عشريني سوري ترك دراسة الطب ليوثق دمار الحياة بمدينته
داسته أقدام الشبيحة في مظاهرة ليبقى على الطريق ساعات ليصيبه القناص بعد تعافيه
دمشق – جفرا بهاء
بعيداً عن الضربة العسكرية التي ينوي المجتمع الدولي توجيهها للنظام السوري، وقريباً من معاناة السوريين، يبدو “عبد” ذو الـ23 عاماً موثقاً من الطراز الرفيع لآلام ودمار شعبه وبلاده.
يملك طالب طب الأسنان “عبد” أكثر من 300 صورة معظمها في مدينته دوما بريف دمشق، وإن كان مطلوباً من الأمن بسبب تقرير رفعه زميله في السكن الجامعي واتهمه فيه بمناصرة الثورة، فإنه لم يجرب الاعتقال ولكنه جرب ماهو أسوأ من الاعتقال..
تدخل دوما فيصدمك الدمار، فدوما تعيش تلك الحياة التي تحتاج للحياة، ويتأرجح سؤال في ذهن المراقب “كيف يجدون سقفاً وابتسامة وهواء ليكملوا حياتهم”.
وإن كان كثير من الشباب السوري تحول لمهنة الصحافة الميدانية الجديدة والتي ارتبطت بالثورة، فإن عبد يعتبر من أكثرهم مهنية ودقة، يقول: “جميع معداتي -البسيطة حتى الآن- من عدسات وذواكر وأقراص صلبة وكاميرا- هي من مالي الشخصي وبدعم من أهلي، لم أتقاضَ دعما من أحد ولم أقبل التمويل من أي جهة”، ويتابع عبد: “في الجبهات تغدو الصورة سباقاً، إن لم تفطن لها وتقتنصها فستفوتك إلى الأبد”.
ربما تحتاج العينات التي أخذتها لجنة التحقيق الأممية إلى أيام لمعرفة إن كان النظام استخدم السلاح الكيماوي أم لم يستخدمه، ولكن لن يحتاج معرفة تفاصيل الدمار الذي ألحقه نظام الأسد بسوريا إلى مناشدات، مع وجود عدسات لشباب سوريين في كل محافظات ومدن سوريا، ويبدو توثيق عبد لدوما منظماً ودقيقاً، بحيث إنه وضع عنواناً لكل صورة بما يتناسب معها ومع مناسبة التقاطها.
عملت مع الجيش الحر
رافق عبد الجيش الحر، واحتك مع مصورين ومراسلين أجانب، ما جعله بحسب ما قال “يتقن العمل ويحاول إجادته ويتطور بسرعة”، وهو لايزال ينتظر عدسة لكاميرته منذ شهور لم يسمح لها الحصار من قبل النظام بالوصول حتى الآن.
أنشأ حساباً على “فليكر” لأرشفة صوره وعرضها للعالم وعلى الملأ، وبعض صوره انتشرت على نطاق واسع دون أن يعرف أحد أنه صاحبها.
تجربتي مع النظام
يقول عبد: “تعرضت للإصابة مرات عديدة بسبب كوني في الميدان دوما، أولاها كانت مبكّرة جدا في 25-3-2011 أي بعد 10 أيام من انطلاقة الثورة، عقب فض الشبيحة لاعتصام في بلدتي دوما، وملاحقتهم لي، ثم دوسهم علي بالأقدام وتركي على قارعة الطريق مدمّى، بقيت بعدها طريح الفراش مدة أسبوع، وكانت إصابتي التالية أثناء تصويري لاشتباك قريب، بين الجيشين الحر والنظامي , فرمتني الدبابة بقذيفتين في فخذي الأيمن، فور تعافيّ تقريبا بعدها بشهرين قررت العودة للعمل، وفي أول خروج لي للتصوير, رماني القنّاص برصاص كثيف أدى لحادث مروري مع سيارة كبيرة، وكسر يدي وساقي اليمنى وحاجتي لأسياخ معدنية لتدعيم العظم”.
وإن كانت الإصابة أمر أقرب للحدث اليومي في سوريا، فإن إصابة عبد الأخيرة والتي لا يزال يعاني منها تقلقه من جهة أنها قد تمنعه من العودة للتصوير، صور “عبد الدوماني” لا تقبل الزوال، لأنها ليست توثيقية فحسب، وإنما جمالية، تصور الحياة التي لايزال السوريون يسرقونها من الموت الذي جلبه لهم نظام بشار الأسد.