صفحات سوريةهوشنك أوسي

عبد الباسط سيدا والامتحان الوطني العصيب


هوشنك أوسي

انتخاب المجلس الوطني السوري للدكتور عبد الباسط سيدا، رئيسا له، وفي هذه المرحلة الحساسة واللحظة الفارقة التي تمر فيها سوريا وثورتها على «طاغية الشام»، أتت مفاجئة لكل الكرد السوريين. ومرد التفاجؤ الأبرز كان، في ما قيل ورُوِّج بين الكرد السوريين، عن دور وتأثير تركيا على المجلس الوطني، ورفضها الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي السوري، وتضمين حقوقه القومية والثقافية، في سوريا ما بعد الأسد، دستوريا. ذلك أن تركيا، وبعد صراع مرير مع أكرادها، منذ سنة 1925 (انتفاضة الشيخ سعيد بيران النقشبندي على الدولة التركية) ولغاية اللحظة، لم تعترف دستوريا بوجود شعب كردي، يقدر تعداده بما يزيد على 20 مليون شخص، على أراضيها! وعليه، صحيح أن انتخاب سيدا، وموافقة تركيا على ذلك، هو «صفعة» لكل من كان وما زال يقول: «تركيا ترفض الحقوق الكردية في سوريا»، وصحيح أيضا، أن الموقف التركي هذا، لا يعني البتة، أنها لا تضطهد وتقمع أكرادها. ذلك أن الأصل، أن تعترف تركيا بحقوق أكرادها، لا ألا تعارض حقوق أكراد البلدان المجاورة. فعلاقات تركيا المنتعشة مع كردستان العراق، لم يكن لها مردودها السياسي والقانوني والدستوري على تحسن علاقة تركيا بأكرادها. وكذلك، حين كان نظام حافظ الأسد، يدعم حزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجلان، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، لم يكن يعني ذلك، مطلقا، أن الأسد الأب، كان «سمنا على عسل» مع أكراد سوريا، وأن حافظ الأسد «صديق الشعب الكردي»، كما كان وما زال يحلو لبعض الكرد، اجترار هذه الأكذوبة!

لا يمكن في أي حال من الأحوال، وفي زمن الثورة على ذهنية الاستبداد، والاستئثار بحكم الأوطان والشعوب، وفق حجج واهية، منافية لأبسط قواعد الديمقراطية، من طينة: يجب أن يكون رئيس سوريا عربيا لأن العرب هم الأغلبية، ومسلما لأن الإسلام هو دين الأغلبية في البلاد، وسنيا لأن المذهب السني هو مذهب الأغلبية في سوريا. وعليه، فإن انتخاب الكردي عبد الباسط سيدا، كان نقلة نوعية، وخطوة وطنية في الاتجاه الوطني الديمقراطي للمعارضة السورية، ينبغي الترحيب بها وتشجيعها والحض عليها وترسيخها لما لها من أثر إيجابي نوعي على تطور الوعي الديمقراطي الوطني في المعارضة السورية.

وفي الوقت عينه، لا يعني انتخاب سيدا؛ أن المعارضة السورية، قد طوت، نهائيا، صفحة ذهنية العصبيات القومية والدينية والمذهبية، بشكل أوتوماتيكي! هذه الخطوة المهمة والاستراتيجية، هي مؤشر على أن القوة الوطنية السورية المعارضة، تسير نحو إعادة إنتاج الحقبة الوطنية، منتصف الخمسينات، التي لم يسأل فيها الشعب رئيس دولته أو رئيس حكومته عن قوميته ودينه ومذهبه، مما جعل فارس الخوري يتولى رئاسة الوزراء ثلاث مرات، كان آخرها سنة 1954، وتسلم فوزي سلو رئاسة الجمهورية سنة 1951. وقبلهما، أول رئيس دولة منتخب في سوريا، هو محمد علي العبادي (الكردي) سنة 1932.

