عفرين: “وحدات الحماية” وسياسة “التكريد”/ خالد الخطيب
تتبع “وحدات حماية الشعب” الكردية في منطقة عفرين شمال غربي حلب، سياسة تكريد ملكية الأراضي الزراعية والعقارات، وتحاول توظيف رأس المال المتوفر لدى رجال الأعمال الموالين لها لشراء العقارات والأراضي الزراعية والعمل على التقليل من سيطرة الملاك العرب، بل والضغط عليهم لبيع ممتلكاتهم بأسعار تقوم هي بتحديدها. هذه السياسة تسارعت مؤخراً، وهي تتركز بشكل كبير في ذلك الكانتون الصغير المنفصل عن بقية مناطق سيطرة “الوحدات” شمال شرقي سوريا.
عضو المكتب الإعلامي لمدينة إعزاز عبدالقادر يوسف، أكد لـ”المدن”، أن “وحدات الحماية” في عفرين أجبرت أحد أثرياء أعزاز على بيع أرضه التي تقع على أحد مداخل عفرين، لثلاثة رجال أعمال موالين لـ”الوحدات” بمبلغ مليار ونصف ليرة سورية. والعملية أشبه ما تكون بـ”التشليح” نظراً للقيمة الحقيقية للأرض المباعة والتي تتجاوز خمسة أضعاف ما تم دفعه لصاحبها، فالعقار الزراعي مؤلف من عشرات الهكتارات المزروعة بأشجار الزيتون والتي تزيد أعدادها عن 15 ألف شجرة، ويوجد في العقار معاصر زيت الزيتون، وبعض المزارع والأبنية السكنية، وتتمتع الأرض بموقع استراتيجي قرب عفرين.
وأوضح يوسف: “هذه الصفقة واحدة من صفقات بيع كثيرة أجبرت خلالها الوحدات الملاك العرب من خارج عفرين على بيع أراضيهم في عفرين وريفها، في بلدات دير صوان وشران والقسطل وقطمة، وغيرها من مناطق الضواحي القريبة من مدينة عفرين. ويمتلك العرب مساحات شاسعة من الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون بشكل خاص، وهي في الغالب أراض خصبة تتمتع بوفرة المياه الجوفية”.
وأشار يوسف إلى أن “وحدات الحماية” تحصل على أموال إضافية لتنفيذ سياسة “تكريد” العقارات الزراعية والتجارية والسكنية في عفرين، تأتي من موالين لـ”الوحدات” مقيمين في أوروبا، أو من تبرعات يرسلها التنظيم الأم “حزب العمال الكردستاني” في تركيا.
وعندما أصبحت “وحدات حماية الشعب” الكردية هي الحاكم الفعلي في منطقة عفرين، منذ بداية العام 2012 حتى قبل دخول المعارضة المسلحة إلى مدينة حلب منتصف العام نفسه، بدأت بالتضييق على أصحاب العقارات الزراعية والتجارية من غير الأكراد، ومارست الضغوط نفسها على الملاك الأكراد المناهضين لها، وصادرت على فترات متلاحقة مساحات واسعة من الأراضي المشجرة بأشجار الزيتون والعقارات السكنية والتجارية ليديرها أشخاص محسوبون على “الوحدات”.
الضغوط القديمة تطورت خلال الشهور القليلة الماضية، ومنعت “الوحدات” أصحاب الأراضي الزراعية من دخول أراضيهم في قرى ريف منطقة عفرين؛ في قسطل ودير صوان وشران، وغيرها، وتعرض بعض أصحاب العقارات الزراعية للاعتقال التعسفي بحجة الأمن باعتبار أن منطقة عفرين ومناطق الضواحي القريبة من أعزاز هي مناطق عسكرية تنتشر فيها الثكنات العسكرية التابعة لـ”الوحدات”.
“وحدات الحماية” فرضت على أصحاب الأراضي، بيع محاصيلهم في عفرين أو أن يكون مصيرها المصادرة، خاصة محصول الزيتون. وتطورت هذه الضغوط حتى أصبحت التهديدات بشكل علني: “إما أن تبيع عقارك، زراعياً كان أم سكنياً أم تجارياً، وبالسعر الذي يتم تحديده، أو تتم مصادرته”. وفعلاً امتثل عدد كبير من ملاك الأراضي للضغوط وباعوا عقاراتهم خوفاً من أن تستولي عليها “الوحدات”. ومن بين الذين أجبروا على بيع أملاكهم في منطقة عفرين؛ فاضل كنو ومحمد لقحيني ونافع خيرو وعمار حمود، وهم من كبار الملاك. “الوحدات” صادرت أيضاً مئات المزارع والبساتين التي تعود ملكيتها لتجار حلبيين غادروا سوريا خلال السنوات السابقة. واستولت “الوحدات” على عدد من معاصر الزيتون التي تعود لتجار عرب لا يسكنون في منطقة عفرين.
والتقت “المدن” مع عمار حمود، مالك لعقار زراعي في بلدة شران التابعة لمنطقة عفرين، فقال: “مع بداية العام 2014، بدأت الوحدات تمارس مختلف الضغوط علي، فمنعتني من الوصول إلى أرضي، وكان هناك دائماً مبررات أمنية بحسب قولهم. كنت أستطيع أن أرسل سائق الجرار الزراعي فقط ليحرث البستان المشجر بأشجار الزيتون. وتم طلبي أكثر من مرة للمكتب الأمني التابع للوحدات في بلدة شران، وكانت الاتهامات لي بأني أنتمي لتنظيم الدولة الإسلامية، واتهمت بأني تابع للجيش السوري الحر، وهكذا إلى أن تطورت الضغوط خلال الفترة الماضية وهددوني بأنهم سيصادرون أرضي في حال لم أمتثل للبيع”.
وأوضح حمود أن صديقاً له من مدينة عفرين، مقرب من “الوحدات”، أخبره بأنها تنوي مصادرة عقاره الزراعي وعليه أن يبيعه مهما كان السعر المعروض عليه. وفعلاً باع حمود عقاره بمبلغ 100 ألف دولار، وهو نصف السعر الذي تستحقه الأرض.
أصحاب العقارات السكنية والتجارية، داخل عفرين، لم يكونوا أفضل حالاً، فتمت مصادرة العديد من العقارات التي تعود ملكيتها لعرب، والمبرر غالباً إما اتهامهم بموالاة الجيش الحر، أو تنظيم “الدولة”، أو تغيّبهم في المنطقة. كذلك فرضت “الوحدات” بشكل غير علني على الراغبين في السكن في مدينة عفرين أو ضواحيها أن تكون إقامتهم وفق عقد إيجار يُعرض على المكتب الأمني، وسط منع العرب من شراء عقارات سكنية أو تجارية في المدينة.
ناشطون سوريون أكراد مناهضين لـ”الوحدات” قللوا من أهمية سياسة “تكريد” العقارات في المنطقة، وأكدوا بأن سياسة “الوحدات” التعسفية والقمعية لا تفرق بين عربي وكردي، فهناك عدد كبير من ملاك العقارات الأكراد المعارضين لها ممن صودرت أملاكهم. واعتبر النشطاء أن هذه السياسة تهدف بالدرجة الأولى إلى فتح باب جديد للدعم المالي الذي تحتاجه المليشيا. وفي الوقت ذاته يرى أصحاب العقارات العرب في منطقة عفرين أنها سياسة خبيثة وهم متخوفون للغاية من هذه الإجراءات العنصرية.
المدن