد اللغة العثمانية القديمة المكتوبة بالحرف العربي، وعمل مترجماً لوثائق قلّ من يعرف قراءتها اليوم.
تركيا التي أحب، وعاش فيها طويلاً، كانت محطته الأخيرة. وفيها، دخل في سجال سياسي مع المثقفين الأتراك، من موقع الندّ في السياسة والأخلاق. فعبداللي لم يكن ناقلاً التركية إلى العربية فحسب، بل مثقفاً وناقداً رفيعاً، يحسب له الحساب في أوساط المثقفين الأتراك.
بغياب عبداللي، تخسر “المدن”، والثقافة العربية، قلماً جريئاً، نابضاً بالمعرفة والأخلاق، متمهلاً حذراً، باحثاً عن المصداقية، في عالم يتهاوى.
عبد القادر عبداللي.. مترجم الأدب التركي يرحل مبكّراً
إسطنبول – العربي الجديد
يُحسب لعبد القادر عبد اللي (1957 -2017) أنه فطِن منذ بداياته – مع قلّة من أقرانه – إلى ضرورة إنهاء شبه القطيعة مع أدب الجوار العربي وثقافاته، إذ قدّم المترجم والكاتب السوري للمكتبة العربية أكثر من 80 كتاباً عن اللغة التركية، وتنوّعت اهتماماته فيها بين القصة القصيرة والرواية والمؤّلفات التاريخية والسياسية والسينما والدراما.
في لقائه الأخير مع “العربي الجديد” الشهر الفائت، لم يسع إلى تأمّل تجربته الممتدّة أكثر من 35 عاماً، إنما غالَب مرضه بالحديث عن مواصلة مشروعه في تعريف القارئ العربي إلى معارف وإبداعات جديدة، وأن يجد بعض الوقت للرسم بعد أن انقطع عنه بسبب انشغالاته الأخرى.
لم يترك عبد اللي، الذي رحل ليلة أمس في مدينة أضنة التركية، وصية له؛ كان مقاوماً حالماً على طريقته، لا يؤمن إلاّ بالعمل في نهار طويل، وربما “استفاق من نومه ليلاً ليوثّق حلماً رآه، كتابة أو رسماً، ليكون على جدول عمله في اليوم التالي”.
خلاصة تنسجم مع مسيرة إبداعه الطويلة، التي بدأها منذ دراسته في تركيا في سبعينيات القرن الماضي، حيث اطلّع هناك على التاريخ العثماني والأدب والفن التركي المعاصر، فتولدّت لديه القناعة بـ”ضرورة نقل أدب هذا الجار الذي ظلمته السياسة كما ظلمتنا”، بحسب حديثه لـ”العربي الجديد”.
ترجم مختارات من القصة القصيرة التركية مطلع الثمانينات، ونشرها في “جريدة إدلب الخضراء” عام 1985، وهو لا يزال يعمل مدرّساً لمادة الفنون في “معهد إعداد المدرسين” في مدينة إدلب؛ مسقط رأسه. وحين انتبه إلى اهتمام القرّاء وإقبالهم على ترجماته، قام بنقل رواية “زوبك” لـ عزيز نيسين، وقد صدرت الطبعة العربية الأولى في 15 ألف نسخة.
عملٌ دؤوب وصامت، هكذا وزّع عبد اللي وقته بين التدريس والكتاية الصحافية والترجمة، متفرّغاً في مرحلة أولى إلى ترجمة أعمال نيسين، ثم توالت الترجمات لكتّاب آخرين؛ من بينهم: يشار كمال، وايلبر أوطايلي، وأورهان يشار، وفقير بايقورت، وأورهان باموق، وخلدون تتر.
اتجه بعد ذلك إلى تقديم الواقع السياسي والاجتماعي التركي عبر الأعمال التلفزيونية والسينما، حيث ترجم أكثر من عشرين عملاً درامياً، وعشرات الأفلام الوثائقية والسينمائية، وإلى جانب ذلك عمل في “مركز الدراسات الاستراتيجية” في دمشق لسنوات، قدّم خلالها أبحاثاً عن الشأن التركي وآلية القرار، لم يُؤخذ بها من قبل نظام الأسد رغم أن الأخير كان يتمتّع وقتها بعلاقة جيدة مع أنقرة، إذ طُلب من عبد اللي في عام 2005 أن يُقدّم مسودّة دستور على غرار الدستور التركي، لكن مشروعه بقي حبيس الأدراج.