خطوة انتخاب سيدا، بالتأكيد، ستلقى الرفض المزدوج، من بعض العصبيين والعنصريين الكرد والعرب في آن. فمن العرب، من سيقول: لا يمكن أن يتولى كردي رئاسة المجلس الوطني. لأن في ذلك تمهيدا لأن يتسلم كردي رئاسة سوريا ما بعد الأسد، ويتكرر السيناريو العراقي، حين تسلم جلال طالباني رئاسة العراق! وهذا الموقف، يستند إلى خلفية قوموية، شوفينية، مطعمة بالآيديولوجية الدينية أو اليسارية. وهكذا طرح، يتنافى تماما، مع أبسط مبادئ الدولة الوطنية الديمقراطية، التي لا يمكن إدارتها بذهنية الأغلبيات القومية والدينية، ذلك أن الوعي الوطني الديمقراطي والمدني، يسعى لتحقيق وإنجاز دولة وطنية، تشعر الأقلية، أيا كان نوعها، فيها بأنها الأغلبية، نتيجة انتفاء الفروق بينها وبين الأغلبية. زد على ذلك أن مبدأ الأغلبية في الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية، قائم على الأغلبية السياسية تحت قبة البرلمان، وليس الأغلبية القوميّة والدينية والطائفية، ذلك أن الأخيرة، تنسف مبدأ الدولة الوطنية من الأساس، بجعلها دولة هشة، قوامها المحاصصة بين القوميات والطوائف.

على الطرف الآخر، يواجه عبد الباسط سيدا، هجوما شرسا من بعض القومجيين في الحركة الكردية السورية، بحجة أن سيدا، لا يمثل الكرد في المجلس الوطني، وبل يمثل شخصه، زد على ذلك اتهامه بأفظع وأشنع التهم. أما الفريق السياسي الكردي السوري الموالي لحزب العمال الكردستاني (حزب الاتحاد الديمقراطي)، فلن يستجد شيء على موقفه السابق المعادي لعبد الباسط سيدا، ذلك أن هذا الفريق دأب على تخوين سيدا، واتهامه بأنه «عميل تركيا»، وضد القضية الكردية في تركيا! ومعاد لـ«العمال الكردستاني»! وغالب الظن، أن وتيرة الاستهداف والتخوين من قبل هذا الطرف الكردي السوري، لعبد الباسط سيدا، ستزداد.

الحق أنه امتحان وطني وسياسي عصيب ومصيري، الذي يواجهه الأكاديمي الكردي السوري، والناشط السياسي المعتدل، عبد الباسط سيدا، وسط هذه التحالف غير المعلن، بين القومجيين العرب والكرد السوريين، ضد توليه رئاسة المجلس الوطني السوري، بالإضافة إلى تفاقم الأزمات الداخلية التي تعصف بالمجلس الوطني، وتشتت وتطاحن أطياف المعارضة السورية، وازدياد النظام السوري في وحشيته ضد الثورة. إنه امتحان تاريخي، لا يحسد سيدا عليه. وسط كل هذه الأجواء والأوضاع، تسلم سيدا هذه المسؤولية التاريخية، وفي هذه اللحظة العصيبة والمفصلية. والسؤال: هل سينجح في أداء مهمته بأقل الخسائر الممكنة، ويكون متجاوزا الأخطاء التي سقط فيها سلفه برهان غليون أم لا؟

ما هو مفروغ منه، أن نجاح سيدا في مهمته هو نجاح لكل قوى المعارضة السورية بشكل عام، ونجاح للكرد وباقي الأقليات القومية، على وجه الخصوص. وكذلك، فشله، هو فشل للكل، وانتصار لنظام القتل والنهب والتدمير والتصفية الوطنية الذي يديره الأسد الابن.

إذن، ليس سيدا وحده، الذي يخوض هذا الامتحان الوطني، بل كل مكونات الشعب السوري، وقواه الوطنية المعارضة. لذا، يتعين على الجميع، تهيئة كل الفرص والأجواء لنجاح مهمة سيدا، بدلا من وضع العصي في عجلاتها، وعرقلتها، واستهدافها.

* كاتب كردي سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى