عصيان” يجفف إيرادات النظام السوري
سلام السعدي
عن صفحة “عصيان مدني في كل المحافظات السورية” على فايسبوك
تعيش الخزينة السورية أياماً عصيبة، بعدما جفت إيراداتها بصورة غير مسبوقة تحت ضغط امتناع عامة السوريين عن دفع التزاماتهم المالية من ضرائب ورسوم وأقساط قروض، وصولاً إلى فواتير الكهرباء والماء والهاتف. ذلك في محاولة “سلمية” منهم للضغط على النظام الذي قابل محاولتهم تلك بمجموعة تدابير لم تخلُ من العنف والتهديد والابتزاز.
هو العصيان المدني إذن، الذي دعا إليه ناشطون سوريون منذ بداية الثورة، أكان من منظور مبدئي يرفض العنف ويروج لثقافة المقاومة اللاعنفية كسلوك استراتيجي منظم، أو من منظور براغماتي لتعزيز مشاركة السوريين في ثورة تعددت أشكال نضالها لإسقاط النظام.
وتصدت الحكومة السورية لهذا السلوك عبر مجموعة من التدابير هي مزيج من سياسات الترغيب والترهيب، هكذا أصدرت “وزارة الكهرباء” هذا الأسبوع تعميماً دعت فيه المشتركين إلى الاستفادة من القانون الرقم 26 للعام 2012، و ينص على “إعفاء المدينين بذمم مالية ناجمة عن استجرار الكهرباء من كامل الفوائد والغرامات والبدلات المترتبة عليهم إذا بادروا إلى تسديد تلك الذمم قبل نهاية شهر آذار الجاري”. هذا بالإضافة إلى جعل كوات الجباية في الشركات العامة للكهرباء تعمل في أيام العطل الأسبوعية “لإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد من المواطنين للاستفادة من هذا القانون”. كذلك فعلت وزارة المالية بإعفاء المكلفين الضريبيين من الغرامات المترتبة على تأخرهم عن السداد، قبل أن تنتقل إلى سياسة بيع ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة.
لكن النظام الذي يطبق منذ عامين شعار الغاية تبرّر الوسيلة، لم يكتفِ بسلك القنوات القانونية لتحصيل “حقوقه” المالية، فبنظره كل الوسائل متاحة ومشروعه. هكذا “ابتكر وسيلته الأنجع والفريدة من نوعها لدفع السوريين إلى سداد ما هو مترتب عليهم” يقول سامر. ويشرح لـ “المدن”: “تقوم قوات النظام في العديد من البلدات بإنذار السكان عبر مكبرات الصوت بضرورة أن يصطحبوا معهم آخر فاتورة كهرباء وماء وهاتف لدى مرورهم على الحواجز العسكرية وإلا تعرضوا للاعتقال”، حتى صارت الفاتورة بمثابة الهوية الشخصية. لا عجب في ذلك، يقول سامر، إذ أن “السوري في حكم البعث يستحق الهوية السورية بمقدار ما يقدم من خدمات للنظام، الفاتورة تعني أنك سوري مطيع، وهذه هي هويتك الحقيقية بالنسبة للنظام”.
أما أبو رامي الذي لا يزال “صامداً” كما يقول في منزله جنوب دمشق، فهو يتحايل منذ أكثر من عام لئلا يدفع فاتورة الكهرباء للدولة، وذلك من خلال استجرارها بشكل غير قانوني. يقول أبو رامي لـ”المدن”: “قبل الثورة لم أوافق أبنائي على فكرة استجرار الكهرباء بهذا الشكل، وكنت اعتبرها بمثابة سرقة، أما الآن فلست مستعداً لدفع ليرة واحدة تصب في خزينة النظام”. يضيف: “الدولة اليوم ضعيفة جداً ولا تستطيع دخول كل المناطق للوقوف على حجم الاستجرار غير القانوني للكهرباء ومحاسبة من يقوم بذلك، ما حررنا من التزاماتنا تجاهها”.
أما عبد الله القاطن في إحدى قرى درعا، فقد انهمك بالعمل على برنامج معالجة الصور “فوتوشوب”، بغية “تزوير” التاريخ على الفواتير القديمة، وتقديمها أثناء عبور الحاجز العسكري على أنها فاتورة حديثة وحقيقية. يقول عبدالله لـ “المدن”: “لم أجد سوى هذه الوسيلة لكي أتفادى دفع الأموال للنظام”، ويضيف: “جميع السكان في القرية يأتون إلي لكي أخلصهم من هذا المأزق”.
وكانت قوى الثورة السورية قد عملت بشكل مستمر على تنظيم وتوسيع دائرة السوريين المنخرطين بـ”العصيان المدني”. وأطلقت في سبيل ذلك سلسلة من دعوات الإضراب عن العمل والامتناع عن التعاون مع النظام. دعوات لم تلق قبولاً في البداية كما يقول شادي الناشط في العمل المدني لـ”المدن”. لكن و”كما فشلت دعوات عدة للتظاهر قبل أن تنجح إحداها في سوق الحميدية في 15 آذار، كذلك هو الحال مع دعوات الإضراب، التي فشلت دعواتها الأولى، ليستجيب السوريون لاحقاً لها، وبشكل متدرج، حتى وصلت استجابتهم الى ذروتها في إضراب الكرامة”.
وفيما يعتبر شادي أن الهدف الرئيسي من إضراب الكرامة تمثل في شل الحركة الاقتصادية وإجبار النظام على وقف العنف والإفراج عن المعتقلين، يشدد على “أننا اليوم مقتنعون بأن تمويل آلة الحرب للنظام عبر الجباية من المواطنين ليس سوى قطرة في محيط الدعم الإقليمي والدولي”. من هنا، بات السوريون “يمتنعون عن دفع الفواتير ليس لقناعةً منهم بأثر ذلك على مواصلة النظام لحربه عليهم، إنما لمقتهم الشديد للنظام ولجرائمه المرعبة، والشعور بأنه من العار أن تدفع شيئاً لمن يدمر البلاد ويقتل الشعب على هذا النحو”.