رحل عبد القادر عبد اللي – الذي سيشيع جثمانه غداً في أضنة التركية – ومعه أحلام كثيرة مؤجلة، لم تتسع سنوات عمره الستون لإنجازها، لكنه بالتأكيد مطمئن إلى أن إخلاصه وكدّه قد تركا أثراً لن يمحى.
العربي الجديد
نقل عن التركية أعمال أورهان باموق وعزيز نيسين: التشكيلي والمترجم السوري عبد القادر عبد اللي يغادر تاركا عالما سيرياليا من صنعه/ بسمة شيخو
اكتشف السوريون في الأول من آذار/مارس 2017 أنهم ما زالوا يملكون في قلوبهم متسعاً للحزن، لم ينتبهوا لوجوده قبل أن يملأه غياب عبد القادر عبد اللي (مواليد إدلب/ سوريا 1957) الذي فارق الحياة إثر مرضٍ أجبره على أن يغادر ويترك حرقة كبيرة في صدر الكثير من المثقفين السوريين والعرب، الذين يحملون فضله على أكتافهم، فقد فتح باباً أمامهم لولوج عالم الأدب التركي، ونقل أو ربما عمل جاهداً على نقل الحالة الثقافية التركية وجعلها تجارب حسيّة قريبةً من الوجدان العربي، بعيداً عن الأفكار التي تشوّه كل ما يمت لتركيا بصلة، باعتبارها استمراراً للاحتلال العثماني. أثبت عبد اللي أن هذا التعميم غير صحيح، وخلق لنا مئات الأصدقاء من الأتراك الساكنين في الروايات التركيّة، عن طريق ترجماته لكثير منها – كان المترجم الحصري للروائي التركي أورهان باموق- ومن بين ترجماته له «اسمي أحمر»، «ثلج»، «الكتاب الأسود»، «القلعة البيضاء».
كذلك ترجم لعزيز نيسن «زوبك»، «آه منا نحن معشر الحمير»، «الطريق الوحيد»، «سرنامة»، «الحمار الميت»، «في إحدى الدول». ولأوقاي ترياقي أوغلو «السلطان سليمان القانوني سيد العصر الرائع»، «السلطان الفاتح، فتح قسطنطينة». وللروائية إليف شافاق «قصر القمل». كذلك ترجم الأعمال الكاملة لأورهان ولي وغيره من الكتّاب الأتراك إيلبير أورتايلي، أورهان كمال، يشار كمال، إسكندر بالا.
لم يقف عبد القادر عند حدود الكتب والروايات، بل تجاوز حميمية قصصها، واقترب من المواطن العربي البعيد هذه المرة عن القراءة وأدخل الدراما التركيّة إلى بيته، فهو مترجم مسلسل «نور» وكذلك مسلسل «وادي الذئاب» ذائعي الصيت.
ترجمات عبد اللي بلغت خمسة وخمسين كتاباً لغاية 2014، لكن أهميته كمترجم لم تلغِ عبد اللي الكاتب، فنجده نشط في الكتابة في الشأن الثقافي والسياسي التركي في العديد من الصحف والمجلات، ولديه كتاب في النقد التشكيلي الساخر بعنوان «فرشاة» باعتباره خريج جامعة المعمار سنان في إسطنبول قسم فنون المسرح والمشهد، ماجستير في الرسوم المتحركة.
وفيه يناقش فن الكاريكاتير ويسلّط الضوء على التجارب العربية، مناقشاً ضوابط هذا الفن والأسباب الكامنة وراء ضعفه في العالم العربي؛ فيقول فيه: «يعتقد البعض أنه ليس ثمة ضوابط أو قواعد للكاريكاتير، فيطلقون هذه التسمية على أي عملية تشويه لرسم، أو حتى إنهم يرسمون رأساً لإنسان بنسب قريبة من الواقع لعدم استطاعتهم رسمه بالنسب الطبيعية تماما ـ وبالطريقة نفسها يرسمون الجسم، ولكن المفارقة أن الرأس كبير جداً، والجسم صغير جداً، فاختلال النسبة بين الرأس والجسم يجعل الشكل ـ حسب اعتقادهم ـ كاريكاتيرا. لا بد من الاعتراف بأن الكاريكاتير في بلادنا من أضعف ضروب الفن ـ ودائما كما هو معروف هنالك استثناءات»؛ «نحن نفتقر للصحف والمجلات المتخصصة في الكاريكاتير. ومن المعروف أن هذه الصحف على درجة كبيرة من الرواج، وتحقق مبيعات ضخمة في دول العالم، ولكن ليس ثمة من يقدم على مشروع من هذا النوع في بلادنا، لأن إنشاء مشروع كهذا يحتاج إلى ثلاثة عناصر رئيسية هي الموهبة ـ المال ـ الديمقراطية. صحيح أن المال متوفر والحمد لله، وأصحاب رؤوس الأموال باتوا يبحثون عن مشاريع لاستثماراتهم، ولكن العنصرين الآخرين غير متوفرين».
