صفحات العالم

عسكرة الانتفاضة السورية


رأي القدس

الملف السوري يزداد سخونة يوما بعد يوم، والتطورات على الارض توحي بان النظام مستمر في حلوله الامنية الدموية، والمعارضة الشعبية مستمرة في الوقت نفسه بالمطالبة باسقاطه، مما يوحي بان لا مكان للحلول الوسط، فاما ان ينتصر النظام او تنتصر الانتفاضة، وحتى تحسم الامور لهذا الطرف او ذاك علينا ان نتوقع المزيد من القتلى من المدنيين والعسكريين في آن.

الجيش السوري الحر الذي تتزايد اعداد افراده، بازدياد عمليات الانشقاق والانضمام اليه، اعلن بالامس عن قصفه مركزا للمخابرات السورية في مدينة حرستا قرب العاصمة بالصواريخ ومدافع ‘آر بي جيه’ مما اسفر عن مقتل ستة جنود واصابة العشرات. وجاء هذا القصف بعد ساعات من اشتباك بين مسلحين وقوات تابعة للجيش والامن السوريين قرب حماة ادى بدوره الى مقتل ثمانية جنود.

هذه الاشتباكات والهجمات تؤكد ان الانتفاضة السورية، او شقا رئيسيا منها، بدأ يتحول الى مرحلة ‘العسكرة’، تحت عنوان التصدي لقوات الجيش والامن التي تهاجم الاحتجاجات المدنية وقتلت اكثر من 3500 شخص حسب احصاءات منظمة الامم المتحدة، وان هناك من يقدر ارقام القتلى باكثر من ذلك بكثير.

سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي اعتبر هذه التطور الخطير حسب رأيه بانه سيقود البلاد الى حرب اهلية طاحنة، واتهم جهات عديدة بتسليح وتدريب الجيش السوري الحر. بينما يرى السيد هيثم المالح احد ابرز اقطاب المعارضة السورية ان قصف مركز المخابرات المذكور هو لحماية الشعب السوري، ولا يعني انطلاق هذه الحرب مثلما يقول المسؤول الروسي.

التركيز على هذه الاشتباكات المسلحة من الجانبين الرسمي او المعارضة في سورية يضفي نوعا من تحويل الانظار عن الاحتجاجات السلمية والضحايا المدنيين الذين يسقطون برصاص الجيش وقوات الامن في اكثر من مدينة وبلدة سورية.

الازمة السورية تتجه الى التدويل المباشر او غير المباشر، والتدخل العسكري الاجنبي على وجه الخصوص، خاصة بعد قرار وزراء الخارجية العرب باتهام النظام الحاكم بافشال مبادرتهم السلمية التي طالبته بوقف اعمال القتل فورا والافراج عن جميع المعتقلين والانخراط في حوار مع المعارضة.

السيد رياض شقفة زعيم حزب الاخوان المسلمين في سورية طالب صراحة بالامس بتدخل عسكري تركي لحماية المدنيين، بينما طالب السيد عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق باقامة مناطق حظر جوي، وتدخل عسكري غربي على غرار مثيله في ليبيا لتغيير النظام الحاكم في دمشق.

وتأتي جميع هذه المطالبات بالتدخل الاجنبي، بشقيه التركي او الاوروبي، بعد مناشدة العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني للرئيس السوري بشار الاسد بالتنحي عن الحكم فورا، وادلائه بتصريحات الى صحف بريطانية يحث فيها دولا اوروبية بأخذ زمام المبادرة وادارة الازمة في سورية وعدم التعويل على الدول العربية المنقسمة فيما بينها.

الامر المؤكد ان النظام السوري الذي يشن حملة اعلامية شرسة ضد الجامعة العربية ووزراء الخارجية العرب الذين يفرضون عزلة عربية عليه، لن يستجيب لمهلة الايام الثلاثة التي اعطاها اياه الوزراء انفسهم لاستقبال مراقبين وصحافيين عرب واجانب قبل فرض عقوبات اقتصادية ضد النظام.

ما يمكن قوله، وباختصار شديد، اننا امام حرب اهلية فعلا، فاذا كانت قوات الجيش السوري الحر استهدفت اليوم مركزا للمخابرات السورية المكروهة في البلاد بسبب جرائمها في حق الشعب السوري، فانها ستستهدف مراكز اخرى او حواجز للجيش والأمن في الغد وبعد الغد. فتعداد هذا الجيش المنشق الذي يمثل الجناح العسكري للمعارضة السورية بلغ حتى الآن ثلاثين الفاً، وهو رقم متواضع بالنسبة الى قوات الجيش السوري الرسمي التي تزيد عن ربع مليون مجهزة باسلحة ثقيلة ومتطورة. ولكنه قد يكون نواة لحرب استنزاف دموية في حال اقامة مناطق عازلة في شمال سورية او جنوبها.

الايام المقبلة ستكون حاسمة على صعيد المشهد السوري، حيث ستتضح المواقف والأدوار لكل اللاعبين المتدخلين في الازمة، من عرب ومسلمين وغربيين، والشيء الوحيد الثابت والمعروف والذي لا يحتاج الى تأكيد ان النظام السوري سيستمر في اللجوء الى الحلول الامنية والعسكرية الدموية.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى