عبد العزيز الخيِّر ورفيقيه… سلاماً
فايز سارة
مضى شهران على غياب عبد العزيز الخير واثنين من رفاقه، وليس من خبر او علم يطمئننا انهم بخير، وهذا قلق اضافي، ينبع من ظروف غياب عبد العزيز ورفيقيه اياس عياش وماهر طحان، وكان الثلاثة في سيارة تحملهم من مطار دمشق الدولي باتجاه قلب العاصمة دمشق وصولاً الى عائلاتهم التي كانت بالانتظار.
ولقوات الامن السورية حضور قوي وشديد الفعالية على طريق المطار المصنف بين اهم المناطق الامنية في سوريا، وهي تنشر حواجزها على امتداد طريق المطار وعلى التقاطعات الرئيسية فيه بحيث يصعب على اي كان القيام بخرق امني في هذه المنطقة، التي اعتقل فيها الرجال الثلاثة دون اي اعلان من جانب السلطات على نحو ما جرت العادة. وعندما تتالت الاسئلة للاجهزة عن اعتقالهم، نفت ان يكون الرجال الثلاثة قد اعتقلوا، والنفي سياسة ثابتة في سلوكيات الاجهزة الامنية، وهو احد متممات سياسة الاعتقال وتوابعها.
الرجال الثلاثة، قياديون في هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير في سوريا، وهي تكتل سياسي علني معارض، يجمع احزاباً وجماعات وشخصيات من اتجاهات متعددة ومتنوعة التلاوين في الواقع السوري، وفيهم من القوميين العرب مثل الاتحاد الاشتراكي الى القوميين الاكراد كما هو الاتحاد الديموقراطي الكردي وصولا الى تنظيمات ليبرالية ويسارية بينهم حزب العمل الشيوعي وغيرهم.
اثنان من الرجال الثلاثة اضافة الى المنسق العام للهيئة حسن عبد العظيم، كانوا في وفد لهيئة التنسيق عائد من زيارة للصين في اطار مساع هدفها البحث عن معالجات سياسية للازمة التي تطحن البلاد منذ نحو عامين، وكلفت سوريا خسارات بشرية ومادية كبيرة. وزيارة وفد الهيئة للصين جزء من جهود البحث عن حل سياسي للازمة مع حليفين آخرين للنظام في دمشق، هما روسيا وايران، وتم التباحث معهما مرات في دمشق وكل من موسكو وطهران في العام الماضي، لكن المحصلة النهائية لكل الجهود لم تثمر بسبب تدني محتوى مبادرات الوسطاء الثلاثة مقابل المطالب الشعبية، ونتيجة تشدد النظام في دمشق وانحيازه النهائي الى خيار الحسم الامني ـ العسكري للصراع القائم.
عبد العزيز الخير، هو احد المساهمين الاساسيين في تأسيس هيئة التنسيق الوطنية، التي اعلنت في حزيران 2011 بعد ثلاثة اشهر من الحوار بين اطراف كثيرة من المعارضة السورية، وهي لم تكن تجربته الوحيدة في المشاركة في تجارب هدفها خلق تحالفات سياسية لجماعات معارضة، فقد كان الرجل احد المشاركين في اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي المعارض في العام 2005، وتم انتخابه في مركز قيادي في اعلان دمشق قبل ان يغادره في العام 2008، كما ساهم في اقامة تجمع اليسار الماركسي في سوريا (تيم) في ربيع العام 2007، حيث ضم عددا من التنظيمات والجماعات اليسارية والشيوعية.
وجهود عبد العزيز في العمل ضمن التكتلات والتحالفات السياسية، انما هي ثمرة تجربة طويلة من العمل السياسي بدأت في اواخر السبعينات في انضوائه في حزب العمل الشيوعي، وقد صار احد ابرز قيادييه وخاصة في المجال الاعلامي والدعاوي، قبل ان يعتقل بعد ملاحقات امنية تجاوزت السنوات العشر، وحكم عليه بالسجن لمدة اثنين وعشرين عاماً، امضى منها ثلاثة عشر عاماً قبل ان يطلق سراحه في العام 2005 بموجب عفو رئاسي.
ولعل الاهم في تجربة عبد العزيز اثناء فترة اعتقاله قدرته على ان يفرض نفسه طبيباً في السجن وهو حدث استثنائي في تاريخ السجون السورية، إذ استطاع كطبيب، ان يقنع ادارة السجن الذي كان معتقلاً فيه بتحويل احدى الزنزانات الى عيادة طبية تقدم الخدمة للسجناء، وفي تلك التجربة قدم خدمات لما يزيد عن مائة الف حالة مرضية من خلفيات ايديولوجية وسياسية مختلفة ولسجناء قضائيين مختلفين.
عبد العزيز الخير بدوره في العمل العام وبقدراته التي وظفها من اجل خدمة مجتمعه، يمثل نموذجاً للانسان الذي تحتاجه سوريا في محنتها الراهنة وفي التحديات التي تواجهها، حتى ولو اختلفت جماعات وشخصيات مع بعض آرائه ومواقفه السياسية، التي يتشارك فيها مع رفيقيه اياس عياش وماهر طحان وجميعهم يستحقون الحرية والكرامة، والنظام الديمقراطي البديل الذي يصر السوريون ويسعون من اجله دون كلل او ملل.
كاتب سياسي ـ سوريا
الصورة المرفقة للفنان بشار العيسى