أما عن عبد القادر عبد اللي الفنان التشكيلي، فقد كان فناناً واضح الخط والهوية، لا يحتار من يطّلع على أعماله بأن ينسبه لأجداده بريتون ودالي، أبرز وجوه السريالية، حيث قام عبد اللي من خلال أعماله بترجمة الواقع المعاش برؤيةٍ فانتازية سريالية تعبّر تماماً عن حجم التناقضات المغروزة بين أسنان المجتمع، وعن كمية الألم اليومية التي يشحن بها الإنسان هنا.
وجود العيون ضمن اللوحة ثيمة مميزة لأعمال عبد اللي، فتكون المحور أحياناً، هناك عمل يصوّر عيوناً كثيرة متجاورة في رفوف خزانة، وكلّ منها يتعرّض لعذابٍ مختلف، المخرز، القضبان، التمزيق، والحُجب مرات… هكذا حتى تنتهي المجموعة المكوّنة من ثماني عشرة عيناً، وفي لوحةٍ أخرى نجد العين تعصر بيدٍ ضخمة، أو نجد المدى أصبح وجهاً، التلال هي تضاريسه، فتحتا الأنف واضحتان وعشب الشارب أيضاً، العينان هنا واحدةٌ تقف خلف خمس شجرات، وأخرى كالرادار تدور فوق برجٍ للكهرباء، تبحث عن بصيص أمل، قد تتجمع القزحيات بجانب بعضها لتشكّل سماء العمل- وذاك موجود في عدة لوحات-، فكأن السماء أصبحت مرآة تعكس العيون الشاخصة نحوها، وتحت هذه السماء نجد شواهد القبور وكأنها انقلبت عروشاً لهياكل عظمية بأيديهم آلاتٍ موسيقية ترحب بالقادم الجديد. العروش أيضاً عنصر متكرر في أعمال الراحل عبد اللي فنجد عرشاً مرتفعاً عدة درجات، تعلوه قبةٌ مزخرفة ملوّنة بلا عمد، وكأن العرش يمنح ساكنه منزلةً تقارب منزلة الآلهة.
الأجساد سائلة القوام، مرنة كما هي في معظم الأعمال السريالية، تلتف حول بعضها، لتجف أيديها في النهاية وتبدو كشجرةٍ يابسة، تترك أعضاءها تتوزّع كما يحلو لها، لا مكان لنظامٍ ضمن هذا المجتمع المفتوح نحو الخيال.
لوحات الفنان عبد اللي كانت فرصةً لنا لمشاركة هذا المبدع عالم أحلامه الغرائبي، البعيد كلّ البعد عن القواعد والمنطق، حيث الأبنية والأبراج تتلوّى كأفاع، والجمادات تملك أعضاءً بشرية، عبد اللي كان يعجن التكوينات بعد أن يستدعيها من عالم اللاوعي المليء بالمشاهدات الواعية والواقعية، ويرميها على سطح اللوحة بدقةٍ شديدة، صانعاً عالماً جديداً مليئاً بالخوف والتوتر والعنف، هذه اللوحات كانت عاكسةً للقلق الذي يملأ داخل هذا الفنان الحسّاس والممتلئ بهموم بلده وأهله، وكانت أيضاً تحمل مزجاً مكثّفاً بين العقل والجنون، بين الوعي والخيال؛ عاكسةً الواقع المهين والمخيف الذي وصل له الإنسان ضمن عالم مليء بالمعاناة، وكذلك يصوّر الإنسان المهمّش فيبدو وكأنه منشفةٌ في الحمام على سطحها تتوزّع الملامح، معلقٌة وراء الباب؛ وحالة الرجاء والاستجداء واضحة من خلال عملٍ آخر يعكس واقعنا بشكلٍ مباشر هذه المرة، مئذنة وصاروخ يطلان علينا من منظور «عين النملة» – اللقطة مأخوذة من الأسفل- بينهما خيوط عنكبوت معلّقة عليها أجساد بشرية بملقطي غسيل، وفي أسفل المشهد أكفٌ تحاول الإمساك بالفراغ.
كان عبد اللي يعتمد الدقة في رسومه ليبرز التفاصيل كاملة في محاولةٍ لخلق عالمٍ موازٍ بأشكاله وتكويناته، يكمل هذا العالم ويملأه بالكلمات ليصنع عبد القادر عبد اللي من الكتابة والترجمة والرسم بانوراما واسعة تجمع الحاضر بالمستقبل والواقع بالخيال، تفتح نافذةً بين الترك والعرب، وعلى حافتها تتمشّى أعماله السريالية ضاحكةً من عدمية الواقع وبلادة المنطق.
القدس العربي
رحيل مبكر لعبدالقادر عبداللي أهم مترجمي الأدب التركي/ ممدوح فرّاج النّابي
عرفتُ الأدب التركي، قبل أن أذهب إلى تركيا في رحلة عمل، عبر وسيطيْن، الأول هو المترجم السُّوري الأصل عبدالقادر عبداللي المولود في مدينة إدلب عام 1957، الذي رحل عنا، والثاني هو محمد درويش، وهو أيضا سوري الأصل، لكن كان ثمة فارقٌ بين الاثنيْن لم أعرفه إلا بعدما عِشتُ في تركيا وعرفتُ خصوصية الثقافة التركية خاصة ثقافة جنوب شرق تركيا.
هذا ما كان واضحًا في ترجمات عبدالقادر عبداللي، الذي كان يترجم مباشرة عن التركية، بحكم إقامته ودراسته في تركيا في جامعة معمار سنان بإسطنبول، وتخرّجه في كلية الفنون الجميلة، قسم فنون المسرح والمشهد، ثمّ استكمل دراسته العليا في الرسوم المتحركة.
باللغة الأم
من يقرأ للمترجمين القادرين يُدرك الفارق بين ترجمات عزيز نيسين وباموق التي كانت تصدرها دار “المدى” بتوقيع عبدالقادر عبداللي وترجمات إليف شافاق التي كانت تصدرها دار “الآداب” بتوقيع محمد درويش، الذي كان يترجم عن الإنكليزية بحكم كتابة شافاق باللغة الإنكليزية في السنوات الأخيرة.
علاقة عبدالقادر عبداللي مع الأدب التركي والترجمات تعود لإقامته في تركيا واطلاعه على تاريخها وأدبها وفنونها
علاقة عبدالقادر عبداللي مع الأدب التركي والترجمات تعود كما يقول في آخر حوار له “لإقامته في تركيا واطّلاعه على التاريخ العثماني والأدب والفن التركي”، ومن ثم على حد قوله “شعرت بضرورة نقل أدب هذا الجار، الذي ظلمته السياسة كما ظلمتنا. أردت التفريق بين الإمبراطورية العثمانية والدولة التركية، بقصد تعريف القارئ العربي على واقع تركيا الاقتصادي والسياسي والأهم الإبداعي، فبدأت بالكاتب الساخر عزيز نيسين، وقد جاءت بدايات النشر مع صدور جريدة “إدلب الخضراء” عام 1985، وهو ما تبعها النشر في العديد من الصحف السورية الرسمية.
لا تفصح ترجمات عبدالقادر عبداللي عن وعي بالطبيعة التركية فقط، بل هي تكشف عن مترجم حصيف مدرك للتطورات السياسية والاجتماعية التي كان أثرهما ظاهرًا للعيان في التركيبة السكانية وعلى الأخص الهوية التركية المعقدة بعض الشيء، وهي الواضحة للعيان في كتابات أورهان باموق، وهو الأمر الذي جعل من ترجماته أقرب إلى الكتابة باللغة الأم عن الترجمة، كما أن اختياراته للأعمال التي ترجمها بدءًا بعزيز نيسين وانتهاء بباموق، تبرز أيديولوجيته المنحازة دوما للعدالة والحق، وهو ما كشفه موقفه من تأييد الثورة السورية عندما اندلعت.
روافد الترجمة
قدّم عبدالقادر عبداللي ترجمات عديدة لأدباء تركيا، حتى وصلت ترجماته عن التركية إلى 80 كتابا من التركية إلى العربية والعكس بالعكس، فكانت البدايات مع الكاتب الساخر عزيز نيسين، فترجم له قصصًا قصيرة ثم رواية “زوبك: الكلب الملتجي في ظل العربة”، وهي أوّل رواية مترجمة عام 1989 عن دار “الأهالي”، وتبعها بروايات: “الطريق الوحيد” و”ترلي لي لم” و”سرنامة وقائع احتفال رسمي” و”في إحدى الدول”.
ترجمات لأدباء أتراك
بالمثل ترجم عبداللي للكاتب ياشار كمال رواياته “صفيحة” و”الفتوة التشغرجوي” ولإسكندر بالا ترجم “الزنبقة البنفسجية”، وكذلك لأحمد حمدي طانبنار أحد رواد كتابات ما بعد الجمهورية فترجم له: “طمأنينة، ومؤسسة ضبط الساعة” ولرائد الأدب التركي أورهان كمال روايته “جميلة”، ومن الأديبات ترجم لأجه تمل قوران روايتها “أصوات الموز”، ولإليف شافاق رواية وحيدة هي “قصر القمل” كما ترجم رواية “لا موت في الغابة” للطيفة تكين، وهي نموذج من روايات مرحلة ما بعد الحداثة في تركيا.
وبالمثل ترجم أول رواية ممثلة لتيار أدب الريف في تركيا التي ظهرت في أواسط الخميسنات من القرن الماضي بعنوان “ثأر الأفاعي” لفقير بايقورت و”السلطان الفاتح: فتح القسطنطنية” لأوقاي ترياقي أوغلو، ولسرقان أوزبورون ترجم روايته “إسطنبول بيت الخيال”.
علاوة على ترجماته الأعمال الكاملة لأورهان باموق من “جودت بيك وأبناؤه” وصولاً إلى “غرابة في عقلي” التي صدرت مطلع العام الماضي. ومن الترجمات التاريخية ترجمته لكتاب المؤرخ التركي الشهير ايلبر أوطايلي “نحن وتاريخنا”.
لم يقتصر اهتمام عبدالقادر عبداللي بترجمة الأدب التركي فقط، بل كان ثمة اهتمامات أخرى استطاع من خلالها نقل الواقع السياسي والاجتماعي التركي، الرافد الأوّل تمثل في اهتماماته الصحفية حيث المتابعات وكتابات المقالات المتعددة التي كان ينشرها في كثير من الصحف والمواقع، حيث كانت ثمة اهتمامات بمجريات الأحداث في تركيا سواء أجواء الانتخابات، أو الصراعات المعقدة بين الأحزاب السياسية، ثم دور تركيا في الأزمة السورية، وتحليلاته التي كانت بصيرة بخلفيات القرارات السياسية.
فكتب عن مؤتمر الأستانة ودور تركيا في إفشاله، وكان هذا آخر مقالة له ينشرها قبل أن تتدهور حالته الصحية. العجيب أن اهتماماته الصحفية طغت على جانب الفن لديه الذي كان بارعًا فيه وكتب فيه كتابًا عن الكاريكاتير الساخر. الرافد الثاني هو ترجماته للأعمال التلفزيونية والسينما، حيث ترجم أكثر من عشرين عملا دراميا، وكثيرا من الأفلام الوثائقية التي عرضتها بعض القنوات العربية.
آخر الأعمال التركية التي نقلها إلى العربية، رواية أورهان باموق “غرابة في عقلي” وصدرت عن دار “الشروق” المصرية في مطلع 2016، وإن كان أعادت دار الشروق مع مطلع هذا العام ترجماته لروايات “جودت بيك وأبناؤه” و”ثلج” و”متحف البراءة”.
في شهر فبراير من عام 2016 وقّع أورهان باموق روايته الجديدة “المرأة ذات الشعر الأصفر”، وكان عبدالقادر عبداللي حاضرا التوقيع حيث نقل صورة عن أجواء التوقيع، وهي صورة لها أكثر من مغزى حيث كان جمهور القراء يصطف في صف طويل في شارع الاستقلال الثقافي والسياحي وسط إسطنبول، وهو ما يعكس حالة الإقبال القرائية من الجمهور، والأهم هو نِسب توزيع باموق العالية جدا مقارنة بالكتاب العرب. أثرى المترجم القدير عبدالقادر عبداللي المكتبة العربية بالكثير من الروائع، لذا فرحيله سيخلف فجوة كبيرة في ترجمة الأعمال من التركية مباشرة.